أحمد أمين مصلحاً لغوياً
يعود الاهتمام باللغة العربية جمعاً وتدويناً وتقعيداً إلى اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول ملايين من غير العرب في الدين الجديد وهم لا يتكلمون العربية بالسليقة كما يتكلمها العرب، ثم إلى الدين الجديد وعلومه كالفقه والتفسير، والتي كانت العربية أداتها. ثم إلى التفاعل بين هذه الشعوب من جهة، وبينها وبين العلوم واللغة من جهة أخرى.
وما يلفت النظر في نشأة العلوم اللغوية أنها اتجهت منذ البداية اتجاهين متغايرين: اتجاه جمعة المعاجم المحافظين، واتجاه النحاة المتحررين. اقتدى الأولون بجَمَعة الحديث النبوي وإن لم يبلغوا شأوهم في تحرُّجهم وطرق توثيقهم، وأصروا على إقفال المعجم العربي حيث وصلوا في الزمان. أما النحاة ففرضت عليهم طبيعة عملهم أن يسلكوا نمط تفكير آخر؛ فاللغة قابلة للجمع ولكن يستحيل على النحوي أن يسمع كل فعل ماضٍ وفعل مضارع، وكل فاعل وكل مفعول... فكان لابد أن يقيس غير المسموع على المسموع ليستنبط القواعد.
وليس من المصادفة أن يكون معظم النحاة الأوائل من المعتزلة؛ فالنحو علمٌ عقلي وإن كانت مادته الأولية نقلية. والاعتزال "منهج في البحث والتجربة والاستدلال العقلي" (1). "وقد كانت ثقة المعتزلة بالعقل كبيرة لا يحدّها إلى أوامر الشرع، فكل مسألة من مسائلهم يعرضونها على العقل، فما قبِل أقرّوه، وما لم يقبل رفضوه" (2) يُضاف إلى هذا كونُ المعتزلة النتاجَ الأسمى للتفاعل الثقافي الحضاري، هادفين إلى تكوين أمة واحدة تمّحي فيها الحدود بين الأمم المنضوية تحت راية الدين الجديد، وتتكلم العربية"(3)
...
ينتمي النحاة المعتزلة الأوائل – عدا الفرّاء – إلى البصرة المعقل الأول والأهم للاعتزال، فتميزت مدرسة البصرة النحوية منذ تبلوُرِها على يد الخليل وسيبويه بالتشدد في قبول الروايات حرصاً على سلامة اللغة، ومحاوَلة لاحتواء اللغة في قواعد شاملة مطَّرِدة يتسنّى جمعُها وحِفظُها وتعليمها، ونبْذِ ما لا يندرج تحتها إلى هامش الشواذّ، وإقامة توازن بين قطبَي النظام اللغوي: السماع والقياس.
وما يلفت النظر أيضاً أن نشوء مدرسة القياس البصرية في النحو بزعامة الخليل (- 170ه) توافق مع نشوء مدرسة القياس في الفقه بزعامة الأحناف الأوائل: أبي حنيفة النعمان (- 150 ه)، وصاحبَيه محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبي يوسف، زماناً ومكاناً.
أجرى نحاة البصرة دراسة تحليلية شاملة للغة العربية. غير أن استفحال الخلاف بين مدرستي البصرة والكوفة، لأسباب موضوعية وغير موضوعية، كالتمايُزِ بين دعاة العقل ودعاة النقل، والأهواءِ السياسية لرموز الحكم العباسي، ورغبةِ بعضهم في تحويل النحو إلى مادة للتسلية في مجالسهم، أبرزَ الحاجة للخروج من هذا المأزق، فكان الجيل الجديد من النحاة الذين ينسبون أنفسهم إلى البصرة، وينسبهم تاريخ النحو إلى بغداد، والذين هم من المعتزلة أيضاً، كالسيرافي شارح كتاب سيبويه (-368 ه)، والرماني (_ 384 ه)، ثم الأستاذ أبي علي الفارسي (- 377 ه)، وتلميذه ابن جني (- 392 ه).
اتبّع لغويو مدرسة بغداد منهج الدراسة الوظيفية للغة العربية، وطمحوا لإنقاذ اللغة وعلومها من المهاترات برفع العلل النحوية إلى مستوى العلل الكلامية (المنطقية)، لا العلل الفقهية. فسلكوا سبيلين متكاملين إلى هذا الهدف، وهما:
-
فهْمُ اللغة العربية فهماً موضوعياً عميقاً من خلال مقولتين ينطلق منهما اليوم علم اللغة الحديث، وهما:
- اللغة نظام إشارات اعتباطية، بمعنى عدم وجود علاقة سببية بين الدال والمدلول، أي بين اللفظة وما تُحيل إليه في الواقع.
- اللغة ظاهرة اجتماعية، بمعنى أن المجتمع صاحبُ هذه اللغة، فعلينا تقبُّلُ ما قاله ضمن الإطار الزماني والمكاني لعصر الاحتجاج، أي ما قيل منذ النصوص اللغوية الأولى، قبل الإسلام بـــ 150 سنة تقريباً إلى ما بعد الإسلام بــ 150 سنة أيضاً، وفي أواسط شبه الجزيرة العربية، باعتبار العلاقة الاعتباطية أساساً، أي دون أن نسأل: لماذا قال العرب كذا، ونتخذ ما قالوه أساساً نبني عليه القاعدة، ثم نطوّر اللغة عن طريق القياس مادام المجتمع نفسه يتطور.
- إذا تجاوزنا الظواهر التي لا تعلل فإن سواها قابل للتعليل. والتعليل غايته الإفهام عن طريق العلاقة السببية. وعلى أساس العلة الجامعة خطا ابن جنّي الخطوة الحاسمة على طريق وضع القاعدة اللغوية الشاملة (4)، فعُني في كتابه "الخصائص" عناية فائقة بالعلل لأنها وسيلة القياس، مؤهَّلاً بمذهبه الاعتزالي، وبتتلمُذه على أبي علي الفارسي، وبتفكيره الموضوعي القائم على احترام الأقدمين دون تعبُّدِهم.(5)
رافقَ ازدهارُ النحو جمْع مفردات العربية بالشروط المعروفة، وبأخطاء كثيرة. غير أن ما جرى غلب عليه الطابع البدوي. فتوسعت اللغة عن طريق التوسع في مدلول الكلمات كالفاعل والمفعول...، وبنقْلِ الكلمات الأعجمية كما هي إلى العربية "وأكثرُ ما كان ذلك في أسماء البلدان والنباتات والحيوانات والآلات والأمراض والمآكل التي لم يعرفوها قبلُ"(6) وكان الجاحظ المعتزلي قدوة في توليد الألفاظ وتعريبها.
ومثلما كان المعتزلة روّاد النحو كانوا رواد اللغة صوتياً ومعجمياً، بدءاً بالخليل صاحب معجم "العين"، مروراً بسيبويه، وانتهاء بابن جني في كتابيه "الخصائص" و"سرُّ الصناعة".
