

ملاحم النارت، أساطير شعب مظلوم
منشورة في مجلة التراث الشعبي. وزارة الثقافة السورية. العدد 4-5 / 2016
لنتفقْ أولاً مع معجم micro robert على أن الملحمة popéeé "قصيدة طويلة أو حكاية ذات أسلوب رفيع تمتزج فيهما الخرافة بالتاريخ لإشهار بطل أو حدث عظيم" (1)، يؤيده قول منسوب إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم "أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة", وأن الأسطورة mythe "حكاية خرافية ذات منشأ شعبي غالباً، تُظهر كائنات تُجسِّد في صيغةٍ رمزية قوى الطبيعة ومظاهر الوجود الإنساني" (1) وأن الميتولوجيا mythologie تعني "مجموعة الأساطير والخرافات الخاصة بشعب أو بحضارة أو بدين، كالميتولوجيا الهندية أواليونانية، أو هو علم الأساطير" (1).
ولْنتفق أيضاً على أن التراث العربي، رغم ورود كلمة الأساطير في القرآن الكريم تسع مرات، مضافة دائماً إلى "الأولين" ﴿أساطير الأولين﴾ (2)، ومحصورة أربع مرات بأداة النفي "إنْ" ﴿إن هي إلا أساطير الأولين﴾ (3)، ومرة واحدة بأداة النفي "ما" ﴿ما هذا إلا أساطير الأولين﴾ (4)، ودائماً في معرض تكذيب الأقوال، خالٍ منها بغضِّ النظر عن إدراج بعضهم حكايات الجن والسعالي وما شابهها في هذا الباب، فليس في الأدب العربي قديمه وحديثه ما يشبه الأوديسة أوالإلياذة اليونانيتين إلا ما صاغه الخيال الشعبي من سِيَر بطولات في عصور الضعف العربي كسيرةِ عنترةَ والظاهر بيبرس، خلافاً للملاحم التي أُلِّفت في عصور قوة شعوبها.
وقد تشي بعض الشخصيات والآلهة بمراحل مبهمة من التاريخ البشري كحكاية المرأة ستناي التي يقارنونها بالأم الإلهة الكبرى، وكانت رمزاً إلى عصر الأمومة، أو المشاعية البدائية، والتي تراجعت أهميتها دلالةً على ابتداء عصرِ الذكورة، عصرِ سيادة الرجل. وكذلك ما يمكن أن يُفهَم من الصراع بين إله المواشي "أهين" وإله الزراعة "أميش"، وهو الانتقال من المرحلة الرعوية إلى مرحلة الزراعة في تاريخ البشرية، والحداد "لبش" الذي يقرَن ظهورُه باكتشاف الحديد، تزامناً مع إلهِ الحديد الإغريقي هيفايستوس Héphaistos وداودَ النبيِّ لدى المسلمين والملكِ لدى اليهود، علماً بأن الملك عندهم أعلى مقاماً من النبي. ولكن المُجمَع عليه هو أن هذه الأساطير، وإن جرى تدوينها في عصور متأخرة، كالإلياذة التي هي أول تدوين للإغريق عام 1000 ق.م (5)، قد نشأت في زمنٍ موغل في القدم، زمنِ ما قبل التاريخ المتعارف بأنه ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، رافقت الإنسان القديم، وتكاملت وتعددت، مؤرخةً رقيَّه صعوداً في سلم الحضارة، مسجلةً تجاربه وأفكاره ومعتقداته. واستمرت هكذا على ما يبدو، حتى ظهور الديانات السماوية التي حدّت من تطورها، واستوعبتها، وقد تكون ألغت الكثير منها باعتبارها رموزاً وثنية. ومن علامات إيغالها في القِدم ما يرويه أحدهم في "ملاحم النارت" حقبٌ كثيرة مرت منذ ذلك الوقت، ونجوم كثيرة هوت، وأنهار كثيرة جفّت. كان الناس يعيشون في الغابات في ذلك الحين... " (6)
وبغضِّ النظر عن حكاية حصار طروادة التي يقول جان –بيير فيرنان عنها إنها تاريخية (7)، واستثناءات قليلة أخرى محتملة، تنتمي أساطير كل الشعوب إلى حقبة ما قبل التاريخ الحقيقي. وقد تكون تأسيساً لهذه الشعوب. ولذا يُعَنْوِنُ الباحث الفرنسي فرنان كتاباً له عن الأسطورة الإغريقية بعنوان "الكون والآلهة والناس: حكايات التأسيس الإغريقية" (8). ولذا أظن من العبث البحث عن تاريخ محدد لظهورها؛ حتى إن جيل أمي وجدتي كان يكتفي وهو يمهد للاستشهاد بشيء منها بعبارة "قال الناس القدماء".
