اختطاف على الطريقة القفقاسية

استعرنا عنوان شريط سينمائي قديم لا يجافي الحقيقة، فقد شاع عن الشراكسة، وهم القفقاسيو الأصل، الزواجُ بالخطف، أو الاختطاف. على أن محتوى الخطف فُهِم على نحو خاطئ غالباً. وأستبقُ القارئ لأطمئِنَه إلى أنه لا يعني أيَّ خروج على الآداب والأديان السماوية. وظل الزواج في بلادنا على الأقل حتى العقود الأخيرة يتم غالباً بهذه الطريقة. ولكن لابد من إيضاح أمور:
1 – إن كل جوانب الموضوع بمبادئه وتفصيلاته تخضع لما يسمى "الأديغة خابْزه"، و"الأديغة" هو الاسم الذي يطلقه الشراكسة على أنفسهم، ويشمل القبائل التي تتكلم لهجات متقاربة قليلاً أو كثيراً. أما " خابزه " التي حرف الخاء فيها وسط بين الخاء والكاف العربيتين، فتعني العادةَ أو مجموعةَ الأعراف والتقاليد غير المكتوبة طبعاً، والمتوارثةَ من عشرات القرون، مع اعتقاد بعضهم أن حكيماً شركسياً يسمى "قازانقوه جباغ "من القرن السابع عشر، وهو القرن الذي بدأ الشراكسة منذ بدايته ينضوون تحت راية الإسلام، أجرى تعديلات مهمة عليها، ولاسيما بحذف ما يتنافى مع الإسلام. ومع اعتقادنا أن أي شخص مهما كان عظيماً ـ ربما باستثناء المرسلين، لا يمكن أن يغير عادات قومه وتقاليدهم، وأن هذه العادات والتقاليد تخضع إلى تغيرات ولو جزئية مع الزمن وتطورات غير ملحوظة، فإن مجموعة قوانين (code) "الأديغة خابزه" بقي ما يتفق منها مع الإسلام، وما يتنافى، على حاله إلى أن قوي تأثير المتدينين المتشددين في المجتمع في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حتى الذين هم من خارج المجتمع الشركسي، إذ لا يمكن للشراكسة أن يعيشوا في عزلة عن محيطهم، بالإضافة إلى أن مفاهيم الاختلاط وتحريمه لا يتفق عليها، لا المسلمون، ولا مواطنو البلد الواحد.
وظلت هذه المجموعة، كما سلف، تُتوارث شفاهاً، وتُتناقل من جيل إلى جيل، دون كتابة. ولذا يعتمد كاتب المقال على ذاكرته ومسموعاته، مِثلُه مثلُ غيره من أبناء جيله الذي عاصر تغيراتٍ بطيئةً غالباً، وسريعة خطيرة أحياناً، وبيئاتٍ مختلفةً، بدءاً من بيئة القرية شبه المغلقة، وليس انتهاء ببيئة دمشق المفتوحة بعد حرب عام 1967، ومن حفلات الزفاف الأصولية جداً إلى حفلات زفاف صالات دمشق التي لا تختلف جوهرياً عن حفلات المجموعات الإثنية الأخرى.
ويمكن الاستفادة قليلاً من مقالين بالفرنسية، نُشر كلاهما في مجلة " دراسات إسلامية " الفرنسية، الأول عام 1928 بعنوان "قانون العُرف الأسري لدى جبليي القفقاس، وخصوصاً الشراكسة" بقلم جوزيف غاستانييه (1) اعتمد فيه الكاتب على الدراسات المنشورة في مختلف أنحاء أوربا، وعلى مفكر محليّ. والثاني عام 1938 – 1939 بقلم "مدموازيل برو"، كما وقّعت (2)، بعنوان "الشراكسة في سورية" وهو دراسة ميدانية على شراكسة الجولان. ولم يبْدُ لي فرق مهم بين ما أعرفه أنا وأبناء جيلي، وبين ما في الدراسة الأولى لأن الشراكسة كانوا حديثي العهد بالهجرة (65 عاماً)، من قبيل اعتبار زواج الأخ الأصغر قبل الأكبر إجحافاً بحق الأكبر، واحترام إرادة الفتاة في الزواج بمن تختار هي، لا أهلُها. وعن الاختطاف تحديداً يقول الأول" وما زال يُمارَس الاختطاف إلى أيامنا [عام 1928](3) ممارسة غير قليلة، ولكن بموافقتهن. ويجري هذا الاختطاف عندما يعارض أهلُها، أو بهدف تبسيط شكليات الزواج. ويحدث نادراً حقاً أن تُختطَف فتاة دون موافقتها. ولكن هذا الاختطاف يجري على أمل أن الخطيبة المختطفة لن تُلطِّخ سمعتها أبداً مُثيرةً فضيحة [بعودتها إلى بيت أهلها]، وأنها ستقبل بخاطفها". وفي موضوع التزاوج بين الأقارب، المحظور في المجتمع الشركسي، ولاسيما في ذلك الوقت يتحدث عن ظاهرة "الأتاليك" التي كانت منتشرة في الشرق الآسيوي، وهي كلمة تترية تعني "الأبُوّة" ويربّي في هذا النظام الأمراءُ أولادَهم الذكور، بل الإناثَ أحياناً، في أسر بعض الوجهاء المعروفين بنبلهم وأخلاقهم والأدنى مرتبة من الأمراء، كما استُرضع النبي العربي وغيره في قبائل أخرى. ويقوم بين الأسرتين هكذا نوع من القرابة يحظر التزاوج بينهما. والاختلافات الملحوظة هي ما استحدثه النظام السوفييتي الجديد من قوانين تُلغي المهر وتمنع الاختطاف، وما إلى ذلك.