نكسة المعتزلة والدراسات اللغوية
يَعُدّ أحمد أمين كلَّ ما أُلِّف في النحو تكراراً لــ "كتاب" سيبويه الذي "كان من القوة بحيث كان المرجع في العالم الإسلامي منذ تاريخ تأليفه. وكلُّ ما فعله الناس بعده أنهم شرحوا غامضاً أو اختصروا مطوَّلاً... أما الأسس التي بُني عليها الكتاب فبقيت كما هي في النحو والصرف إلى اليوم، من عهد شرح السيرافي لكتاب سيبويه، إلى "النحو الواضح" لعلي الجارم بك". (7)
وهذا الحكم نتقبّل شِقَّه الثاني وهو ثبات النحو على ما في "الكتاب"، ونتحفّظ على شِقّه الأول؛ فالحقُّ أن المؤلفات النحوية زادت زيادة مفرطة من عشرات النحويين الطفيليين على مائدة سيبويه، ولكن بعضها مسوَّغٌ لأسباب تتعلق بالضرورات التعليمية، وبازدهار علوم أخرى كالبلاغة وعلم الكلام وأصول الفقه.(8)
على أن النحاة تحولوا بعد أواخر النحاة المعتزلة كابن يعيش الحلبي (- 643 ه) والرضيّ الأستراباذي (- 688 ه) إلى شُرّاح ومُحشِّين على الشروح، وملخِّصين، ونُظّام، أي إلى "خَدَمة" بمصطلح تآليف النحو. وخلت القرون الستة الأخيرة من الذرا النحوية باستثناء ابن هشام صاحب "مغني اللبيب". وقد هاجم ابن خلدون ظاهرة كثرة التآليف وظاهرة المختصرات، لِما تبِعها من اختلاف في مصطلحات التعليم، وعُسْرٍ في البلاغة والفهم. (9)
اختفى باختفاء النحاة المعتزلة النحوُ التعليلي، وحلّ محلَّه النحوُ التلقيني، نحوُ ابن مالك وأبي حيان الأندلسيين. والأندلسيون متهمون من قبَل ابن خلدون بالتخلف عن عقل المشرقيين. (10) ففتَّتَ ابنُ مالك النحو إلى خلاصات وقواعد جزئية تُحفَظ دون أن يُطلب فهمُها. وكان هذا النمط ملائماً جداً لروح عصر الانحطاط. وأصرّ أبو حيان على عزل النحو عن كل علمٍ آخر انطلاقاً من مذهبه الظاهري في الفقه الذي يقف عند ظاهر النصوص. ولم تفلِح جهود بعض النحاة المتأخرين كالسُّبكي والدماميني والشُّمُنّي، الواعية أو غيرُ الواعية، في إعادة اللحمة إلى علوم العربية، ولا في العودة إلى أسلوب النحو التعليلي. وكلُّ ما فعلوه هو التمحُّل في أخطاء أسلافهم والتضييقُ عليهم إلى حدّ التعسُّف والتعنُّت.
وفي ميدان جمع اللغة، بعدما استقر تصنيف المعاجم على طريقة الجوهري في "الصحاح"، وبعدما تورّع الجوهري عن إثبات ما لم تثبت لديه صحتُه، فاقتصر على نحو أربعين ألف مادة، تباهى الفيروزبادي صاحب "القاموس المحيط" بإضافة عشرين ألف أخرى، وابنُ منظور صاحب "لسان العرب" بإضافة عشرين ثانية. ولكن هذه الزيادات هي غالباً نتاج تشوُّه نظام المعجم العربي وتفاقُم أخطائه وعيوبه، على نحو ما نقرأ في نقد أحمد أمين للنظام المعجمي العربي.
واستقرت الدراسات الصوتية على ما يخدم القراءات القرآنية والتجويد دون الأبحاث الرائدة التي بدأها النحاة المعتزلة، ولاسيما ابن جني، في كتابيه "الخصائص" و "سر الصناعة".
في ظل هذه الأوضاع القاتمة الموروثة يأتي أحمد أمين.
أحمد أمين: مكونات علمية
استسلمت مصرُ زمن طفولة أحمد أمين بعد إخفاق الحركة العرابية إلى "نوع من الخوف واليأس، وأحاط الإنجليز مظاهرهم بالعظمة والقوة". كان أبوه يرى – وليس مفرداً – أن هذا الاحتلال "قضاءُ الله وانتقامه من عباده لأن المصريين ظلم بعضُهم بعضاً، وظلمهم حكامهم، وعصَوا الله فسلّط الإنجليزَ عليهم". (11) وشيوخ الأزهر ما زالوا يقرؤون على الطلاب من "الشروح والحواشي والتقارير"، وطلَبتُه ينتقلون من عمود هذا الشيخ إلى عمود ذاك. غير أن هذا الركود الظاهري كان يخبئ تحته بوادر التملمُل الوطني، ورحاب الأزهر تضج بطرائق التعليم السقيمة.
درس أحمد أمين خمس سنوات في كتاتيب ذلك العصر التي مفرداتُها "سيدنا" و"العريف" و"الفَلَقة"، والأصابع القذرة المغموسة في صحن الفول. وقبْل هذا وذاك عُقمُ أسلوب التعليم. يقول أحمد أمين عن أول درس في الكُتّاب "ألِف": "درسٌ حفظتُه ألف لام فاء، ولم أفهمه إلا في سن العشرين" مع أنه عمل مدرساً للغة العربية في سن السادسة عشرة ثم الثامنة عشرة: "فلا تعجبْ بعد ذلك إذا وجدتَ أرواحاً ميتة ونفوساً كسيرة. ومن أجل هذا كان أكره شيءٍ علينا الكتّاب واسم الكُتّاب وسيدنا"(12)
ودرس في مدرسة والدة عباس باشا الابتدائية أربع سنين أخرى. وقد انعكست في برامجها أهمُّ تطورات التعليم في مصر بانحسار تعليم القرآن واللغة، لحسابِ شيء من التاريخ والجغرافيا، واللغة الفرنسية التي لم يستطع تعلُّمَها بسبب برامج والده الثقيلة.
ولم يستسِغ الفتى الدراسة الأزهرية مثلما لم يستسغ الكُتّاب. اختار له والده الفقه الحنفي لأنه هو الذي يعَدّ للقضاء به، غير أن الفتى صُدم منذ يومه الأول، فقد "قرأ المدرس المتن والشرح ففهمتُهما، ولكنه سبح بعد ذلك في تعليقات واعتراضات على العبارة وإجابات على الاعتراضات لم أفهم منها شيئاً" (13) وانتهى الدرس، وأقبل الطلاب على الشيخ يقبّلون يده، فلم يقبّلها أحمد أمين. ومدرس النحو كان متدفقاً كثير الكلام، طلق اللسان، كثير الاعتراضات، فلم يفهم التلميذ شيئاً مما قال رغم أنه تلقّى دروساً في النحو قبلُ على والده.
وشرع يهرب من عَنَتِ الأزهر وفوضاها إلى مسجد المؤيّد ليتلقى دروس الجغرافيا والحساب، فيفهم كلام المدرس، ويشارك في الأسئلة والأجوبة لأن المدرسين عصريون منتدَبون من المدارس الأميرية.
