النشأة اللغوية لابن جني
مع مقال
أسباب الخلاف اللغوي، وأسلوب البحث في تراث العالم
أفضِّلُ تعبير النشأة اللغوية على النشأة النحوية، لأنه لا يَعدُّ كتابَه الخصائص كتاباً في النحو. وينبّه القارئ أكثر من مرة إلى هذا، معتبراً الكلام في الرفع والنصب والجزم مما أُشبع بحثاً.
بعد هذه المقدمة الضافية عن الخلافات النحوية، والمشكلات التي أثارتها، تطورت الدراسات النحوية إلى مرحلة الدراسات اللغوية لأنه لابد من حل تلك المشكلات بنظرة أوسع من مجرد كونها خلافات نحوية، وبتعبير آخر: لابد من قاعدة أعمق من القاعدة النحوية للحكم على هذه الخلافات وحلِّها.
والملاحَظ أن من قاموا بهذه الخطوة هم أتباع المدرسة البصرية فزعيمها سيبويه هو من أرسى أُسسها، ولاسيما في موضوع أنواع الكلم، وموضوع بناء الجملة. ولما كان ابن جني سليل مدرسة البصرة، وكان شاعراً بأن الزمن تجاوز موضوع الخلافات الشكلية، وأن الأمر يحتاج إلى قفزة أخرى وصل إلى مرحلة الدراسات اللغوية الأعلى من النحو وتفصيلاته الصغيرة.
ومن المؤكد أن المحرك الرئيس لنشأة العلوم كلها، بما فيها النحو هو الدينُ الجديد فإن اهتمامهم بأحكامه حفز على تدوين الفقه والحديث، ثم نشأةُ العلوم المتعلقة بهما. وحملتهم عنايتُهم بالقرآن الكريم على الاهتمام بقراءاته وتفاسيره. فلم تنقض المئة الثانية للهجرة حتى كان للفقه كتبه ومذاهبه وأصوله، وللدين كُتبه وجدلُه وأصوله ومتكلموه وفِرقُه. ثم جاء النحو يتقدم رويداً رويداً. والذي تُجمع عليه المصادر أن النحو نشأ بالبصرة، وبها نما واتّسع. ثم انتقل إلى الكوفة. ومهما كان الرأي في واضع أول مؤلَّفٍ نحوي فإن الكتاب المدوَّن الأول الذي وصل إلى عصرنا هو "كتاب" سيبويه (- 180)
ويلفت الانتباه أن ظهور النحو رافق أو تبع ظهور علم الفقه. ويلفت النظر أيضاً أن مدرسة القياس في النحو العربي عاصرت مدرسة الرأي في الفقه التي شادها أبو حنيفة، مقابل مدرسة السماع أو الحديث التي يمثلها مالك بن أنس وسائر المذاهب. كان الخليل (1) كما قال ابن جني "كاشفَ قناع القياس في علمه"(2) وليس مصادفةً أن تُعاصِر مدرسة القياس في النحو مدرسة الرأي في الفقه التي رفع لواءها أبو حنيفة النعمان (- 150 ه)، فالمدرستان تكوّنتا في ظل تفتُّح العقل العربي، وما يسمى أحياناً بمدرسة العقل مقابل مدرسة النقل. وهي مدرسة تعود في الأصل إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ثم ربيعة الرأي، فالإمام أبي حنيفة. وليس غريباً أن نجد ابن جني بعد قرابة قرنين من الحقبة التي نتكلم عليها يحاول تأسيس علم لغة خاص بالعربية على غرار علم أصول الفقه، فيستعير مصطلحاته، كالاستحسان، وتخصيص العلل، وحمل الفرع على الأصل … ويحاول أيضاً مقاربة علم الكلام القريب من "المنطق". وبتعبير آخر يحاول ابن جني رفع العلل اللغوية الضعيفة إلى مرتبة العلل الكلامية المتينة، مستعيراً في الوقت نفسه مصطلحات علم أصول الفقه. ويبدو هذا واضحاً في الباب الرابع عشر من الجزء الأول من الخصائص "تخصيص العلل". الذي يشرح فيه كيفيةً صياغة قاعدة نحوية أو صرفية، شاملة مطّردة، لا يطعن فيها طاعن.
وإذا كان بعض الباحثين يميل إلى ردِّ الخلاف إلى أسباب سياسية، مثل تشيُّع أهل البصرة للزبير، وتشيع أهل الكوفة لعلي بن أبي طالب، وإلى تقريب العباسيين للكسائي زعيم مدرسة الكوفة وأحد القراء السبعة، فإننا نعلم أن الخلاف كان يدور حول أمرين خطيرين هما السماع والقياس، إلى جانب الاختلاف في المصطلحات، وفي العوامل كما سنرى، والتراث الكوفي اندثر بكامله تقريباً إلا القليل مثل قولهم لا التبرئة بدلاً من لا النافية للجنس، ولم يبق منها إلا النادر، وشيء في كتب "الخلاف" ككتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري. وكذلك من يُحتج بكلامهم، ونعلم أن هذا الموضوع كان جزءاً جوهرياً في مسألة السماع والقياس، فدار جدل طويل حول من يُحتجُّ بكلامهم: اتُّهم أهل الكوفة ِبالأخذ عن قبائل عربية كانت تعيش في تخوم الجزيرة العربية ممن خالطت العُجمةُ ألسنتهم، وكانوا أميَل إلى الترخيص في السماع. ونميل أيضاً إلى أن الاجتهاد، وهو باب شرعه على مصراعيه تفتُّحُ العقل العربي، هو مفتاح الخلاف.