والمقال الثاني ليس بعيد العهد أيضاً بهجرة الشراكسة، وليس بعيداً أيضاً عن ذاكرة الكاتب [بضعة عشر عاماً] (4). ولكني بقيت سنوات خائفاً أن يكون الاسم مستعاراً من قبل كاتب سوري، إلى أن تحققتُ من أعداد مجلة المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، ومن تاريخ المعهد، من أنها باحثة أقامت في دمشق خلال هذه الفترة.
يختصر المقال الثاني بإتقان مراحل الزواج: " تشمل مراسم الزواج ثلاث مراحل: يختطف الشاب الفتاة التي يريد أن يتخذها زوجة، ويوْدعها عند أحد الوجهاء أو عند أحد أقربائه المسنين. ويدخل بهذا الاختطاف في نزاع مع والدَي الشابة. ويجب أن يدير مفاوضاتٍ لفضّ هذا النزاع (5) ثم يبدأ القسم الثاني من الاحتفالات، وهو القسم الأصعب [يقصد بعد إجراءات الزواج]: تُصحَب العروس الشابة إلى حمويها دون أن يكون لزوجها المقبل حقُّ رؤيتها. وتستقبل أخواتُ الزوج العروسَ ويحتفين بها. ويمكن للزوج أن يُلِمَّ بها، ولكن في منتصف الليل فقط، وفي منأى عن العيون. وعليه أن يفارق زوجته قبل الفجر دون أن يراه أحد في صحبتها. ولا تستطيع العروس أن تترك مخدعها قبل بدء المرحلة الثالثة من المراسم وهي تقديمها إلى حمويها. وبانتهاء هذه المرحلة تستعيد العروس حريتها التي هي حرية نسبية... ونادراً ما يتحدث الزوج إلى زوجته أمام الناس فهذه علامة عار. وبعد سنة [تقريباً] تستطيع المرأة الشابة زيارة أسرتها الأصلية"
2 – إن المجتمع الشركسي بصفته مجتمعاً كان، وما يزال، ككثير من المجتمعات الريفية، يسمح بنوع من الاختلاط بين الجنسين في مرحلة ما قبل الزواج، يُفضي إلى أن يتم نوع من التعارف بين الشباب والشابات، سواء كان سطحياً أم جدياً. وكان هذا الاختلاط يجري في المناسبات، أعني مناسبات الأفراح وحفلات الأعراس، وفي نوع خاص من السهرات يُقام للمصابين بجروح أو بكسور خطيرة تحرم المصاب من النوم، أشبَه بـــ "حفلة منوعات" بحضور الشباب والشابات. ولم يكن من النادر أن يسمح الأب لابنته بأن تستقبل في بيتها شباباً، ليس شاباً واحداً بمفرده، كنوع من التعارف، وربما فتح الباب أمام الزواج.
3 – لم يكن الاختطاف يتم إلى بيت العريس مباشرة بل إلى بيت صديق أو قريب ممن يمكنهم حماية العروس إن حاول أهلها استرجاعها بالقوة، وإن كان هذا أمراً نادراً. ولم يكن يُسمح بأي اختلاء بينهما قبل عقد القران.
4 – كان الاختطاف في عصور موغلة في القِدم جزءاً من تقاليد الفروسية يهدف إلى إظهار شجاعة العريس.
5- كثيراً ما كان الاختطاف يتم بمعرفة أهل العروس والعريس لاختصار الشكليات والنفقات.
6 - قد يكون السبب وراء عادة الخطيفة أن أهل الفتاة حين يكتشفون عواطف ابنتهم نحو شاب ما يتحولون إلى معاملة الشاب والفتاة بقسوة ربما تدفعهما إلى التفكير بالخطيفة.
يبقى أن نقول إن هذه الظاهرة انحسرت جداً في الآونة الأخيرة بسبب التطورات الاجتماعية وتأثير المحيط، وبعض النتائج السلبية لبعض الزيجات على هذه الطريقة. ولاسيما أن المجتمع الشركسي ليس من تلك التي تفرض إرادتها على الفتاة. ومع اكتشاف أضرار كبيرة تنجم الآن من إساءة استعمال طريقة الخطف.
ومن المهمّ إعادة التذكير بأن زواج الأقارب مذموم جداً في المجتمع الشركسي، سواء من جهة الأب أم من جهة الأم. ومن المعيب جداً أن يفكر الشاب بابنة عمه، والفتاة بابن عمها. بل إن من المعيب أن يتزوج من فتاة تحمل اسم الأسرة نفسها فحسبُ ولو لم تكن بين الأسرتين قرابة معروفة. بل يقال إنهم كانوا يتحرَّون عند اختيار الفتاة حتى الجد السابع. ويبقى يُنظر إلى بنات الأسرة كأخوات، وإلى شبابها كإخوة؛ حتى الجيران ليس من المستحب التزاوج بينهم.
