المفتاح
تذكرته على المنعطف قبل مدخل الحارة؛ سطل ماء بارد اندلق علي ّ!
ما أشد ما حرصت عليه في الأيام القليلة الفائتة، أبحث له في ثيابي عن مأمن، أتفقده كلما تذكرت أن لي موطئ قدم في المدينة، كأن الشطر الثاني، أو قل: الأول من حياتي، مغلق عليه بهذا المفتاح. عذّبني أيام الحرب كما عذبني مسدسي ومنظاري وكمامتي، إلى أن أنستنيه هذه الإجازة العارضة!
ما كان يُسمح إلا للمتزوجين بمغادرة المعسكر حتى احتال لي أحدهم، لا أعرف، هو على سبيل المكافأة أم الإشفاق، فمنّ عليّ ببضع ساعات.
رأيت رجالاً في الحرب يأكلون رأس الحية ويقضمون الحصى، والآن يدفعون نصف عمرهم مقابل ساعات يعودون فيها إلى حياتهم المدنية التي افتقدوها؛ فكلنا في هذه الوحدة اقتلعونا قبل شهور من حياتنا الرتيبة. منّا المعلم الذي انتظر تسعة أشهر فلما تمخض العام الدراسي كان الوليد احتياطاً، ومنا الفلاح الذي أشرف على موسمه، ومنا سائق التكسي، ومنا من على باب الله...
وأنا الوحيد فيهم لا عطلة لدي ولا أرض ولا سيارة. لم أفقد إلا مفتاحي؛ ومع ذلك نسيته حين بشروني بالإجازة.
الآن أطفال الحارة حولي كأني بطل من أبطال أفلام الكرتون: على رأسي قلنسوة وسماعتان؛ فمنذ شهرين نحن على أهبة الاستعداد لما لا يدريه أحد، واستعدادنا هو هذه القلنسوة تبعدنا عن همومنا اليومية إلى أمر القتال المرتقب حتى صارت جزءاً من أجسادنا.
تألم جلد رأسي أياماً، وانتحت كل شعرة وجهة حتى نسيت فيما بعد أن على رأسي شعراً.
وعلى بدني رداء لم ير الماء من شهر، تحوّل إلى ما يشبه الجلد من العرق والغبار وبقع الشحم.
وفي قدمي حذاء كان أسود يوماً ما.
ووجهي، وذقني، و...
اعتدنا منذ شهر ألا نرى وجهاً مغسولاً أو رداء نظيفاً أو ذقناً حليقاً.
ولكنني الآن في المدينة، وعلى مدخل زقاقنا، وحولي أولاد الحارة.
ما أكثر ما نهرتهم، أولاد حارتي، عن اللعب تحت نافذتي، وما أكثر ما هددتهم، وإن لم أفعل، بأن أثقب لهم الكرة أو أصادر الدحاحل دون جدوى!
أعود من " احتياطي " إلى المدينة ويدي على المفتاح؛ فجارتي لا تفتح لي. وأنسلّ بحذر، وأندسّ في غرفتي فأرى أشيائي الرتيبة اكتست حلة جديدة كأني افتقدتها شهوراً. أترك طعام المعسكر الساخن إلى حواضر البيت لأغفو بقدمين مغسولتين على كأس الشاي.
ولكنهم لا يدعونني أنام!
يتعالى ضجيجهم مع انحسار الهاجرة؛ أنّى لهم أن يقدّروا أني منذ أيام أحلم بهذه الغفوة بعيداً عن همّ التدريب والصيانة والرمي؟
وما يسمى " حارتنا " _ بل " حارتهم " فأنا الغريب الوحيد فيها _ ليست أكثر من صفين من البيوت الهزيلة على جانبي زقاق تمخره السيارة بصعوبة؛ فالذين صمموه ما تناهى إليهم خبرها. حتى الريح تجد حين تعنف صعوبة في اجتيازها فتصفر صفيراً مرعباً في ليالي الشتاء مهددة أبراج الحمام ومستودعات السطوح، ناثرة أسيجة التوتياء. وتتعانق الشرفات المتهالكة من الجانبين عناقاً لم أتذوقه أنا ابن القرية التي يتعب السائر فيها بين الحوش والحوش. أما هنا فتدعو الجارة جارتها إلى فنجان القهوة الصباحي عبرها، وتستعار أرغفة الخبز وأدوات المطبخ من خلالها، وتسري الأخبار،ولا سيما في غياب الرجال دون أن تطأ الأرض.
