cropped-حافظ-1.pngcropped-حافظ-1.pngcropped-حافظ-1.pngcropped-حافظ-1.png
  • الصفحة الرئيسة
  • عن حياتي
  • أدب
  • مقالات وأبحاث
  • شركسيات
  • لغة
  • إسلاميات
  • ترجمات
  • تحميل الكتب
    • بيت الأمساخ
    • مشروع الجاحظ الثقافي
✕
  • الصفحة الرئيسة
  • مقالات وأبحاث
  • الرأسمالية يا للفردوس المفقود!
الموضوعات
  • مقالات وأبحاث
الموضوعات الفرعية

الرأسمالية يا للفردوس المفقود!

في غمرة أحداث 1989 – 1990 التي انتهت بتداعي معظم الأنظمة المسماة سابقاً بالاشتراكية، وفي غمرة الظروف الصعبة التي تمرّ بها شعوب الاتحاد السوفييتي اقتصادياً وعِرقياً، ارتفعت أسهم الرأسمالية، ونُسيت قبائحها، وتحولت برمّتها إلى فضائل عند كثيرين، وتحولت الاشتراكية إلى رذائل. وجرى ويجري خلطٌ متعمَّد بين الاشتراكية نظريةً ومبادئ، والاشتراكية تطبيقاً في العالم الواقعي.

وساهم في تغيير الصورة بهذا الشكل الحاد إخفاقات دول العالم الثالث التي اقتفى عدد منها قولاً أو فعلاً دول المنظومة الاشتراكية، مقابل اغتناء فاحش لدول العالم الثالث النفطية.

ونسي الكثيرون من الناس أن هذه المنظومة الاشتراكية على عيوبها، وعلى الأخطاء الفادحة التي كانت تنخر عظامها، مثل غياب الحريات الديموقرطية عن الجماهير، وبيروقراطية الأنظمة والقيادات، وتخلُّف وسائل الإنتاج، وانخفاض وتائره، استطاعت أن تلجم الأطماع الاستعمارية العدوانية ضد شعوب العالم الثالث أكثر من أربعين عاماً، واستطاعت بسياسة المجابهة حيناً، والمرونة حيناً، إبعاد شبح الحرب عن العالم، هذه الحرب التي خططت لها الطغمة العسكرية الأمريكية أكثر من مرة، وعقِب الحرب العالمية الثانية مباشرة، مثل مشروع توتاليتي لإنزال عشرين ضربة ذرية بالاتحاد السوفييتي، وخطة " دروبشوت" لإنزال 300 ضربة ذرية به وبحلفائه.

ونسي الكثيرون كذلك أن هذه المنظومة الاشتراكية وقفت إلى جانب دول العالم الثالث في معاركها ضد الأمبريالية، ودعمتها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، بل تورطت في بعض بقاع العالم ورطات كبيرة منهكة لها، مثل أفغانستان.

ونسينا أيضاً، في عالمنا الثالث، أننا بإخفاقاتِ بعضنا الفقير الناجمةِ عن أسباب ذاتية أو موضوعية، وببراميل النفط التي صبّت في بنوك العالم الرأسمالي، أنقذناه من أزمات خانقة، وأحدثنا خللاً خطيراً في موازين القوى، وخللاً خطيراً في التنافس الاقتصادي بين المنظومتين، لصالح المعسكر الرأسمالي طبعاً. ولا يعلم أحد مقدار الأرصدة الخليجية في البنوك الغربية وإسهامها في دعم هذا المعسكر.

استفادت الرأسمالية دروساً كثيرة من إيجابيات الاشتراكية، ومن سلبياتها. وينبغي أن نذكر حين يجري الحديث بإعجاب عن وضع العامل في المعسكر الرأسمالي، وعن الضمانات الممنوحة له، وعن رفاهيته ومحدودية ساعات عمله... أنّ الرأسمالية ما اتخذت هذه التدابير من تحديد لساعات العمل، ورفع للأجور، وضمانات صحية واجتماعية، إلا بضغط من الأوضاع التي أوجدها قيام المعسكر الاشتراكي، والشعارات التي رفعها، وبضغط من ظروف المنافسة والخوف على المصير، ولاسيما في أزمة العشرينات والثلاثينات في الغرب.