وفي التاريخ أن الإنسان استوطن القوس الممتد من حوضي دجلة والفرات وحوض النيل إلى أعالي هضبة الأناضول، وسواحل البحر الأسود. نزولاً إلى اليمن، فكان هذا القوس هو القلب النابض للبشرية القديمة. وعلى قمة هذا القوس تعيش شعوب شمال القوقاز التي يطلق عليها من الخارج " الشركس " أو" الشراكسة "، وهي تسمية فضفاضة تجمع أحياناً شعوباً لا قرابة بينها إلا قرابة الجوار، في حين يسمي القسم الأعظم منهم أنفسهم " الأديغة ". وهم عدة قبائل تتحدث لغة واحدة بلهجات متباعدة قليلاً أو كثيراً، تشترك في أنها تعيش حول جبل يسمى في الخرائط "جبل ألبروز" ويسميه أصحابه "أوشحه مافه" أي "الجبل المبارك"، يتوسط سلسلة جبال القفقاس الممتدة من بحر قزوين شرقاً إلى البحر الأسود غرباً على مسافة 1125 كم. يرتفع ألبروز 5642 متراً، فهو أعلى الجبال الأوربية إن اعتُبر الجبل أوربياً، وعاشِرُ جبال العالم. وتقسم السلسلة إقليمَ القوقاز أفقياً إلى قسمين متمايزين في كل شيء: في الأصول العرقية، واللغة، بل الدين. وهو ما يقابل جبل الأولمب اليوناني في أنه يضم مجمع الآلهة "البانتيون" panthéon الخاص بآلهة القفقاس، المؤلَّف من إله الحياة "بساتحه" (بسه: روح، تحه: إله)، وهو رئيس مجلس الآلهة؛ ومن إله المواشي "أهين" أو "أخين" لعدم وجود مقابل للحرف الثاني في العربية؛ و"أميش" إله الزراعة. وهذان الإلهان في صراعٍ دائم، وهو الصراع الأزلي بين الفلاحين ومربّي المواشي، والمستمر إلى يومنا. و"أوجيدج" إله الحجر الذي له تقديسٌ خاص عند القفقاسيين إذ يعتقدون أن له روحاً لكونه رحِماً لــــ " سوسروقه " كما سيأتي. و"لبش" إله الحدادة، وغيرهم من الآلهة. وكان مجلس الآلهة ينعقد مرةً في العام على قمة جبل ألبروز، ويدعى إليه من حقَّقَ بطولاتٍ خارقةً من البشر رفعتْهُ إلى مصاف الآلهة. وإليه يُقيَّد " نَسْرَن جاكه" (نسرن الملتحي) الذي يقابله سيزيف الإغريقي. (9)