وانخسفت السطوح، وتساقط الطين من الجدران المتداعية، وعششت الحشرات في الأخشاب المتآكلة. ماذا وجد فيها المترفون الذين سكنوا أحدث الأحياء واستنفروا الجرائد والأقلام والمسؤولين حتى أقنعوهم بأنها من أوابد دمشق. أما أنا فما رأيت فيها أكثر من عجوز ترفض التسليم بنهايتها.
وجارتي لا تكلمني؛ حتى إني رأيت وجهها، بل عينيها، مرتين في حياتي: مرة يوم استأجرت هذه الغرفة، لست أدري أي ملاك نزل عليها فأقنعها أني شاب آدمي جامعي، وأني لن أستقر طويلاً في المدينة فقبِلتني بعدما خاطبتني من وراء حجابها بعينين حازمتين:
_ تدخل البيت بأدب، وتخرج بأدب. لا ضيوف، لا زوار، لا تتأخر ليلاً، حارتنا ضيقة!
وكنت حقاً كذلك " فما يصلح وجهي إلا لذي ورع "كما يقول الشاعر، وما عشت حياة ممتلئة في الريف، ولا أنا من المدينة ولا نابني منهما إلا أوجاعهما.
ومع ذلك ما تمالكت نفسي أمام حشد النساء الذي اقتحم الباب يوماً، فتلصصت من خلل الباب وإن لم تظهر إلا حجب شرعية، وقبلات وترحيبات. وأظنها اكتشفت بحسها الأنثوي وخبرتها الطويلة بأمثالي من المستأجرين ما أفعل؛ فأطلت عليّ مرة ثانية من وراء النقاب بتحذير لا لبس فيه:
_ نسيت أن أنبهك: يومُ الثلاثاء الأول من كل شهر يومُ استقبالي.
وصفَقت الباب دون انتظار الجواب، وما كان عندي جواب أصلاً. وعرفت فيما بعد معنى يوم الاستقبال فصرت أغلق الباب وأكتم نفَسي، وأتابع حفلة الاستقبال من الترحيبات التقليدية، إلى رشفات القهوة إلى فاصل المولد، إلى الفاصل الفني.
...
جمعونا _ نحن الاحتياطيين _ في ساحة عارية، تحتنا أرض قاحلة، وفوقنا شمس تشوينا منذ شهور تأبى أن تتنازل عن عنفوانها، وحولنا تلال جرداء تضغط على صدورنا. خاطبَنا ضيوف كبار:
_ اسألوا عن أي شيء إلا سؤالين: لماذا استُدعينا؟ ومتى التسريح؟
انقطع آخر حبل من الإشاعات نتشبث به. وجمنا. وهمس أكثر من ذكي:
_ إنها الحرب قادمة، يتناقلون هذه الإشاعة.
نسيت أن أقول إني كنت أنهيت دراستي وتوجهت لأداء الخدمة الإلزامية، ثم الاحتياطية. وجارتي صبرت عليّ خلافاً لما توقعتُ. كنا نقضي النهار نفك ونركّب. نودع لجنة تفتيش لنستقبل أخرى، ونجهز قوائم بالأعطال والنواقص دون أن يعرف أحد ما وراء هذه الحركة النشطة. وحين أعود في آخر النهار بعد يومين أو ثلاثة من الغياب تضع جارتي أمام غرفتي، وخاصة في شهر رمضان، صحن طعام أكبر بقليل مما تضع لقطتها، ثم تصعد الدرج.