ولم يتحمل المزيد من برامج الأزهر وطرائقه وضيقِ آفاق شيوخه وإن لم يتمرّد تمرُّدَ طه حسين. كانت قراءة كتاب "الكامل" للمبرد كفراً لأن مؤلفها معتزلي. وكان الشيخُ الـمُرصَفي، رائدُ الطلاب التواقين إلى الحرية، ما يزال ينشد قصائد المديح لشيوخه، والطلاب يتداولون كتب اللغة والأدب سراً؛ حتى "كتاب" سيبويه، و"مفصَّلُ" الزمخشري، و"دلائل" الجرجاني كُتُبٌ غيرُ مرغوبة.
إلا أن شبح الأزهر ظل مخيِّماً على مصر طويلاً، فمدرسة القضاء التي افتُتِحت بناء على أفكار الإمام محمد عبده لتخريج قضاة مستقلين عن الأزهر لم تجرؤ على تسمية العلوم الطبيعية باسمها تحسُّباً لرجال الأزهر الذين شعارُهم:
ومن يقلْ بالطبع أو بالعلّه فذاك كُفرٌ عند أهل المِلّه
فسمّتها مادة "الخواص التي أودعها الله تعالى في الأجسام".
وامتد فكرُ الأزهر إلى أرجاء مدرسة القضاء؛ فمدرسو التفسير والحديث أزهريون "في كتبها الصفراء التي تضم متناً وشرحاً وحاشية. وهم يذكِّروننا دائماً بالأزهرِ ومنهجه، والقرونِ الوسطى ومناهجها. ويملؤون رؤوسنا بالاحتمالات والتأويلات، ويبثّون في نفوسنا من طرف خفيّ تقديس المؤلفين والمؤلفات، فقلّ أن يخطئ المؤلِّف، وإذا أخطأ فهناك ألف وجه لتأويل كلامه بما يحتمل الصواب" (14) ولكن وُجد إلى جانبهم مدرسون مرموقون، بعضهم درس في أوربا، وبعضهم نِصفُه أزهري ونصفه أوربي كناظر المدرسة عاطف بركات.
وبعد هذه العلوم في مدرسة القضاء تعلّم أحمد أمين وهو في السابعة والعشرين اللغة الإنجليزية بجهود شبه ذاتية، وإن تتلمذ على سيدتين إنجليزيتين تركت ثانيتهما السيدة تور أثراً في نفسه، فقد كانت مثقفة فنانة، معتدة بالرأي، كثيرة الرحلات، عاملتْه كأم قوية تربي ابناً فيه عيوب من تربية عتيقة. وحاولت أن تغرس في نفسه روح الشباب والانطلاق والاستمتاع، ولكن رواسب التربية البيتية والمدرسية كانت أقوى، فاستفاد من عقلها وفنّها فحسبُ.
ويُقرّ أحمد أمين أنه "لولا اطلاعه على اللغة الأجنبية لكان أديباً رجعياً مقلداً. أو مؤلفاً جماعياً لا ممحّصاً." (15) وقد نشط لاحقاً في دراسة الإنجليزية والترجمة عنها، وخالط الأوساط المثقفة بها وبالفرنسية.
معلمو أحمد أمين
يصف أحمد أمين والده بالمعلم الأول. وهو خير أنموذج للشخصية المتعلمة القلقة. فهو أزهري ولكنه يفضُل شيوخ الأزهر بوضوح العبارة والقدرة على الإفهام. يرى في الحواشي والتقارير مَضيعة للوقت. ولعله استفاد من تدريسه ببعض المدارس الأميرية واتصاله بأساتذتها. وهو كثير المطالعة في كتب التاريخ والأدب واللغة، مهتمّ بجمعِها، وهو الأمرُ غير المألوف آنذاك لدى كثير من الأزهريين. (16) وهو من النوع الهادئ الصبور. وقد أورث ابنه جملة هذه الصفات.
غير أنه، على قيامه بواجباته المنزلية خير قيام، صارمٌ صرامة تُفقِد البيتَ الأُنسَ والبهجة، وتفرض على الولد برنامجاً دراسياً قاسياً يمتدّ من صلاة الصبح إلى الليل بين دروسِ نحو وتلاوةِ قرآن... حتى الطريقُ الذي يصحبُ فيه ابنه من المدرسة إلى البيت يستغله فيطرح أسئلة على الولد في النحو والإعراب. ويضربه إذا سمع بهروبه من المدرسة.
ويسمي عبد الحكيم محمد معلماً ثانياً. وكان مدرساً في الأربعين حين زامله المعلم الشاب أحمد أمين الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة. وهو خريج دار العلوم متدين متصوف، واسع الأفق، حرّ الفكر، لا يدين بشيء من الخرافات والأوهام. يؤيد الإمام محمد عبده في دعوته إلى الإصلاح، مدرس لغة وتفكير ونقد للمجتمع. يقول أحمد أمين: "فكان مكملاً لنقصي، موسعاً لنفسي، مفتِّحاً لأفقي".
ويأتي بعدهما عاطف بركات ذو الثقافة الخليطة من الأزهرية والأوربية، رجلُ المواقف الجريئة والآراء الحرة التي دفع أخيراً عزْلَه من منصب إدارة مدرسة القضاء ثمناً لها. وكان أحمد أمين عمل معه معيداً بعد تخرجه في مدرسة القضاء.
أما الإمام محمد عبده فيأسف أحمد أمين أنه لم يحضر له، تردداً وتهيّباً، إلا درسيه الأخيرين.
ولم يخض غمار السياسة مما ترك بصمات واضحة على تفكيره العلمي لأنه يصف نفسه بأنه كان جباناً يخشى السجن من ناحية، وذا نزعة عقلية لا تنسجم في رأيه مع عقلية المناورات والمساومات، مع أنه كان مقرباً من سعد زغلول بطريقة ما. وربما كان أهمّ مواقفه السياسية اشتراكه في المظاهرات الرامية إلى التقريب بين المسلمين والأقباط.
ورغم ذلك فله مواقف جريئة: يُطلَب إليه وهو في مدرسة القضاء إلقاء كلمة بمناسبة رأس السنة الهجرية فيُحاضر في "أسباب ضعف المسلمين" فيبني محاضرته على أنها سببان: فساد نظام الحكم في البلاد الإسلامية، ومُشايعة رجال الدين للحكومات الظالمة، وهو ما جعل مدير المدرسة – على حرية فكره وموقفه – يعتذر إلى الشيخ الأزهري بأن الـمُحاضر يقصد الحكومات الماضية ورجال الدين الماضين. فالسياسة كانت تحارَب محاربة شديدة من قِبَل الدولة. حتى المصحف احتاج إلى تقرير ينفي عنه الصفة السياسية ليدخل المدرسة.
وبعدُ، فإلى جانب ما تقدم، أو بتتبُّع تأريخ أحمد أمين للحياة العقلية في العصور الإسلامية، يخرج الباحث بآراء تتفق في جملتها مع آراء تلميذه فؤاد الأهواني الذي قدّم للجزء الأخير من "ظُهر الإسلام"، وأشرف على طبعه بعد رحيل كاتبه، وهي حريةُ الفكر، والابتعادُ عن الدوغمائية (العقائدية)، والجلاءُ والوضوح، والغوصُ وراء العلل، والدعوةُ إلى التجديد. وهي مواقف تنطبق على جانبه اللغوي مثلما تنطبق على جانبه التاريخي، وتقرّبُه من اللغويين المعتزلة رغم انتقاده للمتكلمين المعتزلة في غيبياتهم، وللنحاة المعتزلة في تمحُّلِهم في شأن العلل النحوية، وفي إعرابهم "المقدَّر" و "المستتر"، بحيث يصح أن تمسّ جوانب معتزلية معاصرة:
- اهتمامه الشديد بنشر التعليم، وهو الهمّ الذي ألهم المعتزلة الأوائل نشْرَ اللغة العربية وتيسيرَها لِمن لا سليقة لغوية عندهم، وألهم أحمد أمين فكرة الجامعة الشعبية التي يسميها "ابنته"، وقبْلها اهتمامه بمشكلات تعليم العربية، والعامية والفصحى.