وكان قدَرُ هذه الشعوب أن تظل طوال التاريخ عرضة لغزوات متتالية بسبب تفككها السياسي وموقعها الجغرافي وأطماع الجيران الأقوياء الموحَّدين إثنياً إن لم يكن سياسياً من روس وتتر وأتراك. ونتيجة هذه الأوضاع القبلية ومجاورة القوى العاتية، لم تتمكن من تأسيس " دولة "،لا بالمعنى العربي أو الإسلامي (دول السلالات الحاكمة غير الثابتة، من غساسنة ومناذرة، وأمويين وعباسيين مثلاً، ولا الحديث (الدول ذات الحدود الجغرافية الثابتة انطلاقاً من كلمةétat وما يماثلها في الإنكليزية (state باستثناء الدولة الحاثية أو الحيثية على اختلاف الآراء في أصل هاتين التسميتين (10). ومهما يكن الرأي الصواب فإن عاصمة إحداهما "حاتوشاش" لا تزال تعني بشركسية اليوم "إسطبلُ خيلِ حاتو، أي الحثييين" (11)، كما أن بعض الأسر الشركسية في سورية وغيرها ما تزال تحمل اسم " الحات " أو حرفياً " ابن الحات " على دارج العادة في نسبة الأسر إلى آبائها. ولكن لم تستطع هذه القبائل ـــ الشعوب إيجاد أبجدية خاصة بها بعد الكتابة الحيثية، أو اعتماد أبجدية موحدة، فظلت مترددة بين الأبجدية العربية واللاتينية، حتى استقرت في بدايات القرن العشرين، ولأسباب سياسية، على الأبجدية السيريلية، بل لم تتفق على لغة موحدة كالعربية الفصحى، فكان نصيب تراثها الأدبي، بما فيه الأساطير، أن ظل على شفاه الرواة والحكواتية. فما يزال اسم محصول القمح أو حقله " مَشه "هو اسم إله الزراعة " أميش ". ويذكر أبناء جيلي أن اسم الإله "أَهين" إله المواشي كان على لسان أبناء جيل والديّ ومن سبقه، فيحلفون باسمه "أهين لأعاقبنَّك!" و"أهين أنت خرجت عن حدودك!" دون أن يعرفوا أو نعرف من هو" أهين " هذا. وأذكر أيضاً أنهم كانوا يرددون معلومة تقول إن النارتيين اعتادوا أن يرموا مسنِّيهم وهم أحياء في وادي الموت، وهو تقليد ليس بعيداً عن الممارسات القبلية القديمة، ولاسيما في مواسم الجفاف، حرصاً على حياة الأجيال الشابة المنتجة، فيروون بالمناسبة حكاية الابن الذي تعثَّر بحجر فيما يجر والده إلى الوادي، فضحك الوالد لأنه كان قد تعثَّر هو ذاته بالحجر نفسه وهو يجر والده. ويرددون في بعض المناسبات المثل الدارج "وكان للنارتيين يوم!" إشارة إلى مغامرة أو مجازفة ما. وفي جمهورية القبرتاي الاتحادية الروسية مدينة تحمل اسم نارت "نارت قاله".وتحمل الجمعيات الشركسية على أنواعها تسمية "خاسه" التي هي مجلس أو مجالس النارتيين الأسطوريين.