وعوّدتني أن أترك الصحن الفارغ دون غسيل أمام الباب. أعتقد أن هذه المرأة ما كانت سيئة؛ وأيُّ امرأة في مثل وضعها كان لا بد أن تتحصن مثلها: قبل ثلث قرن عاشت بضع سنين مع زوج مسنّ ممرضةً لا زوجة.ثم مضى الزوج مخلفاً مجداً آفلاً وراتباً ضئيلاً، وبيتاً من طابقين لا يصلح أدناهما لسكنى عائلة، ولا تستغني هي عن أعلاهما حفاظاً على اسم زوجها. ولذا كان لابد أن تسأل وتتحرى كلما أنهى مستأجر دراسته لتجد بديلاً مناسباً معقولاً للغرفة الوحيدة.
ووجدتْني!
أنا مسكين؛ هكذا يصفني معارفي لأني لا أملك مغامرات عاطفية كافية، ولا غير كافية؛ أيّ شاب يخلّف ربع قرن وراءه ولا يملك تجربة ما إلا أن يكون عاجزاً أو معقداً أو...
وما هكذا أنا؛ ولكني آنف _ على تواضعي _ أن أبدأ مغامرتي الأولى بامرأة في الخمسين، هي أكبر من أن تحبني، وأنا أصغر من أن أحبها. أنا أكبر من أن أكون ابنها، وهي أصغر من أن تكون أمي.
ويبدو أنها بدأت تقتنع شيئاً فشيئاً أن شهادات الشهود فيّ لم تكن زوراً. ولكن حجاباً نفسياً جارحاً أُسدل بيننا يوم حذرتني:
_ إياك أن تدخل قبل أن تقول: " يا الله! "
وكيف لي أن أحفظ هذا التصريح الشامي وأنا من ريف لا تغلق أبوابه إلا في ليالي الشتاء. عبرتْ أمامي بسرعة البرق مرتين أو ثلاثاً بعد هذه العبارة وهي تردد: على مهلك يا أخي، ساترة رأسها بغطاء لا على التعيين حتى إني لا أتذكر سوى أنها قصيرة مكتنزة.
أنا محروم من أي امرأة، قصيرة ًكانت أم طويلة، نحيلة أم ممتلئة. أعلّق عينيّ في السقف المتقشر وأستعيد دقائق حياتي القاحلة. ثم مفاصل حياتها التي تتسرب من بين أصابعها، لا تملك من ماضيها إلا نياشين زوجها.
ومع ذلك فطموحي أرفع من امرأة الخمسين ولو أنها تخلت عن عدائها المفتعل، وأصبحت تخبرني باقتضاب أن صديقاً سأل عني _ رغم تحذيراتها الأولى _ أو تخبرني عن فاتورة الكهرباء والماء.
وأنا الآن مسؤول عن بضع دبابات وبضعة عشر إنساناً وفي الأفق تنعقد زوبعة تتملك الجميع.
ثم تكاد تساويني بقطتها!
هي _ أعني قطتها _ تصغرها، ولكنها هرمة في عُرف القطط؛ هذا إن كانت تعرف القطط ولا أظنها. فمنذ أن "بلغت " ما سمحت لها بالخروج؛ حتى إنها لا تعرف عالماً وراء الباب. تسمع في فصل الشتاء مكوَّرة على عتبة سيدتها ملاحم القطط، تواسيها ربّتُها بمسحة على ظهرها أو تربيتة. ويمضي شتاء وشتاء وهي تتحمل هذه الفظاظة، لا تعرف إلا شيئاً واحداً: وقْعَ قدميها، حسناً لنقل: وقع حذائها وهي عائدة إلى البيت من الناحية التي تحمل اسم الحارة على بُعد عشرة بيوت. تنزل الدرج بقفزتين، وتُقعي بانكسار وراء الباب:
_ مياو!
_ يا حبيبتي!
هذه الكلمة الحلوة الوحيدة التي أسمعها منها، وأنا أترقب في بعض الأحيان، مثل قطتها، هذا اللقاء المنتظر لأسمع منها أحلى عبارة " يا حبيبتي "؛ هذه المرأة المترهبة منذ ربع قرن تجيب قطتها بصوت حنون " يا حبيبتي ". لشدّ ما أحسد هذه القطة التي رغم عذابات السنين تجد آخر الأمر من يناديها "يا حبيبتي "!