- انفتاحه الثقافي الواسع على اللغات والدراسات الأوربية، الرديفِ العصريّ للانفتاح الثقافي الواسع أيام المعتزلة الأوائل.
- مخاطبة العقل والمنطق قبل مخاطبة القلب والعاطفة في كل ما كتبه.
- نفوره من التقليد والجمود المتمثّلَين في الأزهر.
- دعوته إلى التطوير المستمر للغة معجمياً ونحوياً، وهو المهمة التي أداها المعتزلة الأوائل.
- إعجابه الشديد بمدرسة القياس المعتزلية، وتطبيقه على النحو والمعجم.
مواقف وآراء
مقاربة أحمد أمين بعلم اللغة الحديث
يبدو أحمد أمين من خلال مجمل آرائه، ومن خلال بعض مقالاته، مطلعاً على الدراسات الأوربية الحديثة في مجال اللغة، والأرجح في لغتها الأصلية لأن عصر هذه الدراسات غيرُ بعيد عن عصر أحمد أمين نفسه، ولإحجامه عن استخدام المصطلحات اللغوية الحديثة التي لم نتفق عليها بعدُ كالتزامن والتعاقب، واللغة والكلام.
نستطيع إجمال أهمّ معطيات علم اللغة المعاصر، بما فيها المنطلقات البنيوية التي طرحها لأول مرة سوسور عالم اللغة السويسري عام 1906، على النحو التالي:
- للغةِ وظيفة أساسية هي الاتصال أو الإبلاغ.
- لا يمكن الفصل بين اللغة والتفكير.
- كل لغة هي نظام إشارات اعتباطية، أي لا علاقة بين الألفاظ وما تدل عليه.
- كل لغة ظاهرة اجتماعية، نفياً لنظريات أصل الكلام السابقة من طبيعية ونفسية ولاهوتية...
- وبناء على ما مضى تجاوَزَ علمُ اللغةِ النظريةَ القائلة إن اللغة إلهام وتوقيف، واستقرّ على أنها تواطؤ واتفاق بين المتكلمين بها.
- كل لغة، في كل لحظة من عمرها، هي في سكون وفي تطور معاً. ولذا يمكن لغرض التسهيل دراستُها دراسة سكونية أو تزامنية أ synchronique ou statique، ودراسة تعاقبية أو تطورية dyachronique ou évolutive.
- تتميز اللغة من الكلام فاللغة langue مخزون جماعي، مُلْكٌ للأمة التي تتكلمها، يمكن حصرُها صوتياً وصرفياً ونحوياً، في كتب اللغة والمعاجم والنحو. أما الكلام parole فهو الاستعمال الفردي للغة، ويستحيل حصْرُ أشكاله وأساليبه.
- تعرَّف الإشارة اللغوية (اللفظة) بأنها الكلُّ المحصَّلُ من ضمِّ دالٍّ ومدلول. والدالّ هو اللفظة، والمدلول هو المعنى. وموضوع علم اللغة هو الجانب النفسي الصِّرْف من هذه العملية، أي التلازم بين الصيغة والفكرة. وشبّه سوسور هذا التلازم بوجهَي الورقة الواحدة. وإن لم يتلازما فلا إشارة لغوية، فتعاقُبُ (م+د+ح) يعطي إشارة صحيحة هي (مدح) أما تعاقب (د+م+ح) فلا يعطي إشارة صحيحة.
- والعلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية أو لا سببية، وهي سرُّ مرونةِ اللغة واشتمالِها على هذا العدد الهائل من الكلمات المؤلفة من قرابة ثلاثين صوتاً في العربية، ومثلها في الفرنسية والإنكليزية. وهي السبب في اختلاف اللغات.
- اللغة نظام يدرَس على أربعة مستويات دون أن يعني هذا انقطاع العلاقات والتأثيرات فيما بينها، وهي:
- المستوى الصوتي، أي الأصوات المنفردة (والأصوات هي ما نسميها خطأ في العربية بالحروف).
- المستوى الصرفي: الكلمات المفردة، كالمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث.
- المستوى المعجمي: معاني الكلمات.
- المستوى النحوي: علاقة الكلمات بعضِها ببعض، كالجملة والوصف والإضافة.
حصيلة آراء أحمد أمين في اللغة عامة
- هي وسيلة اتصال، وهي الترجمة الحرفية الدقيقة لمقابِلتها في الفرنسية: moyen de communication.
- وبين اللغة والتفكير علاقة وثيقة، فيصف اللغة حيناً بأنها "مظهر من مظاهر العقلية" فإذا كان التفكير صحيحاً كان التعبير عنه كذلك مادام صاحبه يتقن اللغة ويجيد التعبير. وتارة بأنها "عونٌ على التفكير". ولا يكتفي بهذا التبيان البسيط قائلاً: "ولكن المسألة أعمقُ من هذا، وهي أن بين اللغة والتفكير تفاعلاً؛ فاللغة المنظَّمة تعمل في تنظيم الفكر، والفكر المنظَّم يعمل في تنظيم اللغة" ثم يخطو خطوة أبعد: "فالمتكلم بلغة ما يخضع لمنطقها وطرائق تفكيرها كما يخضع لاختبار كلماتها واختبار أساليبها، فيؤثِّر ذلك كله في تفكيره وجدلِه وحُججه"
ويستشهد بأن من يجيد لغة أجنبية كالفرنسية يفكر بها، ثم يترجم تفكيره إلى العربية "والسبب أن اللغات الأجنبية" الراقية "استكملت أدواتها من حيث الألفاظ الموضوعة لكل آلة ولكل معنى. واستكملت أدواتها من حيث أساليب التفكيرُ وصياغةُ المعاني صياغاتٍ مختلفةً أدخَلُ في الذهن، وأقبَلُ للعقل"(17)
- ويضيف إلى الوظيفتين السابقتين وظيفة "الأُنس الاجتماعي" الأدقّ من وظيفة الإبلاغ، كما أنها عامل توحيد للمتكلمين بها. ولا يخفى أنهما تندرجان تحت العنوان الاجتماعي.
- ووظائف ثانوية أخرى كتخدير الأعصاب، كالألفاظ التي يستخدمها المشعوِذون (شمهورش – جلجلوت). وإلى هذه الوظيفة يعزو ما يسمى في الجاهلية بسجع الكُهان، والذي له امتداده إلى الآن. وينصح بعدم محاولة فهمِه. وكالوظيفة الموسيقية، وهي توجيه نغمات موسيقية لها أثرُها النفسي كالأدعية في المعابد الأجنبية، وصيحات الإنسان البدائي الأول، المتشابهة لفظاً، المختلفة مدلولاً.