تطور الخلاف واشتدت حِدّته بتأثير السياسة والعصبية والقبلية. وأصبح مادة للتسلية حيناً، ولِشحْن النفوس بالعداء حيناً. ومناظرة سيبويه والكسائي في المسألة الزنبورية(3) مأساوية حتى لَيُقال إن سيبويه مات على أثرها.
كان لابدّ من البحث عن مخرج من الهوة التي وصل إليها الخلاف ينقذ النحو وعلماء البلدين من المهاترات التي لا تخدم العلم في شيء، فظهرت مدرسة أبي علي الفارسي (4) التي حرصت على أن يكون النحو علماً كسائر العلوم بما تعنيه الكلمة من نزعة عقلية موضوعية وشمولية، بمقدار حرصها في الوقت نفسه على أن يصل المرء إلى الإيمان عن طريق العقل، فسلكت طريقين إلى هذا الهدف، وهما:
أولاً: فهْمُ اللغة العربية التي استُنبِطت منها علومها فهماً موضوعياً عميقاً من خلال مقولتين ينطلق منهما علم اللغة الحديث، وهما:
- اللغة ظاهرة اعتباطية.
- اللغة ظاهرة اجتماعية.
تعني المقولة الأولى وجود ظواهر في اللغة لا تُعلل، أبرزُها العلاقة بين اللفظة وما تحيل إليه في العالم الخارجي، أو معناها، أي بين الدالّ والمدلول، كالعلاقة بين حروف الشين والجيم والراء، وبين الشجرة، وكذا بين حروف الكاف والتاء والباء وبين الكتاب... ومنها ظاهرة العدل، أي تحريف وزن الكلمة كعدْلِ عُمَرَ ومُضَرَ وزُحَلَ من عامِرٍ وماضرٍ وذاحلٍ وبضعة أسماء أخرى لا تتجاوز الخمسة عشر (نظرياً طبعاً) دون خالِد ومالِك وعادِل، وظاهرة الاستغناء، كالاستغناء عن ماضي "دَعْ" و"ذَرَ"، دون "وجد"و "وصل"، وأقربها إلى القارئ مضارعُ فعل "رأى": "يرى" بحذف الهمزة اعتباطاً خلافاً لمضارع "نأى" مثلاً... فعلينا تقبُّل هذه المظاهر الاعتباطية دون محاولة تعليلها.
وتعني المقولة الثانية أن المجتمع هو صاحب اللغة، فعلينا تقبُّلُ ما قاله المجتمع حتى العصر الذي ابتدأ فيه العلماء دراستهم الوصفية التحليلية الشاملة للغة العربية، وهو ما يسمى اصطلاحاً بعصر الاحتجاج، باعتبار العلاقة الاعتباطية أساساً، أي دون حاجة إلى أن نتساءل: لماذا قال العرب هذا وذاك من ألفاظ وتراكيب، ونتخذ ما قالوه قاعدة، ثم تتطور اللغة عن طريق القياس مع تطور المجتمع نفسه.
ثانياً: إذا تجاوزنا الظواهر التي لا تعلَّل فإن سواها يعلَّل. ويعني التعليل الإفهام عن طريق العلاقة السببية. وعلى أساس العلة الجامعة المانعة خطا ابنُ جني الخطوة الحاسمة على طريق وضْع القاعدة اللغوية المطَّرِدة الشاملة، في محاولة منه لرفع العلل النحوية التي كانت محل استهزاء وسخرية، من مرتبة العلل الفقهية إلى مرتبة العلل الكلامية، أي المنطقية.(5)
كان ابن جني، بعد أستاذه أبي علي الفارسي، المرشح الأول لمهمة إخراج النحو من مأزقه، للأسباب التالية:
- مذهبه الاعتزالي: "والاعتزال منهج يستند إلى تحكيم العقل، وهو منهج في البحث والاستدلال العقلي والشك والقياس"(6). كانت ثقة المعتزلة كبيرة بالعقل لا يحدّها إلا احترام أوامر الشرع؛ فكلُّ مسألة من مسائلهم يعرضونها على العقل، فما قبِل أقرّوه، وما لم يقبل رفضوه"(7) وسلسلة علماء المعتزلة طويلة، في طليعتهم سيبويه، مروراً بالفراء والفارسي والزمخشري وابن يعيش...
- تتلمُذُه الطويل على أبي علي الفارسي، وأبو عليٍّ "قد خطر له من علل هذا العلم ثلثُ ما وقع لجميع أصحابنا (يعني البصريين)"(8) ولا عجب فقد أقام على هذه الطريقة (يعني طريقة القياس والعلل) مع جِلّة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة لا يعتاقه ولد، ولا يخدم به رئيساً"(9). 3 – نضوجه العلمي زمن تأليفه كتاب الخصائص، وهو الكتاب الذي ألفه في أواخر عمره بعد وفاة الأستاذ عام 377، أي بعدما بلغ ابن جني الستين، وبعد فراغه من كتب هامة له، مثل "سرّ الصناعة" و"شرح تصريف المازني".