كنت العازب الوحيد على ما أظن في وحدتي بدليل أنهم كانوا يتبادلون، وأنا أسرد عليهم أخبار جارتي وقطتها، نظرات ذات مغزى. لابد أني سردت باهتمام كيف أوصتني بقطتها أسبوعاً في غيابها حتى ظنوا أني بدأت أغير.
...
ساعة أوعزوا إلينا بالتقدم كانت قطتها ووصيتها الذكرى الحلوة الوحيدة في حياتي: لا أمَّ أعيها، ولا أب أشتاق إليه، ولا...
لم يكن أي شيء حلو أمامي: خندق قبيح يغور بك إلى الهاوية ثم يرفعك إلى السماء، يلتف كتِنّين ينفث الموت، وتلال فقدت أُنسها مع السنين، هجرتها القطعان والطيور، بقر العدو بطونها ولفّ حول رقابها المشانق. دخان البارود عقد في سمائنا عوالم خرافية ورائحة تزكم الأنوف. جثث مشوية ولحوم بشرية في كل مكان لا أحد عنده الوقت والجرأة ليلمّها. جريح لم يجد أرحم من ذلك الخندق اللعين يحتمي به، يستجمع قواه ليذبّ من حين لآخر سرب الذباب أنيسنا الوحيد في هذه الوحشة، وجريح آخر احتمى بأخدود حفرته آلية ثقيلة.
وأنا على مقعد القيادة، رأسي مشوش بلغط اللاسلكي، وشعري يحتج على فظاظة القلنسوة. عيناي تبحثان عما تخبئه الصخور والحشيش المتكوم على بعضه من سنين. يداي من مدور إلى مدور، ومن مفتاح إلى مفتاح. على يميني معمر نشيط لا يهدأ، يقتلع الطلقة من مخبئها ويطعمها للمدفع الغاضب، ويرمي الفوارغ من السقف مغامراً بنفسه وبنا، ناسياً أنهم يتصيدوننا من فوق ومن تحت. يشغّل المروحة لطرد دخان المدفع الهائج. يؤدي كل هذه الأعمال بإتقان اكتسبه من تدريب طويل ومن رباطة جأش لولاهما لسحقه المدفع المتراجع في لحظة ارتباك.
وقدماي يتوسدهما الرامي: هو أَتعسُ من في هذا الفرن، وأَبأسُهم مكاناً، وأَبعدُهم عن النجاة، وهو المحامي الأخير عنا، فيه خلاصة جهدنا وتماسُكنا. إن أفلح نجونا، وإن لم يفلح أصبحنا كمن ينفخ في قربة مثقوبة. وعليه وسْط هذه المعمعة أن يسيطر على يديه وعينيه وذهنه.
وأمامه سائق متروك لبديهته. يختار الأرض المناسبة، عليه أن يتجنب الألغام،ويتجنب الاصطدام بغيره في رقعة ضيقة نتجمع فيها تحت وطأة الرعب كقطيع خِراف مقرور، ثم ننتبه إلى أنفسنا فنتفرق. وعليه ألا يقف في مكان مكشوف، وعليه، وعليه...
وعلينا جميعاً أن نصبر على الدخان؛ نشعل في هدأة الرمي سجائرنا فتأبى حناجرنا الجافة أن تسمح لها بالمرور. نبللها بالماء ولكنه ماء فاتر كماء المحرك الصدئ. ومع ذلك نشرب ونشرب. نشرب من هنا ونتعرق من هناك.
وورائي طفولة بائسة وشباب فجّ حرمته الكتب المدرسية رُواءَه، وأذبلته أوهام العلم والثقافة والشهادة، وراتب هزيل وآمال محبطة، وغرفة بابها موصد، وشباكها ملعب للأولاد، وسقفها مسرح لأحلام اليقظة.
ومع ذلك أتلمس المفتاح! هذا المفتاح أغلى ما خلّفته، وأنا الآن مستعد لأن أستقبل الأولاد، ولْيلعبوا في غرفتي! ومستعد أن أوصد الباب على عيني وأذني وأغرق في أحلامي وكتبي البائسة، وأقتات على الأوهام التي ضيّعت ما مضى من عمري.