كان الشاب يرسل قبل كل شيء صديقاً إلى أبيه يخبره برغبة ابنه في الزواج، ويسأله رأيه في الموضوع، أو عبر الأم أو العمة، إذ لا يمكن أن يجلس شاب إلى أبيه ويصارحه بهذه الرغبة. ومن النادر أن يعارض الأهل رغبة ابنهم أو يفرضوا رأياً على ابنتهم. ثم يتفق مع الفتاة على موعد الاختطاف زماناً ومكاناً. أما المكان فهو منــزل أهلها، ونادراً ما تختطف من بيت قريب لها في قرية مجاورة حيث تنــزل ضيفة لأنها بذلك تُشرِك تلك الأسرة في المسؤولية. وأما الزمان فغالباً الليل. فيذهب في الموعد المحدد مع صديق أو أصدقاء، وكان لابد من أن تصحبه بالإضافة إلى الأصدقاء الشباب، ومن بينهم الشاب الذي سيؤوي العريس عنده، امرأةٌ من أقربائه ليست شابة جداً ولا مسنة، لأكثر من غاية: أن تطمئن الفتاة العروس إلى ما هي مقْدمة عليه، أعني نوايا الشاب المرشح، وتحسباً من الإساءة إلى سمعة الفتاة بأن يُشاع عنها أنها خرجت من بيت أهلها برفقة رجال فحسبُ، ولتتخذ المسألة طابع الجدية. وليست مهمة هذه المرأة سهلة إذ أنها بقبولها هذه المهمة تتحمل المسؤولية تجاه أهل الفتاة. وإلى جانبها فتاة شابة أو أكثر لتسهيل مراحل العملية. وتكون الفتاة المرشحة في الانتظار. ولم تكن المسألة تخلو من نوع من المخاطرة إذ قد يكتشف الأهل ما عزمت عليه ابنتهم. وكان يحدث أن يقطع شباب القرية طريق الخاطفين إن تسرب إليهم النبأ فتُحل المسألة بمبلغ من المال يسمونه على سبيل الهزء "أجرة الشقاوة". أما إذا خرجت العروس بعد خطبة فالنساءُ قريباتها يطلبن مبلغاً غير محدد يسمى "أجرة أو تعويضاً عن خروجها". وتستهجن بعض الأوساط الشركسية هذه العادة التي تُعيدها إلى الخدم. وقد يكون للأمر علاقة بعيدة باعتبار المرأة وسيلة إنتاج يعني خروجها من البيت خسارة اقتصادية.
تُصحب العروس كما سلف إلى بيت أحد أقرباء العريس، ويُختار رجل متنفذ مهيب محترم من الجميع. وأحياناً إلى بيت العريس نفسِه إذا كانت الخطيفة جرت بنوع من التواطؤ بين أسرتي العريس والعروس، ولم تكن إمكاناتُ الأسرة وثِقةُ مجتمع القرية بها موضعَ شك. وقُبيل الوصول إلى المنــزل الذي ستحلّ عليه العروس ضيفة كانت تُطلق ثلاث طلقات نارية إيذاناً بانتهاء المهمة بنجاح، وإشعاراً لأهل القرية، ويتم هذا حين لا تكون العملية سرية جداً، وحين يكون الزواج قد تمّ عن طريق الخطبة الرسمية. ومن الجدير بالذكر هنا أن والد العروس لا يمكن أن يجلس مع الوفد القادم لطلب يد ابنته، بل ينوب عنه أخوه الأصغر أو أقرب الناس إليه. وفي الصباح التالي للاختطاف يوفَد شخصان أو أكثر من الرجال المتوسطي العمر إلى أهل العروس لإخبارهم أن ابنتهم ضيفة عندهم، وأن بإمكانهم أن يرسلوا إليها من يرتؤون للتأكد من أنها ذهبت برضاها دون إحراج أو إجبار. ولا يندر أن ترسل أسرتها إحدى النساء المحترمات ممن تثق فيهن العروس للمهمة. ونادراً جداً ما يكون جواب العروس الرغبة في العودة إلى بيت أهلها لأن عودتها يصعِّب أمامها فرص الزواج في المستقبل.
تُتَّخذ للعروس على الفور وصيفة من أقارب العريس تقوم على خدمتها. وتتقاطر نسوة الحي للترحيب بالعروس، وعلى سبيل الفضول، للاطلاع على مواصفاتها إن كانت من قرية مجاورة. وعلى العروس أن تبقى واقفة في الركن المهيَّأ لها من الغرفة، والذي يجري إعداده تدريجياً من فتيات الأسرة والحي، وبالاستعانة بخبيرات الأقارب، ويتفنَّن فيه حسب قدراتهن الفنية، وهو كرسي أو "كَنَبة" ترتفع عن الأرض شبراً تقريباً، مع تزيينات خلفها، ويسمى المجموع "اللوج" (6) في حضور الضيفات المسنات، وفي هذا إثبات لتقيدها بالعادات والتقاليد من جهة، وحُسن تربيتها، ولقوة تحمُّلها من جهة أخرى. وغالباً ما يُسمح لها بالجلوس إلا إذا أرادت بعض النسوة معابثتها. وينثر عليها الراغبون في التعرف إليها من النساء المسنات والجيران وأقارب العريس الشباب قطعاً من النقود.