- لا يتردد أحمد أمين في أن اللغة اصطلاح وتواطؤ. ويعزو في أكثر من موضع جمود اللغة العربية إلى أن تيار اللغويين القدامى كان يقول إن اللغة توقيف لا يجوز مَسُّه، فتجمدت على أيديهم. (18)
- يميز أحمد أمين بين ما يسمى في اللسانيات باللغة، وما يسمى بالكلام دون استخدام هذين المصطلحَين. وهو ينقل هذا التمييز من الدراسات الأوربية، ويسمي اللغة باللغة الكلية، والكلام باللغة الجزئية. اللغة الكلية "مُلْكٌ لمجموع متكلميها لا يستطيع التصرفَ فيها إلا ممثلوها، ومعجمها هو المعجم العام الذي يغترف منه كل أهلها. وقواعد النحو والصرف هي قواعد اللغة بمعناها الكليّ، وهي نتاج المجموع من ماضين وحاضرين ومستقبلين" (19)
- يُقرّ أحمد أمين أن اللغة "مع أنها من نتاج الحياة، وخاضعةٌ لها فيها صفةُ المحافظة والتخلف والميل إلى التوقف، لا تندفع إلى الحياة وتسايرها إلا بدفعة من أبنائها الأقوياء" وهو في هذا متفهمٌ أن اللغة نظام: "علماء اللغة ميالون إلى مراعاة وجوه الاتفاق أكثر من وجوه الاختلاف، ومراعاة التعميم أكثر من مراعاة التخصيص"(20) وأن النظام اللغوي يميل إلى الاستقرار والمحافظة لولا ضغوط الحياة والظروف الاجتماعية والحضارية.
- يرى أن اللغة تختلف بين العامة من الناس والخاصة، فكلّ لغة ليست لغة واحدة بل لغات مهما جهدت المعاجم في تحديدها. وقد يكون للكلمة معنى عند بعض الجماعات في مستوى عقلي خاص، فإذا انتقلت إلى جماعة أرقى عقلياً تطور معناها. وهذا يفسر تحوُّلَ معاني الألفاظ بتقدم الزمان من المعاني الحقيقية إلى المعاني المجازية.
- ويشير إشارة عابرة إلى أن عناصر اللغة في الدراسات الأوربية عقلُ القائل، وعقلُ السامع، والفكرة، واللفظة، والحقيقة. ثم يختصرها في الفكرة، واللفظة، والشيء ذاته.(21)
- ولكنه يتردد في العلاقة المعنوية بين اللفظة والشيء الذي تدل عليه، إلا ما يمكن فهْمُه بوجود علاقة صوتية بين كثير من ألفاظ اللغة ودلالاتها، وهو رأيٌ لابن جني في كتاب "الخصائص" مع أن ابن جني يؤمن بالاعتباطية.
- أما تسمية بعض اللغات بـــ "اللغات الراقية"، فربما من قبيل التأثر اللفظي بنظرية الألماني شلايشر من علماء القرن التاسع عشر، المشحون بعصبية أوربية حملته على تقسيم اللغات إلى معربة ولاصقة وعازلة. فلما وجد العربية معربة اتهمها بأنها استعارت الإعراب. وأظن أحمد أمين يقصد بها اللغات التي طوّرها أهلها مع تطورهم.(22)
آراء في اللغة العربية
يرى أحمد أمين، في ضوء الدراسات الأجنبية المعاصرة، أن اللغة العربية متخلفة. لقد أبطأت في تاريخها الحديث بدلاً من أن تسرع رغم ما يقول الدعاة من أنها أغنى اللغات وأجملِها. ثم ينامون على ذلك من غير أن يعملوا على إكمال نقصِها. وتخلُّفُها لا ينفصل عن تخلف الأمة. وهي لغة غيرُ منظَّمة، عاجزة، غير وافية ولاسيما في الأدب والفلسفة. (23) لأسباب يتعلق معظمها بـــالنظام المعجمي. ثم بسائر الأنظمة: الصوتي، والصوتي الصرفي، والنحوي، ومزاحمة العامية لها، ولضعف أساليب تعليمها. وقبل هذا وذاك لأسباب ذاتية.
أما الأسباب الذاتية فهي "أننا وضعنا اللغة إلهة، ملكة مقدسة، ووضعنا أنفسنا موضع العبد الذليل، وهو نقيض ما يجب أن يكون. فلا يصح أن ننتظر رأياً من أبي زيد الأنصاري، وكلمة من الأصمعي، وتخريجاً من الأشموني (24)، لنلجأ إليه ونعتصم به. وعلى لغتنا أن تخضع لنا، لحياتنا ونموّنا، لا أن تقسرنا على أن نرجع للوراء. وقد أساء جمَعَة اللغة الأوائل رغم جهودهم باتجاههم المحافظ، وهو اتجاه نجم عن اعتقادهم أن اللغة توقيف لا اصطلاح، فأسبغوا عليها هالة من التقديس، والتزموها دون تصرُّف. ثم ساد هذا الاتجاه المحافظ بنكبة المعتزلةِ أصحابِ الاتجاه المتحرر الذين قالوا إن اللغة اصطلاح لأنهم تفهّموا حقيقة كون اللغة ظاهرة اجتماعية. ويضاف إلى أخطائهم أخطاء المجمعيين المحدَثين الذين يعتقدون أنفسهم أصحاب الحق في وضع المصطلحات دون أن يتفهموا حقيقة دورهم.
في النظام الصوتي والحرفي
يصر أحمد أمين على استخدام الحروف العربية في زمن كانت فيه دعواتٌ إلى إحلال اللاتينية محلَّها. ولا يستند موقفه إلى دراسة خصائص العربية، بل إلى خلفية عاطفية قومية ودينية قِوامها الرغبة في الاستقلال.
ويدرج بين صعوبات تعليم العربية مشكلة الحروف لأنه لا يمكن نطقُها إلا مع الحركات. وهي المشكلة التي جعلت الأوربيين لا يعدون أبجدية رأس شمرا أول أبجدية كاملة لافتقارها إلى الحركات. ولا يبدو إلى الآن أفق لحلها لارتباطها بخصائص العربية، وأُسرية الكلمات العربية، ثم الإمكانات الفنية للمطابع.
ومن النتائج السلبية لنظام الكتابة العربية ما يُعرف بالتصحيف بسبب تشابه أشكال بعض الحروف (ب، ت، ث)، وعدم تميزها إلا بالنقط، ونتيجته خلل شديد في المعجم بل في القراءات القرآنية أحياناً. حتى لا تكاد تخلو صفحة من المعجم من تصحيف كالعِزّة والغرّة، والفاخر والفاجر في رواية الشطر الثاني من البيت:
أقول لما جاءني فخْرُه سبحان من علقمة الفاخر (أو الفاجر)
أما على المستوى الصوتي الصرف فلا آراء خطيرة له سوى انتقاده للتحريف، وهو نتيجة تقارب مخارج بعض الأصوات كالمثال الذي يشوقه ابن جني في اسم الصقر أهو بالصاد أم بالسين أم بالزاي، أو الخطأ في الرواية. وانتقاده لظاهرة القلب، من نحو(جذب) و(جبذ) وكلاهما بمعنىً، ولغتان لقبيلين. وفي ما عداهما يلاحظ أحمد أمين على ضوء قراءاته الأوربية أن اللغة تخضع أصواتها لتطور بطيء بسبب علاقات اللغة بالتقدم الاجتماعي، والتشابكات السكانية، من فتوحات واستعمار. ويستشهد بالتطور الطارئ على لهجة أهل القاهرة منذ قرن إلى الآن دون أن يستشهد بدلائل.