وبالمقابل أغلقت النُّظُم الاشتراكية أبوابها أمام ما يمكن أن تستفيد منه من عناصر إيجابية في الرأسمالية رغم أن الأخيرة مارستْها بطرق شكلية أو وهمية، كالحريات الديموقراطية، وحرية التعبير والرأي، وأساليب الانتخابات، والتعددية الحزبية. وكانت ظروف التنافس الاقتصادي في كثير من الأحيان غير متكافئة؛ ففي الوقت الذي ظل العالم الرأسمالي ينهب فيه ثروات الشعوب عبْر الاستعمار المباشر، ثم عبر الاحتكارات والشركات المتعددة الجنسيات، وعبر إشعال الحروب في أكثر من مكان، اضطرت الدول الاشتراكية إلى خوض كثير من الحروب الداخلية والخارجية، وتحملت معظم أعباء الحرب العالمية الثانية. واستغرقت عملية إعادة البناء والتصدي للمؤامرات الأمبريالية، والانجرار وراء سباق التسلح، وقتاً وجهداً ومالاً.

وتجاوزت الرأسمالية أزماتها الدورية والطارئة بمزيد من النهب للعالم الثالث، بتخفيض أسعار المواد الأولية التي تعتمد عليها بلدان هذا العالم كالنحاس والكاكاو، وبرفع أسعار منتجاتها الصناعية. حتى البترول الذي أحدث هزة في العالم الرأسمالي عقِب حرب تشرين عام 1973 استطاعت الرأسمالية الالتفاف عليه وإعادة أسعاره في بعض الأحيان إلى ما يقارب أسعاره قبل الحرب.

وزينت الرأسمالية واجهتها بالديموقراطية البرلمانية، وركزت على الحقوق الفردية والحرية الشخصية للمواطن. ويعرف الخبراء جيداً أن البرلمانات الغربية رغم أهميتها وسلطاتها، لا تستطيع الوقوف أمام القرارات الحاسمة للرئيس الأمريكي مثلاً، وأن السلطات الأمنية تسيطر على القرارات الهامة، ولا تخضع تلك لأي رقابة فعلية.

باختصار، استغلت الأمبريالية أخطاء التطبيق الاشتراكي أحسن استغلال كغياب الديموقراطية وتجاوُز حقوق الإنسان، والتأخر الاقتصادي، وإهمال الحاجات الاستهلاكية والكمالية كالملابس الفاخرة، والمطاعم الفخمة، والشقق الأنيقة، والسيارات الفارهة. واستغلت تجاوزات بعض قيادات هذه النظم لإفلاتها من الرقابة.

إن الثورة الفرنسية التي يمكن اعتبارها نقطة التحول السياسية الرمزية نحو الحداثة لأنها أعطت الصفة الشرعية للنظام الرأسمالي، ومعها الاتجاه نحو التصنيع، هذه الثورة اندلعت تحت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، فكان شعر الحرية هو المحبَّب إلى قلوب المبادرين إلى التصنيع من رجال الطبقة الوسطى في الغرب الذين فهموا منه بالطبع أنها تعني قبل كل شيء الحرية في تجميع الثروة من خلال المبادرات الاقتصادية. (1)

هذه الحرية التي هي مسوِّغ استمرار النظام الرأسمالي هي في جوهرها حريةُ المنتجين في فرض منتجاتهم على المستهلكين، ومضاعفةُ الحاجات المقلَّدة والموهومة، أو ملاءمتُها إلى الحد الأقصى للقدرة الميكانيكية على إنتاج الأرباح. وهي تتطلب إتلاف أكبر كمية ممكنة من السلع لإبقاء جهاز الإنتاج دائراً؛ فكلما ازداد الاستهلاك وجب على العامل المزيدُ من الانخراط في زيادة الإنتاج، فحمل العامل عبئين دائمين: عبء الإنتاج وعبء الاستهلاك. (2)

وتعني " أهمية الإنسان الفردية " التي هي مثار اعتداد الرأسمالية، تنمية شهوة الفرد إلى الاستمتاع والاستهلاك، والشعور بعدم الاكتفاء. وهكذا أُنتِجتْ، وما تزال، سلعٌ مادية كثيرة حقاً، ولكن الوقت الكافي للاستمتاع بها يقل شيئاً فشيئاً، وتعني كذلك إهمال الحاجات الجماعية الأولية، كالسكن والصحة والتعليم والازدحام.(3)