أمامي تهوي الأبراج، وتتناثر الأجساد الشابة، تحضن الأرض الجافية. ندفع ثمن كل خطوة رجلاً ودبابة؛ ومع ذلك فنحن نتقدم، نقطع ما يصلنا بماضينا، ننسى يومياتنا التافهة، ننسى طموحاتنا الحمقاء، ونتقدم.
ورغم هذا أتفقد المفتاح، دونه لن أستطيع الرجوع إلى عالمي الأول. كانت قطتها تسمع صوت المفتاح في الباب فتتحفز على رأس الدرج تنفش وبرها. أدني منها صحن الطعام فتهمّ أن تتنازل ولكنها تحذرني: إياك من خطوة أخرى. تراني لطيفاً رغم لباسي الخشن، ومع ذلك هناك حدود لمملكة الحريم!
وهذا اللباس الخشن يتحلق حوله الآن أولاد الحارة. الغبار " يهرهر " من كل بقعة منه. حذائي فقدَ لونه وملامحه، وجواربي؛ آه من جواربي! استعرت من أحد جنودي زوجاً،خجل المسكين واعتذر: كيف يعير قائده جوارب لبسها هو أسبوعاً؟ ولكنها أرحم مما أرتدي.
يتحلق حولي أولاد الحارة. نفس الوجوه التي كنت أنهرها صارت أنضج، وامتلأت هذا الشهر رجولة. نفس السيقان الرفيعة التي تصيب ركلاتها نافذتي الخشبية العتيقة فتثير الغبار وتثير أعصابي وحماقتي تصلبتْ. نفس الوجوه على مدخل حارتي، الوجوه التي كانت تنظر إليّ شزراً لأني الغريب الوحيد تهشّ لي الآن كأني قادم من الحج.
وأتلمس ردائي: المفتاح، نسيتُ المفتاح!
واخجلي إن لم تفتح لي جارتي!
السيارة التي زرعتني هنا لن تعود قبل ساعتين. وجارتي ما كانت تفتح لي أيام السلم فكيف تفتح لي الآن، إن لم تكن أخلت هذا البناء المتداعي؟
أين أذهب بوجهي ورأسي وردائي، والحمام الموعود، وكأس الشاي، وتهويمة السقف؟
الغبار، غبار شهر، يتناثر من كل موضع إصبع، ووجهي، دعْكَ من رأسي، لم أغسله منذ متى نسيت، وذقني.
وحالتي حالة!
وأطرق الباب، بل يطرقه الأولاد عني، كانوا يزفونني، يرمقونني. رأوا أبطالاً في الكتب والإذاعات ، رأوا صواريخ تنطلق وطائرات تهوي، ومدافع... لكنهم لم يروا بطلاً بأمّ أعينهم.
يتفحصونني: إنه البطل، ولكن يا للمسكين! ليس كأبطال أفلام الكرتون: بطل مغْبر ّ، بطل بلا عضلات نافرة، ولا وجه وسيم، ولا مسدس محشوّ، بلا مغامرات، بطل يبحث عن مفتاح!
ويتلمسون ردائي، يتحسسون الغبار، تراب الجولان الأحمر، أجل إنه بلون الدم. ويتحسسون العرق والرعب واللهفة والنشوة، ثم يقولون: إنه...
فيقرعون الباب:
واخجلي إن لم تفتح لي!
ولكنها تفتح الباب!
ينزرع في عيني لأول مرة في حياتي وجهها المستدير الحنون؛ لا شك أني لم أكن واهماً يوم تخيلت وجهها هكذا دافئاً رقيقاً.
وتنطبع شفتان حنونان على جبيني، أنا الذي لا يتذكر لثم أمٍّ، ولا ذاق طعم الشفتين، ولا حرارة زوجة أو حبيبة.
أنا في حلم أم في علم؟!
ما تجرأت أن أسألها، وما وعيت إلى الآن ما جرى.
الأسبوع الأدبي