أما العريس فيلجأ إلى بيت الصديق الذي رافقه إلى عملية خطف العروس. وعلى عكس العروس يقوم العريس بخدمة الضيوف، ولا يُسمح له بالجلوس كالعروس إلا بإذن الضيوف الذين هم شباب من عمره أصدقاءُ أو ضيوف من قرى الجيران. ويقيم العريس في بيت صديقه ليلاً ونهاراً إلى أن تنتهي إجراءات الزفاف، ويمكن له بالتنسيق مع مضيفه ومع وصيفة العروس، وبرضا العروس طبعاً، أن يزورها على نحو شبه سرّي مع المضيف في آخر السهرة بعد أن ينفض السُّهّار. فيسهر الأربعة: العروسان والوصيفان إلى وقت متأخر من الليل.
ومنذ مساء اليوم التالي تبدأ حفلات الرقص في البيت الذي يضيف العروس، وقد تبدأ في بيت مضيف العريس ثم تنتقل إلى البيت الآخر. وتقتصر الحفلة على الرقص فحسبُ. تُدعى بنات القرية، وأخصُّ كبرى الشقيقات من كل أسرة، والبنات الوحيدات لأنه لا يحق لفتاة أن تحضر العرس بوجود أخت كبرى لها. ولهذا الغرض يؤلِّف عدد من أقارب العريس والصديق الذي هو في ضيافته، من الشباب والبنات، مجموعة تمرُّ على بيوت البنات المدعوات لتبليغهن أن يكنّ مستعدات في طريق عودة المجموعة الداعية، ثم تعود بالاتجاه المعاكس للملمتهن بعدما أصبحن جاهزات للحفلة.
ويمكن أن يأتي ضيوف من القرى المجاورة. وعلى قدر مهارة العازف أو العازفين، وحيوية " المعزِّبين " والراقصين تطول الحفلة أو تقصر، وينتشر في القرية جو من المرح والسعادة. وهي حفلات لا تكلف أكثر من رشاقة الراقصين وبراعة العازفين. يحظَّر على البنات والشباب الخروج من حلقة الرقص لأي سبب إلا في الحالات القاهرة. ويحظَّر قطعاً أن يرقص شاب في دوره ثم يغادر الحلقة بانتظار دوره التالي. كما يحظَّر إبداء شيء من التذمُّر من الراقص أو الراقصة الذي أوقعه أو أوقعها الدور معها أو معه. ويُحظر على البنات بخاصة أي حديث جانبي أو ضحكات أو غمزات بينهن، أو بينهن وبين الشباب. وفي حال إساءة أحدهم أو إحداهن السلوك يوقف كبير الحلقة، وهو من شيوخ شباب القرية، أي من طبقة عمرية أخرى، وممن له صلات جيدة بالشباب ونفوذ عليهم، الرقص، وينبِّه إلى السلوك غير اللائق. ويمكن لأحد الضيوف أيضاً أن يفعل هذا، ويحظر أيضاً إنهاء الحفلة والدور لم يأت على كل الراقصين والراقصات، حتى لو كان دوراً مكرراً.
يجري دخول الراقصين والراقصات إلى ساحة الرقص بترتيب وقوفهم ووقوفهن في الحلقة. ولا يجوز البتة تجاوز أحدهم أو إحداهن، ولا يجوز لأحد، كما سبق، أن يعتذر لأن الراقصة التي ستراقصه لا تعجبه، وكذا بالنسبة إلى الفتيات. ومن المحظور قطعياً اشتراك امرأة متزوجة حالياً أو سابقاً في الحفلة حتى لو كانت شبه عائلية. أما الرجال فيحق لهم، بل من المفضل وجود بعض الكهول لإضفاء هيبة إضافية على الحفلة، كما أن اشتراك رجل في الأربعين أو أكثر في رقص نشيط، يحمّس الراقصين الشباب، ويسحب منهم ذريعة عدم إتقان الرقص.
وعلى الضيوف مراعاة مشاعر أهل القرية، وعدم الإتيان بتصرفات خاطئة. وكذا على أهل القرية من المشاركين احترام الضيوف. ومن المستحَبّ أن لا يبقى الضيوف إلى آخر الحفلة لأن شباب القرية وبناتها يختتمون الحفلة بحفلة محلية يتحررون فيها من بعض التقاليد المفرطة في الصرامة.
ويدور "المعزّب" و"المعزبة" أو مجموعتهما داخل الحلقة لتنشيط الاحتفال، ودفع الملل عن الحضور، مرددين كلمات حماسية من قبيل "لا أسمع صوت تصفيق" و"أين الشباب؟!" وأحياناً يرددون أهازيج معينة. وحين يشعر عريف الحفلة بتعب العازف يستشيره في منحه بعض الراحة، فتحمل عريفة الحفل "الأوكورديون" (7) إلى عازف آخر وتناوله الآلة، ويُستأنَف الاحتفال.