وجعل النظام الرأسمالي الإنسان جزءاً من الآلة، ولكن لا على أساس سيطرة الإنسان عليها، بل على أساس امتصاصه من قِبَلها، فهي التي تفرض قواعدها ووتائر نموها، فتجرِّد الإنسان تدريجياً من استقلاله، ولا يبقى سوى نسخة من الآمر الميكانيكي، وجهازَ تنبيه رخيص. إن الآمال المعقودة على الآلة في القرن التاسع عشر من تخفيف للجهد العضلي، وهيمنة على الطبيعة، وإطلاق لإمكانات الإنسان الفكرية بتحريره من العمل الدائب الذليل تبخّرت. (4) حتى إن بعض فلاسفة العصر الحديث مثل ماركوز عدّوا اتحاد العلم بالتقنية " مؤامرة صامتة على الإنسان " و" نزعاً كاملاً لإنسانيته، ومشروعاً واسعاً لاستعباده لحساب آلة مظلِمة مغفَلة الاسم " (5)، وحتى إن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان يدعو مضطراً في برنامجه الانتخابي عن " تأمين نموّ أشد وعياً " وآخرون عن " تنشيط نمو مستمر ولكنه منضبِط " (6). وسلبت الرأسمالية الإنسان حريته بالتدريج، فالمستهلك الذي يظن نفسه حراً إنما يتمتع بسيادة وهمية؛ فهناك نظام كامل للحثّ على الاستهلاك والإقناع، بحيث أن ما في السوق من بضاعة ليست الأفضل توافقاً مع مصالح المستهلكين بل مع ما قصده المنتجون. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تمارس عليه رقابة شبه مطلقة عبر وسائل التربية والإعلام، فقد مضى الزمن الذي كان ما يزال فيه مجال واسع للنشاط الحرّ والفكر المستقل على هامش التعليم العالي. فمعظم المعاهد العليا اليوم مؤتمتة أتمتة كاملة. والذين يتّحدون مع أهداف النظام مهما كانت خرقاء هم المرشحون للترقية والسلطة السياسية. (7)

والأطفال الأمريكيون يقضون من 3 – 6 ساعات يومياً أمام التلفزيون (8) الذي يمارس عليهم بهذا الأسلوب رقابة أشد من رقابة الوالدين.. وهم في المدرسة يحوَّلون إلى نوع من " اليرقانة المدرسية " على حد تعبير لويس ممفورد في "أسطورة الآلة " على طريقة " لا تمسّه الأيدي الإنسانية " المنقوشة على علب الأغذية، بعد الانحسار المستمر لعلاقة التلميذ بأستاذه وحلول الآلة محل الأستاذ. إنه ينشأ بهذا الشكل جيل تحت رقابة صارمة قد تمتد إلى مهمة خلق " حيوان إنساني " (والتعبير لا يزال للويس ممفورد) محدود، خاضع، مهيَّأ علمياً، ومتلائم مع بيئة تكنولوجية، إلى الحد الذي يبيح فيه هذا النظام لنفسه الدعوة إلى "مراقبة النسل " ليسيطر على التطور البيولوجي، ويسهّل التقدم الوراثي، ويوسّع ميدان العلم توسعاً لولبياً. (9)

ومزقت الرأسمالية البنى الاجتماعية التقليدية التي يتعلم فيها الإنسان إنسانيته، ويحصل على هويته، بدءاً من الأسرة، فالحيّ، فالقرية، وانتهاء بالمدينة. فمحلّ المدن القديمة كانت مجموعات عمرانية عريقة مستقرة، وشخصية اجتماعية حقيقية منتظمة، لها أحياؤها، مساحات لقاءاتها، حلت مدن ضخمة هائلة " ميغابوليس" لم يعد لها واقعٌ عضوي حقيقي. وغدا سكانها كتلاً جماهيرية متفجرة غير متوائمة كلُّ فرد منها إنسان منعزل يعاني الوحدة والسأم والحرمان. لا يعمل شيئاً عن غيره. ومحل الأسرة الكبيرة المتماسكة التي تضم الأب والأبناء، وأحياناً الأعمام والجدود، حلت:" الأسرة النووية " المؤلفة من الزوجين والأولاد القاصرين. حتى الأولاد غير المتزوجين يتركون أُسَرهم في سن الرشد. وحل محل ساحات اللقاء الشعبية الحميمة محلات اللهو المأجورة. (10)

