غلاف كتاب مشروع الجاحظ الثقافي

مشروع الجاحظ الثقافي

الله، الإنسان، المجتمع

بين المقدمة والمدخل

الفصل الأول الجاحظ اللغوي

الفصل الثاني الجاحظ وعلم الكلام

الفصل الثالث الجاحظ والإنسان

الفصل الرابع الجاحظ والمجتمع

الفصل الخامس الكتاب والكتابة

الفصل السادس في المعرفة

اقتباسات من الكتاب

بين المقدمة والمدخل

يهدف هذا البحث إلى دراسة الجاحظ بوصفه عالِماً متكاملاً يعكس الغنى الفكري لعصره بطريقة نموذجية؛ فقد نشأ في البصرة مركز العلوم في عصره، وتعلم فيها وفي مكتباتها بشغف مثالي. وعاش في العصر الذي اشتد فيه الصراع الثقافي بين العرب والفرس على نحو خاص، وهو صراع سياسي في الأصل، واشتد فيه الصراع العقائدي (الكلامي) وهو الآخر صراع منشؤه السياسة. ونشطت فيه حركة الترجمة ثم حركة التأليف. بالإضافة إلى موهبتِه الأدبية وعبقريتِه التي أبقته في منصب زعامة الأدب إلى الآن، وعمرِه المديد الذي استغله أحسنَ استغلال فظل يكتب إلى أواخر حياته.

وليس من المفيد كثيراً أن نتكلم في تفاصيل حياته المعروفة قليلاً أو كثيراً؛ فشهرته تغني عن هذا التفصيل. ولن نتوقف عند الخلاف على أصله العرقي لأن ما يهمنا في المقام الأول هو ما كتبه، وليس ما كُتب عنه وما قيل فيه؛ فرأي الجاحظ هو أن "العرب كلهم شيء واحد لأن الدار واحدة، والأخلاق والشيم واحدة، واللغة واحدة، وبينهم من التصاهر والتشابك، والاتفاق في الأخلاق والأعراق، ومن جهة الخؤولة المردَّدة  والعمومة المشتبِكة، ثم المناسبة التي بنيت على غريزة التربة وطباع الماء والهواء، فهم في ذلك بذلك شيء واحد في الطبيعة واللغة والهمة والشمائل، والمرعى والراية، والصناعة والشهوة" (1) ويرى أن "المشاكلة من جهة الاتفاق في الطبيعة والعادة ربما كانت أبلغَ وأوغل من المشاكلة من جهة الرحم" (2). وتجيب الجملة الأخيرة على إشكالِ كونِ كثير من العلماء المسلمين من أصول عرقية غير عربية؛ فقد نشؤوا وفكروا وكتبوا في ظل الحضارة الإسلامية، وباللغة العربية. ونجد الجاحظ قد تخلص كذلك من بقايا التفكير القبلي والتقسيم إلى عربِ شمالٍ وعرب جنوب، وتخطَّى ضرورة الأصل العرقي الواحد ليصل إلى مفهوم مبكر للقومية العربية.

واللغة الواحدة التي يقصدها الجاحظ تحل مشكلة ظلت كتب التاريخ تتحدث فيها وهي مشكلة لغة عرب الشمال التي هي لغة إسماعيل النبي التي أنطقه الله بها فانفصلت لغته عن لغة بقية العرب،  وتلك التي لعرب الجنوب؛ إذ يرى أن كل لغة لا بد أن تنفصل عن أصل ما؛ وإلا تكلم الناس جميعاً لغة واحدة هي لغة الإنسان الأول آدم.