- تفكيره الموضوعي القائم على احترام متقدميه احتراماً عميقاً دون التعبُّد لآرائهم، وما وصلوا إليه من نتائج. ويتجلى هذا الاحترام في تجنُّب أي إهانة لمتقدميه مما نلحظ لدى العلماء المتأخرين من أمثال أبي حيان النحوي (- 745 ه) الذي وصل به كُرهه للزمخشري الذي لا يفارق مؤَّلفه إلى هجائه بقصيدة. وابن هشام الأنصاري (- 762 ه) الذي يتردد كثيراً في مؤلفاته تعابير مثل: وزعم فلان، ووهم فلان... ويتجلى بمزيد من الوضوح في ما نورده من طريقة مناقشته لآرائهم. وتتجلى حريته الفكرية في مبدئه الصريح: "للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس ما لم يُلوِ بنصٍّ أو ينتهك حرمة شرعٍ... وإجماع أهل المصرين (الكوفة والبصرة) إنما يكون حجة عليك إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص. فأما إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة"(11) لأن النحو علمٌ منتزَع من استقراء هذه اللغة. فكلُّ من فُرق له عن علة صحيحة وطريق نهجة كان خليل نفسه وأبا عمرو فِكره"(12)
هذا مع وضع شروط قاسية لمخالفة المتقدمين، منها "أن يناهضه إتقاناً، ويثابته عرفاناً، ولا يخلد إلى سانحِ خاطرِه، ولا إلى نزوة من نزوات فكره... غيرَ معازٍّ به (برأيه)، ولا غاضٍّ من السلف".
شعر ابن جني، وهو العالِم المزوَّد بصفات العالم السالفة الذكر، إلى جانب صفات بديهية مثل الصبر الشديد، وعدم التعنُّت، بالحاجة إلى دراسة اللغة دراسة شاملة لاستخلاص أسرارها كما يقول الأستاذ سعيد الأفغاني. (13) ولا أدَلَّ على هذا الغرض من عنونة كتابه بــ "الخصائص"، جمع "خَصيصة"، وهي الصفة التي تميز الشيء وتحدده. (المعجم الوسيط (خصّ)، والتي ترجمها لنا أستاذنا في الجامعة المرحوم عبد الهادي هاشم، وهو من هو في اللغتين العربية والفرنسية،بــــــ les caracteristiques، وبالحاجة إلى تأسيس علم أصول النحو على غرار علم أصول الفقه، ولاسيما أنه وجد أن الرفع والنصب والجر والجزم أمرٌ فُرِغ منه في أكثر الكتب المصنفة فيه، فكتابه "الخصائص" ليس كتاباً في النحو (14). وقد بحث عمل أسلافه فلم يجد إلا عملين لم يُرضيا طموحه، أحدهما للأخفش (-215 ه) والثاني لأبي بكر السراج (- 316). والنحو في مفهوم ابن جني ليس قسيم الصرف على نحو ما يُفهَم في العصور المتأخرة وإنما هو "انتحاء سمْتِ العرب في تصرف الكلمة من إعراب وغيره، كالتثنية والجمع، والتحقير (التصغير) والتكسير، والإضافة والنسب والتركيب، وغير ذلك"(15). ونستطيع إجمال صنيع ابن جني في تأسيس أصول النحو، ودراسة خصائص اللغة في سبيل الوصول إلى النظام العام للغة عن طريق بحث القوانين العامة لها، وعن طريق طرد (تعميم) هذه القوانين من خلال القياس. ففصّل الكلام على قواعد القياس، وعلى أنواع العلل، وعلى طريقة الوصول إلى العلة الجامعة التي لا يطعن فيها طاعن لتأسيس القاعدة اللغوية الشاملة.
أما أسباب اختلاف العلماء في نظر بن جني فلابدّ من الإشارة بادئ الأمر إلى أنه لا يطعن في خُلق أحد من متقدميه ولا في علمه. ولا يشك في نزاهة أيّ منهم. ولا يردّ الخلاف إلى أسباب مزاجية أو عصبية أو سياسية. وهو يوثّق متقدميه، ويصدّق ما نقل السلف. ويبحث المشكلة بحثاً موضوعياً، منطلقاً من طبيعة اللغة العربية نفسها، وطبيعة العلل التي تتحكم في العلاقات اللغوية، والدلالات التي تحملها الألفاظ، وطبيعة البحث العلمي نفسه.
1-1: إن اللغة العربية التي اُستُخلصت منها القواعد لم تكن لغة واحدة. ويحدث أن يجتمع في كلام الفصيح لغتان فصاعداً (16)، مثل اجتماع "سقى" و"أسقى" بمعنى واحد في بيت لبيد:
سقى قومي بني مجد وأسقى نميراً والقبائلَ من هلال
و"وفى" و"أوفى" في بيت طفيل الغنوي:
أمّا ابنُ طوقٍ فقد أوفى بذمته كما وفى بقِلاص النجم حاديها(17)
ومن ذلك قولهم: "بغداد" و"بغدان". ويجوز أن تكون للقبيلة الواحدة لفظتان للمعنى الواحد، متساويتان في الاستعمال، أو أن تستعيرها من قبيلة أخرى فتلحق اللفظة الدخيلة لطول الاستعمال باللفظة الأولى. (18)
ويروي ابن جني عن الأصمعي حكاية الرجلين اللذين اختلفا في اسم الصقر؛ أهو بالسين أم بالصاد. فتراضيا بأول وارد عليهما، فحكيا له ما هما فيه، فقال: لا أقول كما قلتما، وإنما هو " الزقر". ويعقّب ابن جني قائلاً: "ألا ترى إلى كل واحد من الثلاثة كيف أفاد في هذه الحال إلى لغته لغتين أُخريين معها، وهكذا تتداخل اللغات"(19) بل يُفرِد باباً خاصاً لتراكب اللغات (20) وباباً باختلاف اللغات وكلها حجة. (21) وباباً في العربي الفصيح ينتقل لسانه (22) ويسمع لغة غيره؛ أيراعيها ويعتمدها أم يلغيها ويطرح حكمها. (23)
ولا يخفى على قارئ "الخصائص" تتابُعُ الأبواب الثلاثة الأخيرة، وأن الباب السابق لها لا يبعد عنها كثيراً، مما يؤكد إلحاح ابن جني على هذه المسألة.