ملاحم نارت الشركسية إذن هي سلسلة من الحكايات تعود أصولها إلى منطقة القفقاس / القوقاز الشمالي، تضم الأساطير الأساسية للمجموعات البشرية التي تسكن المنطقة. بعضها مجرد حكايات ساذجة، أو فقدت مع الأيام عمقها، ولكن لبعضها الآخر قيمة أسطورية باعتبارها إبداعاً موغلاً في القِدم. وكان الألماني يوليوس فون كلابروث من أوائل من بحثوا أو تعرّضوا لبعض شخصيات من الملاحم تنتمي إلى جمهورية أوسيتيا الاتحادية الروسية (يسمَّون في سورية والأردن: القوشحة) وهذا يدل على انتشار هذه الأساطير بين الشعوب القفقاسية أو امتدادها إليها. وزار باحث ألماني آخر هو كوخ بلاد أوسيتيا. ويُصرّ الباحث الفرنسي دوموزيل على أن يعزو الملاحم إلى الشعب الأوسيتي رغم أن أسماء أبطال الملاحم لا معنى لها باللغة الأوسيتية، ورغم اصطدامه بالأساطير نفسها حين درس لغة شعب " الوبيخ " أحد الشعوب الشركسية، والذي انقرض تماماً نتيجة الحروب المدمرة. (12)
وظهرت أولى المواد المدونة بأيدي الشراكسة أنفسهم، ومن باحثين قفقاسيين أصليين، باللغة الروسية على يد الكاتب الشركسي نغومه شوره ما بين عامي 1835 و1843 ونشرت عام 1861 بعد وفاته، وظهرت ترجمتها الألمانية عام 1866، والعربية نحو عام 1980. ونشر خان جري، الأمير الشركسي والضابط في الجيش الروسي، ثم موفد القيصر إلى الشراكسة، في الصحيفة الروسية" روسيكي فيستينك " نصوصاً من الملاحم استقاها من منطقة كاباردينيا، وهي جمهورية القبرتاي المعروفة في الأرض الأم وفي المهاجر عام 1841 (13)، تلتها حلقات أخرى بعد خمس سنوات في مجلة "سبورنيك غازيت قفقاس". وبتجاوُز الكثير من الدراسات الجزئية نصل إلى المجموعة التي أصدرها الباحث الشركسي البارز "حداغاله أسكر" بين عامي 1968 و1971، والتي هي أكبر مؤلف موسوعي ضم نصوص الملاحم.(14)
وتدور الأسطورةُ القفقاسية كغيرها من الأساطير ضمن الكون بعوالمه الثلاثة: العالم العلوي أو السماء، العالم الأرضي، العالم السفلي أو الجحيم. السماءُ مقرٌّ للآلهةُ والأبطال الخالدين والخير والمثل العليا، والجحيمُ تقيم فيه الشياطين أو العمالقة الأشرار، والمصائب. أما أرض البشر فهي منطقةُ صراعٍ متوسطةٌ بين هذين العالمين؛ كلاهما يريد التدخل فيها والسيطرة عليها، ولذلك تتباين أفعالُ البشر حسب هذه التدخلات؛ فالخير يأتي من إلهامٍ سماوي، والشر يأتي من وسواسٍ تحت الأرض. ونلحظ آثار هذه الفكرة حتى في الفلسفة اليونانية التي كانت تأبى أن تنسب الشر إلى الله فتتهم به آلهة ثانوية شريرة، أو تتهم به الخطيئةَ الأصلية للإنسان التي أخرجته من الجنة (15)، وانتقلت الفكرة إلى المعتزلة الذين رفضوا أن يعزوا الشرور إلى الله "العدل". وهذه العوالم الثلاثة مفتوح بعضها على بعض دون حواجز، فالخيرُ والبطولة يرفعان الإنسان إلى درجة الآلهة، والشر والهزيمة يهبطان به إلى تحت الأرض.
وفي المحصلة فإن نصوص النارت كمٌّ كبير من الأساطير والملاحم تروى بشكل أناشيد وأغان وقصائد وابتهالات ونصوص نثرية وملاحم شعرية في خيال أسطوري جامح يصور شخصيات بشرية وآلهة وأبطالاً وعمالقة وأقزاماً ووحوشاً خرافية وحيوانات هامة في تاريخ الجنس البشري وفي الحروب، مثل الحصان الذي يحدث صاحبه.
وهي تمثل الذاكرة الجماعية للشركس، التي سجلوا فيها تراكم تجاربهم الفكرية، وعاداتهم وطقوسهم وحكمتهم، خلال زمن موغل في القدم؛ ولذلك تحتوي على ميزاتهم وخصائصهم النفسية والأخلاقية والفكرية والتاريخية بشكل عام. (16)
...