تنحصر أنواع الرقص في بضعة أنواع رئيسة، مع بعض التفرعات، إحداها رقصة شائعة لا عُذر لمن يقف في الحلقة أن لا يعرفها، وهي هادئة وسهلة يمكن حتى للمسنين أن يرقصوها لأن الغاية الأولى من الحفلة ليست استعراض المهارات الرياضية بل الأنس الاجتماعي. والثانية عنيفة وتحتاج إلى قدمين قويتين وتوازن تام. والبقية رقصات لا تدخل في برامج الحفلات المفتوحة إلا في حالات خاصة كحضور شخص أو أكثر من المشهورين بإتقانها. تبدأ الحفلة برقصة بين عريف الحفلة وعريفتها , وقد يكون "شيخ الشباب" من أهل العريس الراقص الأول لتشجيع الآخرين. ثم يبدأ الدور من أعلى الحلقة. يدعو العريفُ الشابَّ في دوره، وكذلك تدعو العريفةُ الفتاةَ. تتقدم الفتاة خطوة أو خطوتين إلى الأمام فيدور الشاب من ورائها، ثم يبدآن الرقص بطريقة متزامنة ومتقنة إذ على كل منهما مراقبة قدمي الآخر ومجاراتهما. تقاس مهارة الفتاة برزانتها وبحركتها اللطيفة الرشيقة، والشاب بحركات يديه ورجليه المبتكرة والمنسجمة. وفي جميع الأحوال لا يجوز للشاب، ولاسيما في الرقصات العنيفة، أن يقترب من الفتاة إلى حدٍّ محرج. وحين تنتهي الرقصة يرافقها إلى مكانها في الحلقة، وينحني لها مع حركة يدين على طريقة التحية اليابانية. ثم يعود إلى مكانه بعد أن يلتفّ من ورائها.
وفي كثير من الأحيان، وبخاصة عندما يكون العازف والراقص على علاقة وثيقة، وأحياناً على سبيل المداعبة، يقلب العازف قبل انصراف الراقص إلى مكانه الرقصة الهادئة إلى النوع العنيف. وحينها يقلب الراقص رقصته مع العازف، أما الراقص غيرُ المُجيد فيدور دورة شكلية بانتظار أن يُنجده أحد الشباب فيرقص عنه. وبالمقابل حين يمدّ أحد الشباب هذه الرقصة أكثر مما ينبغي تخْرجُ إحدى بنات الحلقة لإراحة الراقصة، ويخرج أحد الشبان فينسحب الراقص الأول، ويُكمل الراقصان الجديدان رقصتهما.
...
يأتي وفد آخر من أهل العريس لاستمزاج رأي أهلها في موعد العرس، فيعرض موعداً تقريبياً. ويتشاور أهل العروس في شأن الموعد. والأهم من الموعد المفاوضاتُ المقبلة على المهر في الزيجات التي حدثت قبل منتصف القرن الماضي، قبل أن يُحدد المهر لاحقاً بجهود مجموعة من الرجال تحت إشراف الجمعية الخيرية بخمسمئة ليرة سورية؛ فقبل هذا القرار كان يحدث أن يجتمع الوفدان، وفدُ أهل العريس ووفدُ أهل العروس، أكثر من مرة، وبخاصة حين تكون العلاقات بين الأسرتين غير ودية، للاتفاق على المهر الذي هو غالباً رؤوس من البقر وقطع من الأراضي أو الاثنتان معاً لأن أهالي القرى لم يكونوا يمتلكون السيولة المالية الكافية. وكانت المغالاة في الطلبات لا تنتهي بإلغاء الزواج ولكن بتأخير عقد القران، وبظلم يُصيب أحد الطرفين، ولا سيما أهل العريس الذين يفقدون موارد مهمة في حياة الفلاح لأن الأراضي المدفوعة مهراً تستثمرها أسرة العروس.
وفي أواسط القرن الماضي تداعت مجموعة من الرجال الفاعلين، وبإشراف الجمعية الخيرية آنذاك، وقررت أن يوحَّد المهر ويحدَّد بخمسمئة ليرة سورية. وقد طُبِّق القرار سواء بالإقناع أم بالتهديد بالعزل الاجتماعي. بل جرى أكثر من مرة استرداد المبلغ الزائد عن المبلغ المحدد. والحق أن هذا المبلغ ظل ردحاً من الزمن كافياً لمتطلبات العروس من المصاغ من جهة (8)، وحافزاً للشباب على تجميع هذا المبلغ على الأقل، قبل التفكير في الزواج.
ويجدر بالذكر أن مهر العروس إن كان نقدياً أم عينياً يبقى ملكاً مخصصاً لها. ويتحول الزوج إلى ما يشبه " مدير أعمال " لها. وتبقى البقرةُ المَهرُ ونسلُها يُنادَين باسم " بقرة العروس " فيقال مثلاً " بقرة العروس ولدت "... وفي حال المهر النقدي الذي يتحول إلى مصاغ عادة تحتفظ الزوجة بمصاغها إن لم تجر أحداث خطيرة للأسرة.