المستوى الصرفي
ينتقد أحمد أمين تعقيدات المذكر والمؤنث في العربية، والخلط بينهما؛ فالرجل راوية للأخبار (التاء للمبالغة)، والفتاة كاعبٌ وناهد (صفات خاصة بالإناث). والشاب أُمْلود والفتاة أملود (ناعم ليّن). وهناك حيرة في بعض الأسماء مذكرة هي أم مؤنثة؟ كالرمح والدرع، وأسماء يستوي فيها التذكير والتأنيث كالسلاح والدلو والروح... فيجب العمل على تذليل هذه الصعاب المربِكة، والجرأة في تنظيمها، ووضْعُ قواعدِ عامة لها، ولو خالفْنا بعض النصوص. ويقترح:
- جواز تأنيث كل مؤنث بإلحاق علامة التأنيث به: كاعبة وناهدة.
- كل ما لم يرِد فيه نصٌّ فالأنثى بالتاء، والمذكر بغيرها.
- يجوز تذكير كل ما ليس مؤنثاً حقيقياً وليس فيه علامة تأنيث كالدلو والبئر والأرض.
وينتقد صعوبة أبواب الفعل العربي (حركة الحرف الأوسط من الفعل الثلاثي)؛ فحتى المتخصص في اللغة يشيب ولا يتقنها، ولا يجزم بصحة نطقه لها. فإن عاد إلى المعجم وجده يختلف أو يُجيز، مثل (يخرط) بضم الراء وكسرها. ويزيد الصعوبةَ أن بعض الأفعال تنتمي إلى بابين أو أكثر، لكل منها معنى: حسِب (ظن)، وحسَب (عدّ)، وحسُب (كان حسيباً). وينتقد الأبواب المسبِّبة للخلط كالتعدي واللزوم، ومصدر الفعل الثلاثي، وجموع التكسير، وهي كلها بحاجة إلى ضبْطٍ ولو بالتضحية ببعضها. ثم قوانين العدد، وأحسبه يقصد قواعد تذكيره وتأنيثه. وتعريفه.
ويدعو مجدداً إلى فتح باب الاجتهاد في هذه المسائل.
في النظام المعجمي
يصبّ أحمد أمين معظم انتقاداته على الجانب المعجمي. وهذا انتقاد طبيعي لأنه الجانب المرن من اللغة، المطالَب باستمرار أن يتطور لمواكبة الحياة.
وسيكون من الغُبْن اختصار جهود الرجل في هذه الساحة لو لا ما تقتضيه ضرورة الاختصار. ولذا سنضطرّ إلى التوقف عند انتقاداته لجامعي اللغة الأوائل، ثم عند أهمّ اقتراحاته لإصلاح هذا انظام.
أما أخطاؤهم فأهمّها:
- لم يكن بعض اللغويين موثوقين: قال الخليل: إن النحارير (الحاذقين الماهرين) ربما أدخلوا على الناس من كلام العرب إرادةَ اللُّبس (الإشكال)، والتعنيت (المشقة)، ولأسباب أخرى، كحب الظهور، والضيق عند السؤال، ومنافسات العلماء.(25)
- أخذ بعض العلماء اللغة من الكتب والصُّحُف في زمن لم تكن فيه الكتابة منقوطة ولا مشكولة إلا القرآن، فدخل اللغة ما يسمى بالتصحيف، وقد مضى ذكره. والمعاجم ودواوين الشعر ملأى بهذا النوع من الخطأ.
- عدم تحديد المعاني التي نقلوها لأن كثيراً من الكلمات كان يُنقَل سماعاً عن العرب، أو يفهم السامع شيئاً لا بالإشارة بل بالقرائن، فيفهم سامعٌ شيئاً، وغيرُه شيئاً آخر.
- اعتمادهم أحياناً في أخذ المفردات على أبيات نُسبت إلى الجاهليين أو إلى الإسلاميين زُوراً، وهو ما يسمّى بالنحْل.
- تعرّض اللغويون إلى أصول الكلمات، وبيان أصولها الفارسية أو الرومية دون إتقان هذه اللغات، فأخطؤوا في نسبتها.
- لم يُعنَوا ببيان المناطق الجغرافية التي أخذوا منها، فضاعت أصول الكلمات الجغرافية.
- ونتيجةَ الجمع من قبائل متعددة، وتوقُّفِ الجمع على عصر البداوة، غنِيتِ اللغة غنى مفرطاً في أدوات البدو ووسائل معيشتهم، كأسماء الإبل، وبقيت فقيرة في الألفاظ الحضارية. فاستفحلت ظاهرة الترادف التي عدها بعضهم مَفخرة، ولكنه المقابل للفقر والعجز الدلاليين. وهو، وإن كان نعمة على الشعراء والكتاب، نقمةٌ على سائر الناس لأنه يعطّل الوظيفة الإبلاغية للغة؛ فلا معنى لبقاء خمسين اسماً للسيف، وثمانين للعسل...
ومن نتائج العيوب السابقة ضعف دلالة اللفظة أو ميوعتها. فأصبح مدلول الكلمة في العربية غير مدلولها في الأجنبية. وأظن أن هذا عيب المتكلمين، لا عيب اللغة.
ويَعدّ بين أسباب تضخُّم المعجم العربي "ما أدخله الفرس والأتراك من ألفاظ الملق والحشو وعباراته؛ فقد كانت العربية ديموقراطية نبيلة شريفة يوم كانت لغة العرب الديموقراطيين الذين لا يفرقون كثيراً بين مخاطبة الأمير ومخاطبة بعضهم بعضاً. ثم أصبحت لغة العبيد يوم تسرّب إلى أهلها الذلّ والعبودية"(26)
ولابد من تخفيف المعجم الحالي:
- بحذف الكلمات الحوشية (الغريبة المستثقلة) كالحَيزَبون والدَّرْدَبيس (من صفات العجائز).
- باستبعاد ما لا حاجة إليه من المفردات، وإحلال ألفاظ جديدة محلّها.
- بحذف ألفاظ الملق المتسربة إلى اللغة.
- حذف أسماء الأضداد (مثل الجون للأبيض والأسود) البتة لأن اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني، لا للتعمية والإلغاز. وليس الذنبُ ذنبَ القبائل، فقبيلة تفهم من (ولّى) معنى الإقبال، وأخرى معنى الإدبار، بل ذنبُ من جمعوها من هنا وهناك.
- التخلص مما يسمى في العربية بالمشترك؛ فكم معنى للعين في العربية مما يجعل الدارس حائراً بينها.