غير أن هذه النصوص تحتاج إلى دراسة شبيهة بما فعله جان ــــ بيير فرنان، أي إعادة تصنيفها لاستخلاص العبرة منها، لا أن تبقى مجرد منصوص غير مترابطة، بل يجب العمل على استنتاج مغزاها وهو تفسيرها لنشأة الكون أو تأسيسه، والعلاقة بين الكون والآلهة والناس لأن الأديان السماوية انطلقت من مبدأ الخلق من فوق، من الإله الخالق للبشر وغيرهم، وفسرت الخلق ببساطة مطلقة، كما في سفر التكوين: في اليوم الأول حدث كذا وكذا، وفي اليوم الثاني حدث كذا وكذا... وفي اليوم السابع استراح. أما في الأسطورة فالأمر أعقد بكثير. وتطورت البشرية تطوراً دراماتيكياً، واحتاج تفسير النشأة إلى خيال خصب. بل إن البشر هم الذين خلقوا آلهتهم (17). ولابد أن الآلهة تصارعت طويلاً فيما بينها، وتصارعت مع أنصاف الآلهة. ومن جهة أخرى تحتاج إلى استخلاص أجوبة على المسائل الكونية الكبرى.
...
تتمحور أساطير النارت حول عدد من الشخصيات الرئيسة في طليعتها نارت الذي يُقطَّع في اللغة الشركسية، وهي بالمناسبة لغة مقطعية، إلى: نه: أمّ. ت: عطاء. والراء بينهما شبيهة بالاسم الموصول، أو على نحو أدقّ بـــــ (ال) الموصولة في العربية: "الذي هو عطاء الأم" وباختصار: عطاء الأم. ويدعم هذا الرأيَ الدورُ الذي لعبته الأم الإلهة الكبرى في عصر الأسرة الأمومية، كما يفسر لنا الاحترام الشديد للمرأة في المجتمعات الشركسية. ويمكن أن يُفسَّر اسم "نارت" بأنه "الذي يضحي بعينيه" أو" يهدي عينيه "(18). ومن الصعب ترجيح رأي على آخر لأن النون المفتوحة نصفَ فتحةٍ تعني الأم، في حين أن النون المفتوحة فتحة كاملة تعني العَين، ومنها تأتي كلمة عين الماء العربية " بْسه نه " أي عين الماء.
وأهم الشخصيات في الملاحم هي ستناي والراعي وسوسرقوه ولبش: ستناي هي الأم وإلهة الخصوبة. وقد راجع الأستاذ قوموق إحدى وثلاثين رواية عنها وعن ولادتها لابنها سوسروقه تُجمع كلها على أمومتها له وإن كانت الأمومة بطرق مختلفة: ولادة طبيعية فيزيولوجية، أو بالتبني، أو القذف في الرحم دون مجامعة (19). ويعني الاسم الذي لا يزال شائعاً بين نساء الشراكسة إلى يومنا مانحة السيف أو السكين. وبافتراض باءٍ قبل السين:"مانحة الروح". يدفع التفسيرُ الأول إلى جعلِها مانحة السلاح والقوة لشعبها، والثاني إلى جعلها مانحة الحياة. فهي بذلك تشبه آلهات الخصوبة في الحضارات القديمة، وهي تشبه إنانا السومرية، وعشتار البابلية، وإيزيس المصرية، وأرتميس اليونانية، وإيرينا الحاثية وغيرهن.
وفي رأي ثالث قد يكون متأثراً بروح دينية أخلاقية متأخرة: عطاء الشيطان؛ فالصفة المشتقة في الفرنسية من"ساتان" satané تعني الملعون أو نقيض المقدس (20) لأنها كانت تغوي الرجال. وفي كل الأحوال هي أم القفقاسيين جميعاً، وهي المرأة المثال التي تجمعُ الجمالَ الساحر إلى الذكاء الحاد. كانت ذات شبابٍ وجمالٍ دائمين، إذ كان عندها شجرةُ تفاحٍ تُغِلّ ثماراً تضمن لآكِلِها استمرارَ الشباب والجمال، إلى أن قام أحدُ العمالقة بسرقة هذه الشجرة المقدسة، فخسرتْ بذلك ستنايُ، وخسر معها شعبُها، الخلودَ.