تُعاد العروس قبل يوم الزفاف بليلتين أو ثلاث إلى بيت العريس، حيث تتم الاستعدادات لحفلة الزفاف. وتُعِدّ بنات الأسرة والجيران مشغولات يدوية فنية لطقوس الزفاف، كالمناديل المطرَّزة وأغلفة الساعات، ومن بينها قطعة فنية مشغولة من البندق ومن"أكسسوارات" أخرى على شكل قبعة صغيرة لها مقبض معدني، يتبارى الفرسان عقب الوليمة في انتزاعها من حاملها.
يُدعى إلى حفل الزفاف أهل القرية كلهم، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً. بل لم يكن أحد يحتاج إلى دعوة فالجميع مدعوون. ولكن كما سبق في طريقة الخطبة ليس من اللائق، بل سيصبح موضع انتقاد، حضورُ أهل العروس زفاف ابنتهم، باستثناء صُغرى أخواتها التي تجلس قرب أختها.
الرجال هم من يطبخون لوليمة العرس. والطعام عادة هو الرز وحساء اللحم أو"الشاكرية" (9) وشيء من فطائر الجبن الخاصة التي هي دعمٌ للوجبة الرئيسة وطعامٌ جاهز للأطفال ولأهل البيت الذين لا وقت لديهم الآن لإعداد مائدة رسمية. يجلس الرجال إلى المائدة بحسب تسلسل أعمارهم. ومن البديهي أن الضيوف المسنين قبل الجميع. ويبقى الشباب، وخصوصاً شبابُ أهل العريس، إلى آخر الوليمة، ثم النساء. ولا يمكن لأحد، صغيراً أو كبيراً، أن يخرج من العرس جائعاً. ولا ينسى أهل العريس المسنين والعاجزين عن حضور الوليمة فيرسلون إليهم حصصهم يتناولونها في بيوتهم.
والعادة أن يُهدى لأهل العروس خروفٌ حيّ وصندوق أو سلة من "البَرَك"، يوصلهما إليهم شباب صغار من أسرة العريس. بالإضافة إلى علب من الحلويات والشوكولا. ولابد أن يحصل هؤلاء على مكافأة صغيرة أو كبيرة حسب إمكانات أهل العروس.
حين ينتهي الجميع من الطعام تبدأ طقوس جديدة: مباريات الفروسية للتنافس على القطع الفنية المشغولة من قبل فتيات جديرات بالاحترام، وأحياناً على جلد أحد العجول، وقد تقام مباريات أخرى عنيفة، مرعبة أحياناً للنساء، لأن الهدف التعبير عن الرجولة، وهو ما يتطور أحياناً إلى نوع من الخشونة.
وفي مرحلة لاحقة يختطف الشباب أحد أقرباء العريس أو مُضيفه، ويهددون بإلقائه في الماء ما لم يفتده أصحاب العرس، وتبدأ المفاوضات من علبة شوكولا إلى سلة من الفطائر، بشرط أن تقدم الفدية إحدى أجمل البنات وأدعاهن إلى الاحترام.
ثم تُقدَّم العروس إلى حماتها بأن تخرج من "اللوج" على أنغام موسيقى خاصة وعلى قطعة قماش تفردها أمامها الحماة، أو إحدى أخواتها حين تصل العروس إلى الغرفة. ثم تحيّي العروسُ النساءَ المسنات، وتنسحب بعد الإذن، وبعد أن تُنثر عليها النقود، وبعد فاصلٍ من الموسيقى والرقص، ثم أدعيةٍ من النساء المسنات لها، متجنبة إدارةَ ظهرها لحماتها.
وبعد هذه الطقوس تنعقد حلقة رقص قصيرة على شرف الطُهاة وكبار السن ومن ساهم في المناسبة على سبيل التكريم لهم بانتظار الحفلة الليلية الختامية.
وفي اليوم التالي للزفاف تجري طقوس إعادة العريس إلى بيت أهله، وعلى نحو أخصّ إلى والده لأن من المُحرج أن يظهر العريس أمام والده دون تمهيد.
يستعد أهل العريس لاستقبال ابنهم وصحبه بفطائرِ الجبنة الشركسية المعروفة، أو بتسمية أهل الشام "البَرَك "، وشرابٍ مما يقدَّم في الموالد. ويُدعى عدد من كبار السن لمسامرة والد العريس أو أعمامه وأخواله. ويستعد أهل مضيف العريس أيضاً لتوديع ضيفهم الذي أصبح الآن بحكم ابن لهم، بالفطائر أيضاً. ثم يرسل شابٌ على رأسه غطاء يُخفي ملامح وجهه مع عدد من الشبان. ويقفون على باب مضافة أهل العريس ويقولون " سمعنا أن ابنكم ضائع، ووجدنا هذا الشاب فقلنا لعله هو فجئناكم به " يتظاهر بعض الشباب والرجال بالكشف عن وجهه، ثم يقولون " لا، ليس هذا " ويبدؤون بضربه ضرباً تمثيلياً ويطردونه. ويأتون بشاب ثانٍ، وأحياناً بثالث حتى يأتي العريس فيُستقبل بالترحيب، ويتقدم إلى والده إن كان حياً، أو إلى عمه أو خاله. ولا يُطيل البقاء خجلاً وحرجاً. ثم يقف الرجال ويتداولون واقفين، وبتسلسل الوقوف، إناء كان سابقاً قبل أن ينتشر فيهم التزمُّتُ الديني نوعاً من المشروبات الروحية الخفيفة يسمّى "الباخْسمه" (10) فيشرب كلٌّ شفّة واحدة، ويمرّره إلى جاره. أما في بلادنا، وعلى الأقل في ما نعيه من تاريخ، فقد حلّ محلَّه شراب الورد المستهلك في الزيجات والمناسبات الدينية. وبعدها يلقي بعضهم كلمات ودعوات بهذه المناسبة مع التمنيات بالسعادة والذرية الصالحة.