- تخليص المعاجم مما ورد فيها من تخريف، نحو: "القاف جبل محيط بالأرض" و "الهرمان بناءان أزليان بمصر بناهما إدريس عليه السلام أو سِنا بن المشلشل". وكذلك حذْفُ ما غيرت الكشوف تفسيره كالخسوف والكسوف. (27)
ويبقى الهاجس الدائم لديه تطويرَ اللغة والقفز بها من العصر العباسي إلى عصرنا، وإقرارَ أهلها بأن لِرجال لغتهم الحق في أن يعرِّبوا، ويشتقوا ويخلقوا الكلمات ليواجهوا موقفهم الحاضر. واللغة البدائية لا تنتج فيلسوفاً. ولا ترقى الأمة إذا كانت لغتها لا تصلح لعامّتها وخاصّتها. فالعصر الذي نعيش فيه ديموقراطي لكل فردٍ فيه الحقُّ في أن يتعلم ويتثقف. ولا يكون هذا إلا بتبسيط اللغة، وجعْلِها مرنة، وصالحة للذيوع وحمْلِ المعاني والأفكار"(28)
في النظام النحوي
ونقول كذلك باختصار شديد: بحث أحمد أمين في تاريخ النحو العربي، في أصله، ورجّح أن يكون أصيلاً، لا اقتباساً. وعلل ظهوره بالعراق دون الشام ومصر، بوجود بقايا أمم لها حضارات سابقة، ودون الحجاز لعدم احتياج أهل الحجاز إليه، وأدرك ما تتميز به مدرسة البصرة من رغبة في تنظيم اللغة فكانوا أعمق عقلاً وأوفر حرية. وانتقد انتقاداً شديداً نظرية العوامل في النحو، وعدّ كل النحاة اللاحقين تكراراً لسيبويه باستثناء ابن مضاء القرطبي الذي رفض تلك النظرية. ويظلم أحمد أمين بهذا كثيراً من نحاة المعتزلة العظماء. ولا ينكر فضل مدرسة القياس المعتزلية، بل يتحمس لها بشدة، ولا يبخسها فضلها في إقامة حدود صارمة للنظام النحوي، وفي فتح الباب لتطور اللغة، غير أنه يأخذ على نحاتها:
- أنهم بذلوا جهداً شديداً في استنباط القواعد، غير أن الطريقة التعليمية جعلتهم يجرون إلى حد بعيد، فقالوا مثلاً: كيف تصوغ من (ضرب)، وأجابوا: (ضَرَبْرَب)، مثَلُهم مثَلُ الحنفية في فرض الفروض (المواريث).
- واخترعوا العلل والقياس عليها، ولذا يُخشى أن تكون لغتنا اليوم وليدة اللغة والنحو معاً، لا اللغة وحدها. فاللغة لا تخضع لقياس مطّرِد، فلا يُصاغ (محبوب) من الفعل الثلاثي (حبّ) بل من الرباعي (أحبّ). وكذا رفع الاسم في ﴿إن هذان لساحران﴾ (29)
- وأهدروا كثيراً من الاستعمالات في سبيل وضع قواعدهم الكلية، وشددوا في احترامها، وخضع الناس لهم لأنهم كانوا المسيطرين على التعليم. (30)
أسباب الضعف في اللغة العربية
يعترف أحمد أمين في مقالة له بهذا العنوان، كما نعترف الآن، بضعف التلاميذ في مادة اللغة العربية، ويعدّ هذا الضعف، كما نعده الآن، نكبة، لا لأنها ضعفٌ في القومية فحسبُ، بل لأنها لغة الثقافة وتكوين عقلية الجمهور.
ويعزو هذه الظاهرة إلى عدة أسباب، أهمها:
- طبيعة اللغة العربية نفسها كالإعراب، وصِيغ الفعل الثلاثي، وجمع التكسير...
- المعلم: لضعف تأهيله، ولضعف مردود مهنته مادياً.
- المناهج المتخلفة والمتناقضة والمستعجلة. ويقترح اقتراحاً عملياً متقدماً جداً وهو عرْضُها في الصحافة، وتقبُّلُ الملاحظات والاعتراضات عليها.
- أنظمة الامتحانات، وطرائق التصحيح، و"الرحمة والشفقة" في سلالم التصحيح مما أبقى المادة مهزأة للطلاب: "وهل يسقط أحدٌ في العربي!" مع احترامهم الشديد للرياضيات واللغة الأجنبية.
- المفتش بصورته التفتيشية، لا التوجيهية.
- وفقْرُ المكتبة العربية بما يناسب المتعلمين من قصص مشوقة، ومن كتب تعليمية بسيطة.
مشكلة الفصحى والعالمية (31)
يسميها الثنائية اللغوية، ويعيد تقهقُر الفصحى إلى:
- فقدانها المرونة لغيابها عن الاستعمال اليومي الحياتي.
- صعوبة نشر التعليم والثقافة.
- ضيّقت الفصحى على الأديب لفرقِ ما بين واقع الحياة وخيال الفصحى: (طربوش = قلنسوة، جزمة = نعل)
في حين أن العامية (دون أن يعني هذا تفضيلها على الفصحى):
- تخلصت من الإعراب على أيدي الأعاجم أولاً، ثم العامّة.
- أعطت كل اسم آلته أو اقتبست من الأجنبية.
- نمّت الأدب اللطيف الظريف كالنوادر والفكاهات.
ولا يقبل الرأي القائل إن الزمن يقارب بينهما، فهو تقارُبٌ محدود بين سكان المدن. ونشرُ الثقافة يعوقه الإعراب والتفاصح. والذين أجادوا الفصحى بعد ثلاثة عشر عاماً في المدارس والجامعات نوادر.
ويطرح فكرة اقترحها سابقاً وهي اصطناع لغة وسطى تنقّى فيها اللغة من (حرافيشها) على حد تعبير ابن خلدون، مثل (مفيش) و(معليهش) بلغة بسيطة خالية من الإعراب، تستعمل في الصحافة وكتُبِ تثقيف الشعب، وتبقى الفصحى للخاصّة.
وبموضوعيته المعهودة ينتقد هذه الفكرة قائلاً: يعيبها أنها لغة مصطنعة، ويعيبها صعوبة بثّها بين الجماهير الذين وضعوا العامية. ويستشهد بإخفاق لغة "الإسبيرانتو" العالمية رغم سهولتها لكونها مصطنعة.
والحصيلة
أمضى أحمد أمين عاماً كاملاً في دراسة المعجم العربي تمهيداً لمشروع واسع لبحث الحياة الإسلامية بالاشتراك مع طه حسين (أدبياً) وعبد الحميد العبادي (تاريخياً) وأحمد أمين (عقلياً)، فظهر أثر هذه العناية المعجمية في طروحاته العقلية؛ وهذا أمرٌ، والأمر الثاني هو أن قضية المعجم كانت الأشد إلحاحاً في عصره، ولا سيما في مصر، بسب حركة الترجمة النشيطة، وسيل العلوم والمخترعات ووسائل الحضارة الحديثة الوافدة من الغرب، مما يقرِّب عصره من عصر المعتزلة القدامى بعض القرب. ولسنا ندري إلى أي حدّ تجلّت هذه المقترحات والمعالجات في مثل "المعجم الوسيط" الذي أصدره المجمع اللغوي المصري في ستينيات القرن العشرين، وإن كنا نعرف أن هذا المعجم أدخل الكلمات المولدة والمعرّبة الجديدة، واستعمالاتها العصرية، وهو مسوِّغ صدوره أصلاً.