كانت ستناي الجميلةُ تغسل الثياب عند ضفة النهر، وعلى الضفة الأخرى كان هناك راعٍ يرعى أبقاره. وعندما شاهد جمالَ ستناي تجمّد في مكانه إذ كانت ستناي فاتنةً بيضاءَ مشرقة. ناداها الراعي: "آه يا ستناي الجميلة، افتحي عينيكِ الساحرتين، انظري إليَّ ولو لمرَّة..."، وعندما رفعتْ ستناي عينيها اشتعلَ قلبُ الراعي حباً، كما مسَّ الحبُّ شغافَ قلبها، فجلستْ على حجرٍ عند ضفة النهر والرغبةُ تقطرُ من جسدها، وعندما صحتْ من سكرة الحب، لملمتْ غسيلها المبلَّلَ لتذهب إلى البيت، فطلبَ منها الراعي أن تأخذ الحجرَ الذي جلستْ عليه عندما عصفتْ الرغبةُ بها. وبعد فترةٍ من الزمن بدأتْ ستناي تسمعُ أصواتًا في بيتها صادرةً من هذا الحجر، وكان الحجرُ يزداد حجماً يوماً بعد يوم. وبعد تسعة أشهر وتسعة أيام نادتْ الحدادَ " لبش" ليساعدها. أخذ الحدادُ يضرب الحجرَ بكل قوته سبعة أيام، وكانت ستناي تتألمُ وتصرخ مع كل ضربةٍ من الحداد، إلى أن تحطَّم الحجر، وخرج منه طفلٌ متوهّجٌ. ضمَّتْ ستناي المولود الجديد إلى صدرها كما تفعل كلُّ أم، وسمَّتهُ "ساوسرقوه"، أي ابن الحجر.
والأب الراعي تتعدد الروايات في أصله وأحياناً اسمه، وفي ظروف التقائهما. فهو يسمّى أحياناً "وزرمج " رجلٌ بمواصفات خرافية طبعاً: ترفضه ستناي "لأن جلود ثلاثة عجول لا تكفي لحذائك" (21) وقد يكون النارتيون اختطفوها لأن عندها مائدة من الجلد تستحضر الطعام. ولما كانوا عاجزين عن اختطافها وحدهم استعانوا بالراعي بعدما خدعوه. وحين نفق حصانه حمله تحت إبطه ومضى. ولكنهم ظلوا خائفين من أن يختطفها فأحاطوها بالحراس وبالماء " وذات يوم جاء الراعي لشأن من شؤونه فاشتهاها، فانطلق ماؤه نحوها فحملت. وبعد ستة أشهر أو سبعة عرف القوم بحملها. وقرروا أخيراً أن يحتفظوا بالمولود إن كانت أنثى، وأن يتخلصوا منه بإلقائه في اليم في صندوق إن كان ذكراً " (22) ولموتها حكايات كثيرة، ولكن تنبت مكانها زهرة تحمل اسمها " زهرة ستناي " (23)
وشخصية الأب هنا تتمثل بالراعي، الذي يلتقي ستناي عند النهر. ويرمز دخول الراعي إلى الملحمة إلى ذلك الصراع الأزلي، بين الرعيان والمجتمعات الزراعية، وانتصار الرعيان، وغلبتهم الديمغرافية، والسياسية في نهاية الأمر.
وتمثل شخصية ساوسروقه، ومعنى اسمه باللغة الشركسية ابن الراعي، البطولة ومستقبل الأمة، فهو فارس شجاع، لا يستطيع أحد أن يغلبه. يدافع عن قومه، وينقذهم وقت الأزمات. يستعيد البذار المسروق، ويجلب النار لقومه (24)، ويحارب الأعداء ويقهرهم.