ويصيب ابن جني كبد الحقيقة في معرض دفاعه عن سيبويه حين يذكر الأمثلة التي فاتته في "الكتاب" في قوله: "وإن إنساناً أحاط بأقاصي هذه اللغات المنتشرة (المتفرقة) وتحجَّر (ضيّق) (أطرافها)(24)، المترامية على سعةِ البلاد، وتعادي ألسنتها اللداد، وكثرةِ التواضع (وضع ألفاظ من اللغة) بين أهليها من حاضر وباد، حتى اغترق (25)جميع كلام الصرحاء والهُجناء، والعبيد والإماء في أطرار (أطراف) البلاد، ما بين منثور ومنظوم، ومخطوب به ومسجوع، حتى لغات الرعاة الأجلاف، والرواعي ذوات أصرار الأخلاف (26)، وعقلائهم والمدخولين، وهُذاتهم الموَسْوسين، في جدِّهم وهزلهم، وحربهم وسلمهم... فلم يُخلل من ذلك، على سعته وانبثاثه، وتناثره واختلافه، إلا بأحرف تافهة المقدار، متهافتة على البحث والاعتبار. ولعلها أو أكثرَها مأخوذة عمّن فسدت لغته، فلم تلزم عُهدته، لَجديرٌ أن يُعلم بذلك توفيقه، وأن يُخلى له إلى غايته طريقه"(27)
1-2 – ثم إن اللغة، سواء كانت تواضعاً أم إلهاماً، لم تكن في وقت واحد "فإنها لابد أن يكون وقع في أول الأمر بعضُها، ثم احتيج فيما بعد إلى الزيادة عليه، فزيد فيها شيئاً فشيئاً لحضور الداعي إليه، فزيد فيها شيئاً فشيئاً(28) وهذه الأشياء التي أضيفت على قياس ما كان وضع في الأصل مختلفاً، وإن كان كل واحد آخذاً من صحة القياس حظاً. ويجوز أيضاً أن يكون الموضوع الأول ضرباً واحداً، ثم رأى من جاء بعدُ أن يخالف قياس الأول إلى قياس ثانٍ جارٍ في الصحة مجرى الأول.
أما أهل الوبر فتناقلوا كلام آبائهم وأجدادهم، وليس كذلك أهل الحضر لأنهم يتظاهرون (يتعاونون) بينهم بأنهم قد تركوا وخالفوا كلام من ينتسب إلى اللغة العربية الفصيحة، وأخلّوا بأشياء من إعراب الكلام.(29)
1-3: ناهيك عن "كثرة هذه اللغة وسعتها، وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها" (30) و "شدة تداخلها، وتزاحم الألفاظ والأغراض على جهاتها"(31)
2-1: قد يكون للحكم الواحد علتان أو أكثرُ منهما، كرفع المبتدأ؛ فالبصريون يعتلّون لرفعه بالابتداء. والكوفيون يرفعونه إما بالجزء الثاني الذي هو مُرافِعُهم، وإما بما يعود عليه مِن ذكرِه على حسب مواقعه. (32) وكذلك رفْعُ الخبر، ورفعُ الفاعل. ويعقّب ابن جني على هذا تعقيباً عميق الدلال وصريحها: "وعلى هذا باب معظم العربية"(33)
2-2: وقد تدعو علتان مختلفتان إلى حكمين في الشيء الواحد، مثل إعمال أهل الحجاز ما النافية للحال (الحاضر)، وإهمال بني تميم لها. والسبب أن أهل الحجاز كأنهم لما رأوها داخلة على المبتدأ والخبر دخول "ليس" عليهما، ونافية للحال نفْيَها إياها، أعملوها عملها إذ اجتمع فيها الشبهان بهما. أما بنو تميم فلما رأوها حرفاً داخلاً بمعناه على الجملة المستقلة بنفسها، ومباشِرةً لكل واحد من جزأيها، أجرَوها مجرى "هل" (34)
3-1: ويُسمَع الشيءُ فيُستدلّ به من وجه على تصحيح شيء أو إفساده غيره، ويُستدلّ به من وجه آخر على شيء غيرِ الأول، مثل اتصال الضمير المنصوب بالمرفوع في نحوِ "أكرمتُه" فهذا موضع يمكن أن يُستدلّ به على شدة اتصال الفعل بفاعله، ولكنه يُفسِد استدلال من قال: إن المفعول به إنما نصبَه الفاعلُ وحده، لا الفعل وحده، ولا الفعل والفاعل جميعاً. (35)
3-2: وقد يرِد شيءٌ من اللفظ، فيجوز جوازاً صحيحاً أن يُستدل به على أمر ما، وأن يستدل به على ضده البتة، وذلك نحو: "مررتُ بزيد ورغبتُ في عمرو " فالدلالة الأولى لهذه الأفعال الموصولة بحرف الجر أن الجار معتدُّ (معدود) من جملة الفعل الواصل به لأن الباء في نحو "مررت بزيد" معاقِبة لهمزة النقل في نحو "أمررتُ زيداً" (كما تقول: خرجت بالكتاب = أخرجت الكتاب). والدلالة الثانية هي أن حرف الجر جارٍ مجرى بعض مجروره، لأنك تحكم لوضع الجار والمجرور بالنصب، فتعطف عليه بالنصب، فتقول: "مرتُ بزيد وعمراً"، ولأنه لا يُفصل بين الجار والمجرور. وهكذا اُستُخلصت من اللفظ الواحد دلالتان كلتاهما مقبولة في القياس. (36)
4 – 1: العلماء اختلفوا في الاعتلال لِما اتفقت عليه العرب، كما اختلفوا في ما اختلفت عليه العرب. وكلٌّ ذهب مذهباً وإن كان بعضه قوياً وبعضه ضعيفاً"(37)
4 -2: يستعرض ابن جني في باب "صِدقُ النقَلة، وثقة الرواة والحمَلة" (38) المشهورِين من علماء السلف مُثنياً على خُلُقهم. فعليٌّ (رضي الله عنه) بادئُ هذا العلم والمرشدُ إليه، ثم ابن عباس، ثم أبو الأسود الدُّؤَلي... وهذا أبو عمرو بن العلاء يعترف بأنه زاد في شعر العرب بيتاً واحداً:
وأنكرتني وما كان الذي نكرتْ من الحوادث إلا الشيب والصَّلَعا
فيتخلص من تبِعات هذا العلم وتحرُّجِه، ويتحوّب (يتعبّد للتكفير عن إثمه) إلى الله. وهذا الأصمعي صناجة الرواة والنقَلة حذف من اللغة الكثير لأنه لم يقوَ عنده إذا لم يسمعه. وكفاه ثقة أنه توقف عن تفسير القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يُتّهَم بالزيادة في كلام العرب. ونظيرُهما أبو زيد وأبو عبيدة وأبو حاتم والكسائي وسيبويه وأبو علي الفارسي الذي "كان من تحوُّبِه وتأنّيه وتحرُّجه كثيرَ التوقف في ما يحكيه، دائمَ الاستظهار لإيراد ما يرويه، فكان تارة يقول: أنشدتُ لجرير في ما أحسب، وأخرى: قال لي أبو بكر في ما أظن..." (39)
فما الذي أوقع الخلاف بين علماء على هذا الخُلُق والعِفّة والنزاهة؟ إنه شرفُ هذا العلم، وكرمُ هذا الأمر من جهة، والحرصُ الشديد من العلماء على هذا العلم، وتحرّيهم الصدق والدقة من جهة أخرى "ولعل أكثر من يُرمى بسقطة في رواية أو غمر في حكاية محميُّ الصدق فيها، بريء عند الله ذِكرُه من تبِعتها. ولكن أُخذت عليه إما لاعتنان شبهة عرضت له، وإما لأن ثالبه ومتعيّبه مقصِّرٌ عن مغزاه، مغضوضُ الطرْف دون مداه... فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله كريم الطرفين، جددُ السمتين لما تسابُّوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه ليطووا ثوبه على أعدلِ غروره (40) ومطاويه"(41)
4 – 3: "لا يمنع العالمَ قوةُ القوي من إجازة الوجه الآخر إذا كان ذلك الوجه من مذاهبهم وعلى سمْتِ كلامهم"(42)، ولابد آنذاك أن الوجه الذي أفتى به هو أظهرُها عنده. ومن أمثلته رأيُ سيبويه في قولهم "له مئةٌ بيضاً" "أنه حال من النكرة، وإن جاز أن يكون "بيضاً" حالاً من الضمير المعرفة في "له". وعلى ذلك حملَ قوله:
لِعَزّةَ موحشاً طلل (43)
فقال فيه: إنه حال من النكرة، ولم يحمله على الضمير في الظرف؛ أفَيحسنُ بأحد أن يدّعي على أحدِ متوسطينا أن يخفى هذا الموضع لديه، فضلاً عن المشهود له بالفضل سيبويه؟!" (44)
4- 4: وقد يُفتي العالِم بالوجه الأضعف لأنه صحيح على الحالات "ووجه الحكمة في الجمع بين اللغتين في كلام واحد أن يُروك أن جميع كلامهم وإن تفاوتت أحواله على ذِكرٍ منهم (لا ينسونه)، وثابتٌ في نفوسهم، ولِيؤنسوك بذاك، حتى إذا رأيتهم وقد جمعوا في عقدٍ واحد بين ما يقوى ويضعف كنتَ إذا أفردتَ الضعيف منهما بنفسه، ولم تضمّه إلى القوي، فيتبينُ به ضعفه وتقصيره عنه، آنسَ به وأقلَّ احتشاماً لاستعماله"(45) وقد رأى العلماء في مثلِ هذا "سعةً في التفسُّح، وإرخاءً للتنفُّس، وشُحّاً (حرصاً) على ما تجشّموه، فتواضعوه أن يتكارهوه فيُلغوه ويطرحوه. ونظيرُ هذا الإنسانُ يكون له ابنان أو أكثرُ فلا يمنعه من ذلك نجابة النجيب منهما الاعترافَ بأدوَنِهما، وجمْعَه بينهما في المقام الواحد إذا احتاج إلى ذلك"(46)
ويُظهِر هذا التفسيرُ الحرصَ الشديد من ابن جني على ألفاظ هذه اللغة وأوجُهِ استعمالها كما يحرص الأب على أبنائه. ومثّل له بأكثر من مثال، منها قول الفرزدق:
كلاهما حين جدَّ الجرْيُ بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابِ
"فقوله: كلاهما قد أقلعا (بتثنية الفعل) ضعيف لأنه حمْلٌ على المعنى، وقوله: وكلا أنفيهما رابٍ (بإفراد راب) قوي لأنه حملٌ على اللفظ (47). وجعل منه ابنُ جني قوله تعالى ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾(48) فحملَ أول الآية على اللفظ، وآخِرَها على المعنى، والحمل على اللفظ أقوى.(49) وقرأ عمارةُ ﴿ولا الليلُ سابقُ النهارَ﴾ (50) فقال أبو العباس: ما أردت؟ فقال: أردتُ سابقٌ النهارَ. فقال: فهلا قلته، فقال عمارة: لو قلتُه لكان أوزنَ"(51)
كيف نناقش مواقف العلماء ونختار من بين آرائهم وعِلَلِهم؟
- يجب اختيار الرأي الأقوى ورفْضُ الرأي الأضعف، فمنها، أي من "تقاوُدُ السماع وتقارُعُ الانتزاع" (52) أن يكثر الشيءُ فيُسأل عن علته، كرفْع الفاعل ونصب المفعول، فيذهب قومٌ إلى شيء ويذهب آخرون إلى غيره، فقد وجب إذن تأمُّل القولين واعتماد أقواهما ورفْضُ صاحبه"(53)
- فإن تساويا في القوة لم يُنكَر اعتقادهما جميعاً، فقد يكون الحكم الواحد معلولاً بعلتين"(54) وأفرد له ابن جني الباب التاسع عشر من الخصائص.