ومن التفاتاته العملية اقتراحاتُه الصرفية، كمشكلة المذكر والمؤنث، والمصادر، وأبواب الفعل، وجموع التكسير، وقواعد العدد. فلا أسهل – مثلاً – إن شئنا التسهيل، متخلين عن النظرة التقديسية للغة، أن نلغي قواعد تذكير العدد وتأنيثه إذا كان معنى "ثلاث رجال" هو معنى "ثلاثة رجال"، وكذلك "بئر عميق" و"بئر عميقة". ومن هذا القبيل اعتماد صيغ قياسية موحدة لجموع التكسير والمصادر الثلاثية، وهي مسائل عالجها المجمع المصري في عصر أحمد أمين، اتخذ فيها قرارات وترخيصات، مثل قرار السماح بصياغة اسم الآلة على وزن فعّال وفعّالة، وقرار تسمية الأمراض على وزن فُعال، مثل الزُّحار والرُّهاب، وقرارات المطاوعة والمصدر الصناعي. (32) فاللغة العربية مرنة كما يقول أحمد أمين: "وحسبُك أن تقابل بين الأصمعي والخليل، وقد كانا في زمان واحد، وبين ابن خالويه وابن جني، وقد أظلّهما عصر واحد أيضاً لتميِّز ما يفيد ذو الملكة الخلاقة المبدعة من الدائرة الضيقة التي يدور فيها ذو الذهن المقيد. واللغة بعدُ واحدة، والفرص المتاحة أيضاً واحدة" (يقصد أن الخليل وابن جني عالمان مبدعان خلافاً للأصمعي وابن خالويه).
ولكن تأخذ الأذهان منها على قدْر القرائح والفهوم" (33)
واحتلت قضية النحو العربي مساحة كبيرة من اهتمام أحمد أمين. ويرتبط النحو أيضاً بقضية التعليم أشد ارتباط، وبموضوع العامية والفصحى. ولا يغيب عن بالنا أنه جرت محاولات إصلاح للنحو في عصره باتجاه النحو الوظيفي الذي يستغني عن الإعراب المحلي والتقديري. وأخذت بهذا الرأي لجنة وزارة المعارف المصرية المؤلفة عام 1938 للبحث في تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة. وأقرّ ذلك التيسيرَ مجمعُ القاهرة، وصدر كتاب "تحرير النحو العربي"، غير أن المشروع طوي بعد مناقشات مستفيضة بين مختصّي مصر وسورية في عهد الوحدة بين البلدين.
أما جواب السؤال: هل لغتنا اليوم لغة العرب أم أضيفت إليها لغة النحاة؟ فلم يعد مهماً إذ نتكلم لغة واحدة ذات نظام متين. وكذا نظرية العوامل المنسوبة إلى سيبويه وما تبعها، تبدو أقوى من أن تتزعزع لقوة مؤسسها. ويتساءل المرء عن سرِّ صمودها في وجه نحاة عقلانيين كثيرين على مرِّ القرون.
وليس صعباً نفيُ عواقب التصحيف والتحريف عن المعجم العربي وإن كانت الحروف العربية والأصوات ستظل تتسبب في المزيد منهما حتى في عصر المطبعة، والدليل أن كثيراً من الأخطاء المطبعية الحالية تعود إلى النَّقط العربي، وإلى التشابه حتى بين الحروف التي لا يميزها النقط فقط، وهي أخطاء معصومة منها المطابع الأجنبية. وحسْبُك أن بيت اليازجي الشهير:
الله أكبر ما هذا المنام فقد شكاكم المهد واشتاقتكم التُّرب
برواية: المجد والرتب، في قُطر، وبرواية المهد والترب في قُطر آخر.
وليس اليازجي جاهلياً ولا عباسياً. وكلٌّ يلتمس تأويلاً لصحة المعنى، وما أكثر التأويلات في لغتنا وما أسهلها.
أما مشكلة الحروف العربية فهي أعقد المشكلات لأنها التمثيل الكتابي للغة، وهو تمثيلٌ انطبع في ذاكرة العربي مقروناً بنصوص مقدسة وشبه مقدسة، واقترانٌ بخصائص مميِّزة للعربية، ولاسيما الأصل الثلاثي للكلمات، والأُسريّة الحميمة بين كلماتها.
...
أحمد أمين من النوادر الذين يجود بأمثالهم تاريخ اللغة، ولمثل هذه المهمة. وقل أن يتكرر مثل هذا العالم المتقن للغة العربية من مصادرها الأصلية، دون تقديس للغة، والمتقن لغة أجنبية، والمقتنع بأهمية اللغات الأجنبية لفهم العربية، وبأهمية الدراسات اللغوية الأجنبية، المتفهِّم لدور اللغة في فهم حضارة الأمة، العالِم الشامل الذي لم ينكبّ على اللغة وحدها، بل في سياق الأزمة العامة للعقل العربي.
غير أن نظرة مجملة إلى واقع المشكلات اللغوية المعاصرة اليوم تُرينا أنها هي هي، قبل أحمد أمين وبعده؛ فهل أن مشكلاتنا من التعقيد حتى لَيستحيلُ حلُّها أم أنها انعكاس لأزمتنا العامة حتى لَيستحيلُ حلها دون نهضة عقلانية عربية شاملة؟!
*مجلة المعرفة الشهرية، إصدار وزارة الثقافة السورية.
الحواشي
- الأفغاني سعيد: في أصول النحو – مطبعة جامعة دمشق 1963 ص 61
- أبو زهرة أحمد: المذاهب الإسلامية – المطبعة النموذجية بمصر، ص 21
- د. عمارة محمد: مجلة " الكويت " العدد 16، مقال بعنوان: المعتزلة.
- يُنظر بخاصة باب " تخصيص العلل ".
- يُنظر مقال الكاتب في " مجلة التراث العربي، من إصدار اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 30 بعنوان: أسباب الخلاف اللغوي.
- أمين أحمد: ضحى الإسلام. دار الكاتب العربي بيروت ط 10. ج1/ 291.
- أمين أحمد: م. س. دار الكاتب العربي بيروت ط 5 عام 1969 ج2 / 115.
- ينظر مقال الكاتب في مجلة " التراث العربي " مصدر سابق، العدد المزدوج 25 – 26 بعنوان: النحاة العرب وسبلهم في التأليف.
- ابن خلدون: المقدمة. لجنة البيان العربي 1957. ص 1231.
- م.س. ص 1265.
- أمين أحمد: حياتي. لجنة التأليف والترجمة والنشر. 1950 ص 78.
- م.س. ص 56.
- م. س. ص 56.
- م. س. ص 90.
- م.س. ص 151.
- أحمد أمين. فيض الخاطر. مكتبة النهضة المصرية ط4 1958. 11 / 193.
- م. س. 11/ 194.
- م. س 3 / 125.
- م. س 5 / 312.
- م.س 8 / 244.
- م. س 7 / 226.
- ضحى الإسلام 1 / 289.
- فيض الخاطر 1 / 195.
- ضحى الإسلام 2 / 260.
- فيض الخاطر 1 / 194.
- م. س 5 / 175.
- م.س 7 / 235.
- طه 20 / 63.
- ضحى الإسلام 3 / 278.
- فيض الخاطر 2 / 305.
- سعيد الأفغاني. في أصول النحو 120.
- م. س 128.