ولن نتوقف كذلك طويلاً عند مصادر ثقافته؛ إذ يمكن القول إنها كل ثقافات عصره من شعر ونثر، وعلوم دينية، ومترجمات عن الفارسية، و خصوصاً عن اليونانية. ويكفي أن نعرف أن البصرة هي المركز الأول للعلوم قبل أن ينبه شأن بغداد. ويكفي كذلك أن نعرف أنها كانت تضم عناصر عرقية ودينية متنوعة بما يكفي لإقامة مجتمع تتصارع فيه وتتمازج روافد كثيرة. وقد ألف المستشرق الفرنسي شارل بيلا مؤلَّفاً خاصاً بهذا الغرض بعنوان " الوسط البصري وتأثيره في نشأة الجاحظ " تُرجم إلى العربية تحت عنوان " الجاحظ ".إن الفكرة الشائعة عند أغلب من قرأ الجاحظ أو شيئاً منه أو عنه هي أنه كاتب فوضوي يتكلم في كل شيء؛ بل إن شارل بيلا نفسه يتهمه بالهُراء أحياناً (3). والفكرة الشائعة الأخرى أنه كاتب يهدف إلى إمتاع القارئ فحسبُ؛ فهل كان الجاحظ حقاً كما يتهمونه؟ كُتب الكثير عن الجاحظ من زوايا مختلفة من الدراسة. وهذا المؤلَّف محاولة لتلمُّس ما يمكن تسميته بالهم الثقافي للرجل، دون الانطلاق من أية أفكار مسبقة أو مناهج بحث معينة، بموضوعية باردة على طريقته، ودون موقف مسبَق منه، سواء كان موقفاً قومياً أم موقفاً دينياً. وبمزيد من التبسيط هو محاولة للإجابة على السؤال التالي: ما الذي كان الرجل يريد أن يقوله للناس عبر هذه المؤلفات؟ ولذا لم يفعل المؤلِّف أكثر من استخلاص أفكاره المتفرقة هنا وهناك وتجميعها في محاور رئيسة دون التدخل فيها أو محاولة تقويمها. ولا يزعم المؤلف أنه فتح عظيم في فكر الجاحظ، وإنما هو عرض للأفكار ووضعٌ للخُطا على طريق معرفةٍ أفضلَ للرجل. وسنستعمل لغته، ما أمكن، قناعة منا بأننا لا نستطيع أن نعبر مثله، دعك من أن نعبر أفضل منه، إلا ما تقتضيه ضرورات الشرح والتسهيل والاختصار. ولمزيد من الاختصار عمدنا إلى شرح المفردات الصعبة بين أقواس، وفي أماكنها دون حواشٍ، وأحلنا إلى الحواشي ما يحتاج إلى شرح مطوَّل. وأكملنا بعض العبارات الغامضة بين معقوفين.

يمكن أن نصنِّف كتابات الجاحظ التي وصلتنا إلى:

  1. كتابات أراد بها إثبات تفوقِه وقدرتِه على الكتابة في أي موضوع بفضل منهجه الجدلي الخصب، وقدرته على تشقيق المعاني، كما في "تفضيل الظَهر على البطن" و "الشارب والمشروب" و "التربيع والتدوير" إلى حدٍّ جعلنا نتصور أنه قادر على الكتابة في كل موضوع.
  2. كتابات جمع فيها مادة أولية من الأشعار والأخبار في موضوع محدد، كالجزء الأعظم من "البيان والتبيين" بعد مقدمته النظرية في البلاغة. و"كتاب البغال" من مجموعة رسائله، و "كتاب البُرصان والعُرجان والعُميان والحُولان" التي جمع فيها أخبارهم وأشعارهم، و "التربيع والتدوير".
  3. ومن مؤلَّفاته ما كانت له مهمة سياسية آنية تتعلق بعصره، وإن بقي لها شيء من القيمة التاريخية، من نحو "مناقب الترك " فقد كانت الدولة في عصره دولتهم، و "فخر السودان على البيضان"
  4. ويُعَدُّ "كتاب الحيوان" موسوعة علمية لمعارف عصره في هذا الموضوع. ومعرضاً لأفكار أخرى من غيرِ عالَم الحيوان.
  5. القسم الذي يبدو أن الجاحظ، ولا سيما أنه معتزلي، بل رئيس فرقة منهم، يحاول فيه بناء شخصية الإنسان المسلم السويِّ المتوازن بينه وبين نفسه، والسوي مع ربه، ومع مجتمعه. ويعالج فيه بعض المشكلات الاجتماعية في عصره، والتي ما يزال بعضها حياً، كالبخل، والنساء.

ويمكن أن نحصر كلامنا في هذا البحث بعد استعراض مؤلفاته فيما يلي :

  • الجاحظ اللغوي الذي يؤسس لعلم البيان والبلاغة.
  • الجاحظ العالم، وخصوصاً في علم الكلام، وهو جانب يرتبط بالسياسة والتاريخ.
  • الجاحظ الـمَعنِيُّ بالنفس الإنسانية والمجتمع.