وهو الابن غير الشرعي لستناي والراعي، ولد بطريقةٍ غير عادية، ولد من الحجر الذي جلست عليه ستناي العاشقة، ويقال في رواية أخرى إنه ولد من الحجر الذي انسكب عليه سائلُ رجولة الراعي عندما شاهد جمالَ ستناي، لكن جميع الروايات تتفق على أن ستناي أنجبته دون زواج، وأن الحبَلَ كان بلا دنس.(25)
بعد أن قام الحداد لبش بتوليده من الحجر وتعميده بالماء، ترعرع ساوسروقه عند أمه ستناي، وصار يكبرُ في اليوم ما يكبره الأطفالُ الآخرون في شهر، وتكلم الناس بسوء على ستناي وطفلها الذي أنجبته دون زواج. وقالوا إنها حملتْ به من الشيطان، إذ كان الطفلُ يجلس على الموقد، يلتقط جمرةً متوهجةً بيده يضعها في فمه حتى يطفئها ثم يبصقها ويأخذ غيرها. وعندما كان الناس مجتمعين عند ستناي يشتمونها ويعيبونها، نطقَ الطفلُ ساوسروقه في المهد، ففزع الناس وقرَّروا قتلَ الطفل لأنه سيجلب الهلاك لشعبه.
أخفتْ ستناي طفلها تحت الأرض، وهناك تربَّى مع حصانه إلى أن كبر وشبَّ وأصبح فارسًا قويًا فصعد إلى أرض البشر. وفي روايةٍ أخرى وضعت ستناي طفلَها في سلَّة ورمت به في نهر "كوبان". (لاحِظ قصة النبي موسى الذي ألقت به أمه في اليمّ) وهناك تربَّى بعيدًا عن الخطر، إلى أن أصبح فارساً قوياً فعاد إلى أرض شعبه على فرسه السحري إذ كان لساوسروقه حصانٌ خارقٌ يقفز من جبل إلى جبل، وجناحان يعرجُ بهما إلى السماء (26)
ثم تتطور قصة ولادته مع الزمن واكتشاف معدن الحديد إلى ولادة معدنية من الصخر متوهجاً كالجمر. ويمسكه الحداد (لبش) بالملقط من ركبتيه، ويسقيه بالماء سبع مرات، دلالة على ظهور صناعة الفولاذ. وتصبح ركبتاه نقطة ضعفه القاتلة مثل أخيل اليوناني الذي ضعْفُه في عقبيه. وتتزايد أهمية الابن في الأسطورة مع تطور المجتمع ونظام الأسرة نحو الذكورة حتى تطغى شخصيته على شخصية الأم ستناي.
كان ساوسروقه بطلَ قومه، يحارب العمالقةَ لأجلهم، وقد حقَّق بطولات خارقة نالت إعجاب الآلهة، فدعته الآلهة لمشاركتها في مجلسها السنوي فوق جبل ألبروز، فكان أوَّلَ إنسانٍ ينالُ شرفَ شرب النبيذ مع الآلهة، هذا الشراب المقدَّس الذي يمنح اللذة والقوة والجرأة، ويجعل للروحِ أجنحة. شرع ساوسروقه بالشربِ فبدا له العالمُ رائع الجمال، فشرب وشرب حتى تضاعفت قوته وجرأته، فحمل بذراعيه القويتين دنَّ الخمر، رفعَهُ فوق رأسه ثم رماه من جبل الآلهة إلى أرض البشر. تحطَّم الدنُّ وتدفَّق النبيذ كالسيل، وخرجتْ من قعر الدن بذورٌ صغيرةٌ ما إن لامستِ الأرضَ حتى تحوَّلتْ إلى كرماتٍ بديعةٍ تتدلى منها عناقيدُ العنب، ثم نزل إلى الأرض ليعلِّم البشرَ زراعة الكرمة وصُنع النبيذ، وصاروا يقيمون في كلِّ عام احتفالاً لصنع النبيذ وشربه أواخرَ الصيف حين يُعتصر العنب.