يُدعى الجميع، وغالبُهم من الكهول، إلى حفلة الرقص التي تبدأ رزينة هادئة بسبب أعمار المشاركين الذين لا يُطيلون مشاركتهم، فيودعون الحفلة، ويتركون الشباب يُكملونها بصخبهم.
ومن المناسب التنويه بأنّ أي مشروع زواج، سواء بالخطيفة أم بالخطبة، وكذلك كل زفاف أو حفلة عرس، كان يؤَّجل، ليس لوفاة أحد أفراد الأسرة أو الأقارب الأقربين، بل لوفاة أحد أبناء القرية، لأن أبناء القرى كانوا كالأسرة الواحدة، وكان الموت في القرى حدثاً صاعقاً ينشر نوعاً من الرهبة الدينية الروحية في أرجاء القرية. فإذا كان المتوفى من الأسرة أو من نطاقها أُجِّل كل شيء إلى ما بعد الأربعين على الأقل، وقد يؤجَّل سنة كاملة لوفاة أب أو أم أو أخ أو أخت. وإذا كان أحدَ أبناء القرية ألغيت الطقوس العلنية من رقص وسباقات وما إلى ذلك، واكتُفي بالضروريات، من قبيل عقد القران والعلاقات مع أهل العروس. ويتفهّم الجميع ما يجري.
لا يزال مُضيف العريس مسؤولاً عن حماية العريس والعروس في الليالي الأولى تحسباً من أي إساءة للأدب. وكان من أنواع المعابثة قديماً أن يتظاهر الأصدقاء بالتجسس على العروسين، فإن أمسك بهم المضيف ومساعدوه فرضوا عليهم فدية تدفعها بنات الدار، وإن حدث العكس اختُطف المضيف والعريس إلى مكان مجهول إلى أن يُفتديا أيضاً. وبعد سهرة قصيرة مع العروسين ينصرف الشباب والبنات، ويُتركان على راحتهما، مع بقاء الوصيفة في البيت نفسه مستنفَرة لأي طارئ. وعلى العريس مفارقة عروسه باكراً جداً قبل أن يستيقظ المصلون ويتجهوا إلى المسجد. ومن أساليب معابثة الشبان لصديقهم العريس إطالة السهرة معه لتأخيره عن عروسه.
والحقيقة أن العريس ووالده يبقيان شهوراً أحياناً يتحاشيان الالتقاء حتى على الطعام. وكذلك لا يمكن أن تفكر العروس بالظهور أمام حميها في الأشهر الأولى. وكذلك الأمر بالنسبة إلى إخوة العريس الأكبر سناً منه، إلى أن يأتي كل منهم بهدية مناسبة للعروس تسمى " مقابل رضاء العروس بأن تتعرفه ".
والعريس كان يتلقى بعد فترة غير قصيرة ولا طويلة دعوة إلى بيت حميه، غالباً إلى العشاء، ومع الفطائر وأطعمة خفيفة مماثلة، يمكنه بعدها أن يزور بيت حميه دون الالتقاء بحميه إلى ما بعد سنوات أحياناً.
يمكن لأهل العروس زيارة ابنتهم، ولكن للأصاغر سناً فحسب؛ فليس من اللائق وبخاصة لإخوتها الأكبر منها، والوالد طبعاً أن يفعلوا هذا. أما العروس فعليها الانتظار ما يقارب السنة لتزور أهلها.
وبعد العرس بشهر تقريباً يوجِّه أهل العروس وفداً نسائياً مؤلفاً من زعيمة ومجموعة فتيات وشباب قليلين ليسوا من إخوتها، مع أشيائها الخاصة من ملابس وما شابهها, مع مهرها الذي غالباً ما يحوّله أهلها إلى حلي ذهبية، وهدايا هي من اللباس حصراً إلى حميها وأخيه أو إخوته، وإلى حماتها، وأبنائهما وبناتهما، وبعض الأقارب المقرَّبين، وكبير الأسرة. ويعود الوفد في اليوم نفسه إن لم تكن المسافة بعيدة جداً.