- قد يرِد عن العالِم الواحد رأيان متضادان، وهنا أكثرُ من احتمال:
- إذا كان أحد القولين مرسلاً والثاني معللاً أُخِذ المعلل، وتُؤُوِّل المرسل. ومثاله قول سيبويه في التاء من "بنت" و"أخت" إنها للتأنيث. (55)، وقولُه مع ذلك في باب "ما ينصرف وما لا ينصرف": "إنها ليست للتأنيث"(56). والقول الأول مرسل، والثاني معلل من سيبويه بأن ما قبلها ساكن، وتاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها ساكناً إلا أن يكون ألفاً كـــ "قناة" و "فتاة ". فيرى ابن جني ألا يُحمل القولان على التضادّ، بل يُحمل قوله "إنها للتأنيث" على المجاز. "ووجهُ الجمع بين القولين أن هذه التاء وإن لم تكن عنده للتأنيث فإنها لما لم توجد في الكلمة إلا في حال التأنيث استجاز أن يقول فيها إنها للتأنيث؛ ألا ترى أنك إذا ذكّرتَ قلتَ: "ابن"، فزالت التاء كما تزول التاء من قولك "ابنة". فلما ساوقتْ تاءُ "بنت" تاءَ "ابنة"، وكانت تاء "ابنة" للتأنيث، قال في تاء "بنت" ما قال في تاء "ابنة". وهذا من أقرب ما يُتسمَّح به في هذه الصناعة"(57)
- أن يكون القولان غير معلَّلَين، فيُنظر حينذاك إلى الأليق بالمذهب، والأجْرى على قوانينه، فيُجعل هو المراد المعتزم منهما، ويُتأوَّل الآخرُ إن أمكن. والمثال أيضاً من الكتاب: "كقوله، أي قول سيبويه: حتى الناصبة للفعل (58). وقد تكرر من قوله إنها حرف من حروف الجر. وهذا نافٍ لكونها ناصبة له من حيث كانت عوامل الأسماء لا تباشر الأفعال فضلاً عن أن تعمل فيها. وقد استقر من قوله في غير مكان ذكرُ عدة الحروف الناصبة للفعل وليس فيها "حتى"، فعُلِم بذلك، وبنصِّه (59) عليه في غير هذا الموضع، أنّ "أنْ" مضمرةٌ عنده بعد حتى. فالمذهب إذن هذا هو. ووجه القول في الجمع بين القولين بالتأويل بأن الفعل لما انتصب بعد حتى، ولم تظهر هناك "أنْ" وصارت "حتى" عوضاً عنها ونائبة عنها، نُسِب النصبُ إلى "حتى" وإن كان في الحقيقة " أن" (60)
ودعم ابن جني موقفه بمثال معنوي هو قوله تعالى ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ (61)، فظاهرُ هذا تنافٍ بين الحالتين. ووجهُ الجمع بينهما أنه لمّا كان اللهُ أقدرَه على الرمي، ومكّنه منه، وسدّد له، وأمر به فأطاعه في فِعْله، نسب الرمي إلى الله وإن كان مكتسَباً للنبي صلى الله عليه وسلم، مشاهَداً منه"(62)
- "أن يرد اللفظان عن العالِم متضادين، غير أنه نصّ في أحدهما على الرجوع عن القول الآخر، فعُلِم بذلك أن رأيه مستقرّ على ما أثبته ولم ينفه، وأن القول الأول مُطَّرَح من رأيه"(63)
ويميز في هذه الحالة حالتين فرعيتين:
- "إن تعارض القولان مرسَلَين، غيرَ مُبانٍ أحدُهما من صاحبه بقاطع يُحكَم به عليه، بُحث عن تاريخهما، فعُلِم أن الثاني هو ما اعتزمه، وأن قوله به انصرافٌ منه عن القول الأول إذا لم يوجد في أحدهما ما يُجاز به عن صاحبه"(64)
- "فإن استبهم الأمر فلم يعرَف التاريخ وجب سبْرُ المذهبين، وإنعام الفحص عن حال القولين. فإن كان أحدهما أقوى من صاحبه وجب إحسان الظن بذلك العالِم، وأن يُنسَب إليه أن الأقوى منهما هو قولُه الثاني، وأن الأضعف منهما هو الأول الذي تركه إلى الثاني. فإن تساوى القولان في القوة وجب أن يُعتقد فيهما أنهما رأيان له. فإن الدواعي إلى تساويهما فيهما عند الباحث عنهما هي الدواعي التي دعت القائل بهما إلى أن اعتقد كلاً منهما. وعليه طريق الشافعي في قوله بالقولين فصاعداً. وقد كان أبو الحسن ركّاباً لهذا الثبج(65)، آخذاً به، غيرَ محتشِم منه، وأكثرُ كلامه في عامّة كُتُبه عليه... ومن الشائع في الرجوع عنه من المذاهب ما كان أبو العباس (المبرد صاحب كتاب "المقتضَب") تتبّعَ به كلام سيبويه وسمّاه "مسائل الغلط". فحدّثني أبو علي عن أبي بكر أن أبا العباس كان يعتذر منه (من هذا الموقف)، ويقول: هذا شيء كنا رأيناه أيام الحداثة، أما الآن فلا. وحدّثَنا أبو علي فقال: كان أبو يوسف (66) إذا أفتى بشيء أو أمَلّ شيئاً فقيل له: قد قلتَ في موضع كذا غيرَ هذا يقول: هذا يعرفه من يعرفه، أي إذا أنعم النظر في القولين وجدهما مذهباً واحداً" (67)