وأفرزت طبقاتٍ وجماعاتٍ هامشيةً، تعيش بؤسها وسط هالة من مظاهر الترف والرخاء ووفرة المعروضات. من هذه الجماعات الجديدة الحَدّيّون، وهم أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يتراوح دخلُهم بين الربح الطفيف والتوازن، وأحياناً الخسارة البسيطة، ويتعرضون للإفلاس إذا حدث تقلُّبٌ مفاجئ في السوق. وبإيجاز هم الذين يعيشون على هامش المجتمع. ومنهم الريفيون المقتلَعون الذين التهمتهم المدينة، والمعوّقون. وقُدِّر عدد أفراد هذه الفئات في فرنسا بعشرة ملايين نسمة، أي خمس عدد السكان، والنسبة ذاتُها في الولايات المتحدة. ويصل التفاوت بين متوسط دخل هذه الفئات ومتوسط دخل الفئات العليا إلى 1 / 500. (11)

على الفرد من هذه المجموعات أن يكون رِحّيلاً، يبادر إلى حيث يستدعيه هدفُ إبلاغِ الإنتاج أعلى حدّه. لم يعد يعرف وطناً ولا مسقط رأس، ولم يعد يُحس بتعاقب الفصول وتقلُّب المناخ، ولا بالماضي الذي يرمز دائماً إلى الإخفاق، ولا بالحاضر الحائل دوماً. همُّه وخوفُه الدائمان من المستقبل.

إنسان الجماهير هذا نملةٌ وسط قطيع النمل، مُنَمذجٌ، بلا ملامح فردية ولا قيمة شخصية، فردٌ نقيّ كيميائياً، ذرةٌ موحّدة النوعية بلا لون ولا نتوءات مميِّزة، فارغة منغلقة على ذاتها، فاقدة روحَها وشخصيتها، منفصلة عن تاريخها العضوي الطويل. (12)

وهو عُرضةٌ للاستلابات المستمرة في حياته. استلابُه في عمله يجعله خامد الذهن، تابعاً تبعية مطلقة لسلطات الآلة، محروماً من كل مراقبة لعمله، ومن مراقبة عمل المنشأة. يتلقى أوامر لا شأن له بإعدادها. واستلابه في راحته التي تشبه الدواء المهدِّئ للعمل؛ فقديماً كانت الاستراحة تتصل بكُلية الحياة، بالأعياد الدينية الكثيرة، وبالظروف الجوية. أما الآن فهي قطْعٌ كليّ عن الحياة وعن ظروف العمل، استراحة بلهاء يوهِم العامل نفسَه خلالها بممارسة أعمال ذات نفع طبيعي، أو بإحياء علاقات اجتماعية بادت في ظل الحياة الآلية. يتماهى بالأولمبيين المعاصرين، نجومِ الفن والرياضة، معبودي الجماهير، فيتحول إلى ما يسمّونه بـــالإنسان التلفزيوني، بمعنى الإنسان الغارق في رؤاه وأوهامه. (13) ومن صفوفهم تخرج عصابات العنف التي لا هدف لعنفها إلا العنف، مثل قطعان الهوليكنز الإنجليز.

وقلبت الرأسمالية المعايير، وشوّهتها، فأصبحت أسعار نجوم الرياضة والفن ولا تُضاهى. وصار حساب الركلة الصائبة واللكمة المسددة يساوي بل يفوق أحياناً مردود أحسن كتاب في الفكر والأدب. وصار سعر لاعبِ كرة ناشئ يفوق جائزة نوبل. وأصبح ما يُصرف على موائد اللهو والقمار مبعثاً للعقد النفسية والتشوهات الأخلاقية والتدمير الذاتي.

ولم تحقق الرأسمالية بإنتاجها ووفرة معروضاتها الأمن للإنسان؛ فالترسانات الحربية المدمرة تتحكم فيها عقول آلية، أو عقول بشرية مجنونة أحياناً. والجماهير تشعر بأنها مخلوعة الجذور من القبيلة والحي والأسرة، فيزداد اتكالها على المؤسسات (الأحزاب والبرلمانات والحكومات). وانتشار المساواة لا يخفف عدد النزاعات في المجتمع وحِدّتَها، ولا التوترَ في جو المنافسة. بل كلما ازدادت" المساواة " في صفوف المجتمع ازداد عدد المتنافسين للحصول على المناصب والأدوار فيه، ولا سيما مع ازدياد المعرفة العلمية والتعمُّق في الاختصاص. حتى أصحاب المناصب والثروات على حذر دائم من فقدانها، ومطالَبون دوماً بابتكار الجديد، وحُسن التصرف، والإعلان والدعاية لأفكارهم. (14)