تتم الزيارة الأولى للعروس إلى بيت أهلها بعد سنة تقريباً من زواجها. والهدف من هذه المدة الطويلة دمْجُ العروس في أسرتها الجديدة والأبدية، واعتمادها على نفسها بدلاً من اللجوء في كل صغيرة وكبيرة إلى أهلها، ولاسيما إلى أمها. ويُحدد موعد الزيارة لتستعد أسرتها لاستقبالها ومرافقيها الذين هم امرأة متوسطة العمر من أهل الزوج، مع نساء أخريات يُنتقين بعناية من الأقارب والجيران بحيث لا يزيد العدد عن الحد المعقول ولا ينقص لأن زيادته إحراج لأهلها، وقلّته استخفاف بهم. ويرافقهم شابان أو ثلاثة، مع الهدايا المناسبة. وتقام للضيوف والوفد المهيَّأ لاستقبالهم وليمة حافلة. وإذا كانوا من قرية أخرى بعيدة فلابد من إقامة حفلة رقص بالمناسبة. وخلال إقامتها في بيت أهلها التي تمتد شهراً تقريباً يُجهَّز لها فراشٌ ولحاف أو أكثر من الصوف.
بقي أن نقول إن ظاهرة تعدد الزوجات شِبه معدومة بين الشراكسة، وأكثرُ منها قليلاً ظاهرة الطلاق. فهل السبب بقايا تأثيرات المسيحية عليهم (11) أم الإخلاص للزوجة الوحيدة؟
الحواشي
- études islamiques 1929.
- م. س 1938_ 1939
- كل ما في المقال من معقوفات [ ] تدخُّلٌ من الكاتب.
- شهد الكاتب في شبابه، وفي قريته الجولانية، شاباً اختطف فتاة من طريق نبع القرية بأن فاجأها من خلفها وحملها إلى أقرب بيت في طريقه. وبعدما حطّت على الأرض أخبرها أنها الآن حرة في أن تعود إلى بيت أهلها. والسبب في هذا التصرف العنيف هو أنها كانت أخلفت بوعدها له أن " تنخطف" معه في اليوم السابق. وارتفع التصفيق الحار من الشباب الذين شهدوا ما جرى. وبديهي أن الفتاة بكت واحتجت، ولكنها لم تعد إلى بيت أهلها.
- الأرجح أن الباحثة تعني مفاوضات تعيين المهر فقد كُتب المقال قبل تحديده في بداية النصف الثاني من القرن العشرين كما سيأتي.
- ولا أدري علاقتها بالكلمة الفرنسية المقابلة (Loge) التي تحمل معاني قريبة منها. ولا أظن أن شراكسة سورية اقتبسوها من الفرنسيين أيام الانتداب لأن الكلمة مثبتة في القاموس الشركسي الصادر في " مايكوب " عاصمة إحدى الجمهوريات القفقاسية، ولأن في اللغة الشركسية كلمات قد تكون من أصل هندي أوربي كما الفرنسية، من قبيل (passe) التي تعني في الفرنسية أيضاً الماضي. وكلمة (courbe) التي تعني المنحني. وأهمُّ من هذي وتلك النفي بـــ (PAS)
- الذي هو الآلة الموسيقية الرئيسة لدى الشراكسة. بالإضافة إلى بعض الآلات الإيقاعية.
- لم يكن يُطلب في المجتمع الشركسي ما يُسمى " غرفة نوم " بل تهيِّئ أسرة العريس ما يتيسّر لها من متطلبات تلك الغرفة. وكانت أسرة العروس ترسل مع ابنتها في أول زيارة لها إلى أسرتها فراشاً ومخدة ولحافاً وأشياء من هذا القبيل، وهذا خارج حساب المهر كنوع من الاعتراف بأن ابنتهم لها حصة في بيت أهلها.
- هذا في سورية والبلدان العربية. أما في الوطن الأم فقديماً كان الطعام القومي هو "الباستا " وهي الأخرى كلمة هندية أوربية كما في الحاشية السادسة، تعني نوعاً خاصاً من الحبوب مسلوقاً جيداً، يقدّم مع اللحم غالباً، ومع غيره عند غياب اللحم. ثم لا يخفى أن إمكانات الأسر المادية متفاوتة. والآن، وفي توطن أغلب الشراكسة في المدن بسبب نزوحهم من قراهم يكتفى بـــ " الصفيحة " أو " الأوزي " وما شابه من وجبات جاهزة اختصاراً للوقت والجهد.
- وتقابل في اليونانية " باخوس " إله الخمر. وكان يُصنع من منقوع الشعير أو الذرة البيضاء، ويُنظر إليه كشراب قومي لا ضَيرَ في شربه ما دام قليله غيرَ مسكر كالنبيذ في العصر العباسي.
- وهو رأي جوزيف غاستانييه في مقاله المشار إليه سابقاً. وفي جميع الأحوال، بدأ الطلاق يتسع شيئاً فشيئاً، ولاسيما في أوساط الأزواج الشباب، وإن لم يواز ما يحدث في المجتمعات المجاورة. والمعروف قديماً، وربما إلى الآن نسبياً، أن سن الزواج لدى الجنسين في المجتمع الشركسي سنٌّ متأخرة. ولعل هذا أحد الأسباب في قلة الطلاق، وليس السببُ سهولةَ الطلاق في المجتمع الإسلامي الذي انتقلوا إليه.
مراجع البحث:
1 ـ ذاكرة الكاتب التي تعود إلى أكثر من ستين عاماً. ومسموعاته ومقروءاته، وثقافته المجتمعية.
2 ـ études islamiques 1929
3 ـ م. س 1938_ 1939