ومن أمثلة الآراء المتضادة من العالم نفسه ما كان يراه أبو علي في " هيهات" أنها اسم فعلٍ تارة، وأنها ظرفٌ تارة أخرى، على قدْر ما يحضره في الحال. وفي الفاصل بين أما وجوابها أنها جملة شرط تارة، واسم مفرد تارة. و"هذا ونحوُه من خِلاج الخاطر وتعادي المناظر دعا أقواماً إلى أن قالوا بـــ "تكافؤ الأدلّة"(68). وهذا كما هو واضح يعود بنا إلى الدلالات المختلفة للفظة الواحدة. وهو ما تقدَّم في الفقرة الثالثة من أسباب اختلاف العلماء.
وسبب تغيُّر الخاطر في رأي أبي علي أنه من عند الله، ولكنه لا يأتي أياً كان، فلابد من أن يكون الإنسان مؤهلاً علمياً؛ يقول أبو علي: "إلا أنه لابد من تقديم النظر؛ ألا ترى أن حامداً البقّال لا يخطر له"(69)
وينبّه ابنُ جني في هذه المناسبة إلى ضرورة تسجيل الخاطر، وعدم الاعتماد على الحافظة. ويروي أنه رأى في حداثته معنى يجمع بين آية كريمة وبيت من الشعر ولم يُثبِت رأيه كتابة. ثم إنه بعد مُضيّ سنين كدّ ذهنه ليذكر وجه الجمع الذي ارتآه في ما مضى، فلم تسعفه ذاكرته.(70)
وختاماً للبحث نقول: إذا كنا أفضْنا بعض الإفاضة في السبب الأخير من أسباب اختلافات العلماء، وهو طبيعة البحث العلمي، وما بُنيَ عليه من منهج في مواقفهم والاختيار بين آرائهم، فعُذرُنا أن السبب الأول وهو طبيعة اللغة العربية، أَعقدُ من أن يحيط به باحثٌ، بَلْهَ أن يبُتَّ فيه. أما السبب الثاني وهو طبيعة العلل التي تتحكم في العلاقات اللغوية، فقد أشبعه ابن جني بحثاً في الخصائص، فشرح أنواع العلة من موجِبة، ومجوِّزة، واحتياطية. وسعى كما سبق في المقدمة إلى التخلص من تخصيص العلل للوصول إلى العلة الجازمة. أما السبب الثالث، وهو ما يتعلق بالدلالات، فيُنظَر إليه في رأينا على ضوء النظام العام للغة الذي هو محور الجهد الرئيس في "الخصائص"، والذي يجب أن يكون الضابط لاجتهاد المجتهدين في هذه اللغة.
الحواشي
1- انظر الخصائص 1 / 67 و77.
(2) الخصائص 1 / 361. والخليل بن أحمد الفراهيدي (100 – 170 هـ)، أحد النحاة النوادر من أصل عربي، ولد ومات بالبصرة، فإليه يُنسب المذهب البصري في النحو إلى جانب سيبويه. وهو واضعُ علم العروض، وصاحب معجم العين المشهور بأنه أول معجم للغة العربية، ولكن ليس له مؤلَّف نحوي، بل يردد سيبويه اسمه كثيراً في كتابه.
3-خلاصتها أن يحيى بن خالد البرمكي جمع في مجلسه سيبويه والكسائي. فسأل الكسائيُّ سيبويه: كيف تقول: " قد كنت أظنّ العقرب أشدَّ لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أم فإذا هو إياها " فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب. فقال له الكسائي: لحنتَ. فاحتُكِم إلى فصحاء العرب الذين كانوا بالباب، فأيّدوا الكسائي. ولا خلاف في أن الحق إلى جانب سيبويه. وتؤيده شواهد كثيرة من القرآن الكريم، مثل ﴿ فإذا هي بيضاءُ ﴾ (الأعراف 7 / 107) و﴿ فإذا هي حيةٌ تسعى ﴾ (طه 20 / 20) و﴿ فإذا هي شاخصةٌ ﴾ (الأنبياء 21 / 97). وانظر " مجالس " ثعلب، وأمالي ابن الشجري 1 / 229. والإنصاف في مسائل الخلاف 702، وفي أصول النحو 180.56- انظر باب تخصيص العلل في الجزء الأول من الخصائص.