والانفجار السكاني يجعل الإنسان تابعاً متناقص العدد، والانفجار التقني يحوله إلى باقة أخبار متفرقة معدومة الشخصية. والتفاعل بين التغيير التقني العلمي وبين الجهاز الاقتصادي يولِّد الشعور بأن كل شيء ممكن، وكل شيء قابلٌ للتبديل؛ فلا داعي إذن للتعلق بشيء، أو التوقف عند شيء، فتصبح الحركة القصوى هي القاعدة، وتزيده في الشعور بتناقص معرفة الأشياء. وتخلق حالة من القلق المزمن ولاسيما أن التبدلات الهامة في محيط الإنسان من عقد من السنين إل عقدٍ تُشعره بالضياع والشلل وانعدام الوزن وفقدان الهوية. (15)

بدأت الاشتراكية بأفكار نبيلة خلافاً للرأسمالية التي كان دافعها منذ البداية الإثراء. كان هدف الحياة في رأي مؤسسي الاشتراكية " أن يصبح المرء كائناً إنسانياً كامل المواصفات " و" إنهاء تبعية الأفراد لتوزيع العمل، مصحوباً بإنهاء التناقض بين العمل الذهني والعمل اليدوي " وبذلك لا يعود العمل وسيلة عيش فحسبُ بل ضرورة رئيسة من ضرورات الحياة، أي أن يصبح الاهتمام بالإنسان مركز كل فعالية. (16)

والنظم الاشتراكية السابقة، رغم أخطائها الكبيرة، عمرها قصير بالقياس إلى النظام الرأسمالي المبنيّ على جثث الآلاف والآلاف من الضحايا، مثل بريطانيا وحمْلةِ الرأسمالية الناشئة فيها على المزارعين لتأمين مراعٍ للأغنام تنتج الصوف لمعامل النسيج، على حساب تشريد الفلاحين. ومثل الولايات المتحدة التي قامت على أشلاء الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين، وعلى أشلاء الزنوج وعلى عرق جباههم، بالإضافة إلى نهبِها لشعوب المستعمرات طوال قرون.

ونتجاوز استنزاف الأمبريالية للطاقة العالمية، وتكالُبَها على منابع الطاقة، وعلى الاختراعات القاتلة للبشرية. ومعروف أن مسقط رأس القنبلة الذرية هو الولايات المتحدة وألمانيا النازية، وجرُّها للنظام الاشتراكي إلى سباق التسلح، وإشعال الحروب هنا وهناك.

نتجاوز كل هذا لنقول: إن النظم الاشتراكية وجدت الشجاعة في أنفسها لتعترف بأخطائها وتتنازل عن الحكم دون إراقة الدماء، بل ربما يؤخذ عليها أنها بالغت في تبكيت النفس والتواضع أمام الهجمة المعادية، بغضِّ النظر عن عناصر هذه الهجمة.

فهل اعترفت الرأسمالية يوماً بخطأ ارتكبته، أو بظلم مارستْه؟

متى وكيف يا تُرى نجبرها أن تعترف؟!

مجلة دراسات اشتراكية

الهوامش:

  1. انظر " النمو المجتمعي " سيمون تشوداك، ترجمة عبد الحميد الحسن، ص 126 وما بعد.
  2. "أسطورة الآلة" لويس ممفورد. ترجمة إحسان حصني. 2 / 174.
  3. "نظرات في هذا الزمان " بيير باسكالون، ترجمة صلاح الدين برمدا. ص 217.
  4. المصدر السابق ص 11.
  5. " السيطرة على المستقبل " فرنسوا هايتمان. ترجمة كمال خوري، ص 13.
  6. نظرات في هذا الزمان. ص 219.
  7. أسطورة الآلة. 2/101 و324.
  8. كان هذا الكلام قبل أكثر من ربع قرن، والآن حلت وسائل ترفيه بل تضييع للوقت غالباً محل التلفزيون.
  9. أسطورة الآلة 2/101، والنمو المجتمعي 208.
  10. نظرات في هذا الزمان 224.
  11. المرجع السابق 220.
  12. المرجع السابق 220.
  13. المرجع السابق 214.
  14. النمو المجتمعي 301.
  15. السيطرة على المستقبل 10.
  16. أسطورة الآلة 2 / 303.
المشاركة

مقالات أخرى ذات صلة

يناير 12, 2025

رسالة الغفران


قراءة المزيد
يناير 12, 2025

أصول الصوفية


قراءة المزيد
يناير 12, 2025

المنطق والنحو في القرن العاشر


قراءة المزيد
حقوق النشر محفوظة 2025.