4 – أبو علي الفارسي: الحسن بن أحمد بن عبد الفغار، ولد عام 288 في فسا من أعمال فارس، ودخل بغداد عام 307، وحلب عام 341، وصاحَبَ سيف الدولة فيها. ثم بغداد حتى توفي فيها عام 377. من مؤلفاته الكثيرة: الحجة في علل القراءات السبع، وتعاليق سيبويه والتذكرة في علوم العربية.
5 – انظر باب تخصيص العلل ص 100 من الجزء الأول.
6- في أصول النحو 104 نقلاً عن مقالة لأحمد أمين في مجلة مجمع اللغة العربية، دورة عام 1949.
7-أحمد أبو زهرة: المذاهب الإسلامية 215.
8-الخصائص 1/ 208.
9- م. س 1/ 277.
10- انظر مثلاً الخصائص 1/ 231 و378.
11- م. س 1 / 189.
12- م.س 1/ 190.
13- في أصول النحو 91.
14- الخصائص 1 / 77
15 – الخصائص 1 / 304
16 – انظر الباب 51 في الجزء الأول من الخصائص.
17 – اللسان (وفي)
18 – الخصائص 1 /372
19- م.س 1 / 374
20 -هو الباب الثاني والخمسون من الخصائص.
21 – هو الباب السادس والخمسون من الخصائص.
22 – هو الباب الساب والخمسون من الخصائص.
23 – هو الباب الثامن والخمسون من الخصائص.
24 – أي: أطرافها وحواشيها. الواحد " ذَرْو" أقرب الموارد (ذرو)
25 – استوعب.
26 - الأخلاف جمع خِلف، وهو للحيوان كالثدي للإنسان، والصِّرار خيط يُشد فوق الضرع لئلا يرضعه الولد. المعجم الوسيط (صرر).
27 – الخصائص 3 / 186
28 – م. س 2 / 28
29 – م. س 2 / 28
30 – م. س 1 / 215
31 – م. س 1 / 183
32 – م. س 1 / 166، والإنصاف في مسائل الخلاف 44
33- الخصائص 1 / 101
34 – م، س 1 / 167
35 - القائل عن ناصب المفعول به هو الفاعل وحده هو هشام بن معاوية الضرير. والقائلون بأن ناصبه هو الفعل والفاعل معاً هم الكوفيون. وانظر المسألة مفصَّلة في الإنصاف في مسائل الخلاف 78 – 79، وشرح الرضي على الكافية 1 / 21. وانظر الخصائص 1 / 100.
36 – الخصائص 1 / 106
37 – م. س 1/ 168
38 – هو الباب التاسع والخمسون بعد المائة 3/ 309
39 – الخصائص 3 / 312
40 – جمع غَرّ، وغرور الثوب مكاسره.
41 – الخصائص 3 / 312
42 – م. س 2 / 492
43 – تمامه: يلوح كأنه خلل، وهو لكثير عَزّة، ويروى: لميّة... فيُنسب إلى ذي الرِّمّة. وانظر كتاب سيبويه طبعة بولاق 1 / 76.
44 – الخصائص 2 / 492
45 – م. س 3 / 317
46 – م. س 3 / 318 – 319
47 – م. س 3 / 314. والبيت في هجاء جرير لما زوّج ابنته لابن أخي امرأته، ثم طلّقها. أي افترقا حين وقعت الأُلفة بينهما، ووقف قبل الوصول إلى الغاية. انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 4 / 260. وقال الدكتور عبد الرحمن في "المنطق الصوري والرياضي" ص 55 – 60: "من الواجب مراعاة المعنى؛ فإن استُعملا _ أي كلا وكلتا – بمعنى جمعي جاء الفعل بعدهما في حالة التثنية بالضرورة، وإن استُعملا بشكل استغراقي وجب أن يأتي الفعل بعدهما في حالة الإفراد".
48 – البقرة 2 / 112
49 – الخصائص 2 / 314
50 – يس 36 / 40
51 – الخصائص 3 / 318. وانظر 1 / 125
52 – تقاوُد السماع اطِّرادُه وعدم اختلافه، كرفع الفاعل اتفق السماع فيه. وتقارُع الانتزاع اختلاف الاستنباط. انظر الباب التاسع من الخصائص، وحاشية المحقق رقم 6 ص 100.
53 – الخصائص 1 / 100
54 – م. س 1 / 101
55 – الكتاب بولاق 2 / 82 و 2 / 348
56 – م. س 2 / 13
57 – الخصائص 1 / 200
58 – الكتاب 1 / 413: "اعلمْ أن حتة تنصب على وجهين..."
59 - انظر الكتاب 1 / 407
60 – الخصائص 1 / 204
61 – الأنفال 8 / 17
62 – الخصائص 1 / 204
63 – م. س 1 / 205
64 – م. س 1 / 205
65 – الثَّبَج: ما بين الكاهل إلى الظهر، وثَبَجُ الشيء أعلاه، ومُعظمه، ووسطه. أقرب الموارد (ثبج)
66 – هو القاضي يعقوب بن إبراهيم (- 182 ه) حافظ محدِّث فقيه. لازم أبا حنيفة، ووليَ قضاء بغداد (المعارف لابن قتيبة ص499
67 – الخصائص 1 / 205 – 206
68 – م. س 1 / 206. وتكافؤ الأدلة تساويها. فلا يُنصر مذهبٌ على مذهب. ودلالة كل مقالة من القائلين بها مكافئةٌ لدلالة سائر المقالات.
69 – الخصائص 1 / 207
70 – انظر الخصائص 1 / 207.