وفي إحدى معاركه مع العمالقة، قُتلَ ساوسروقه. ثم قطِّعتْ جثتُه إلى قطعٍ صغيرة. سمعتْ ستناي فركضت إلى ساحة المعركة، فوجدتْ أشلاءَ ابنها متناثرة، أعادتْ جمعَ الأشلاء ورتَّبتها، ثم جمعت الندى عن أوراق الشجر وغسلتْ به جسده، وعندما نفدَ الندى، وضعتْ وجهَها على وجه ابنها وغسلتْهُ بدموعها، ففتحَ عينيه ونظرَ إلى عينيها، أطبقتْ شفتيها على شفتيه فانسلَّتِ الروحُ من جسدها إلى جسده، وانبعثَ البطلُ ساوسروقه حياً من جديد في حين سقطتْ ستناي جثةً هامدة، ونمتْ مكانَ وفاتها أزهارٌ بيضاء يسمِّيها القفقاسيون إلى اليوم زهرة ستناي. (27)
إن تضحيةَ ستناي بحياتها لأجل حياة ابنها ساوسروقه، لم تكن سوى انتقالٍ للمجتمع من سلطة المرأة الحاكمة إلى سلطة الرجل الحاكم التي نعرفها اليوم باسم النظام الأبوي أو البطريركي، فهذا المجتمعُ الذكوريُّ المحاربُ أصبح بحاجةٍ إلى البطلِ المُخلِّص ساوسروقه أكثر من حاجته إلى الأم الحنون ستناي، فحكمَ عليها بالموت، ولكنها بقيتْ حيَّةً في الأدب.
وتأتي أهمية لبش في الحكايات في المرتبة الرابعة بعد ستناي والراعي وابنها. وكان الاسم لا يزال يُطلق على الحداد إلى أواخر القرن العشرين. إذن كان لبش حدادًا ماهراً، يصنع الأدوات الزراعية للفلاحين، والسيوفَ للمحاربين. وهذه الأعمالُ الخيِّرة جعلته يكسبُ رضى الآلهة، فكانوا يدعونه للمشاركة في اجتماعهم السنوي على جبل ألبروز.
قام لبش برحلةٍ حول العالم بحذاءٍ وعصا حديديين، وعندما عاد كان حذاؤه الحديدي اهترأ، وعصاه قصرت، فقدَّمَ للبشر ثلاث عبَرٍ تعلَّمها من هذه الرحلة: 1- إن العالم بلا نهاية. 2- إن الإنسان أقوى وأمتن من الحديد. 3- إن الإنسان بمفرده مخلوقٌ ضعيفٌ لا يستطيع أن يعيش وحيداً.
وبالإضافة لأعماله الحرفية، كان لبش يقوم بعمليات التوليد، ويبارك الطفلَ المولود. وهو الذي قام بتوليد ستناي أو الحجرِ الذي حملَ البطل ساوسروقه بعدما جلستْ عليه ستناي. وعندما خرج هذا الطفلُ المتوهِّج – ساوسروقه – التقطهُ الحدادُ لبش بكلاَّبته، وعمَّده بالماء سبع مرات، حتى أصبح جسمُ الطفل، ما عدا ركبته فولاذاً، وهي المكان الذي أمسكهُ منه لبش بملقطه أثناءَ تعميده بالماء، فبقي رخواً، وأصبحت هذه الركبةُ، والتي سيموت بسببها، نقطةَ ضعف البطل ساوسروقه.
وهو إله الحديد، ومعنى اسمه لبش: أمير القوة. وهو رجل قوي وحكيم. يختبر قوة ثلاثة إخوة نارتيين جاؤوه يطلبون منه أن يصنع لهم سيفاً من منجلهم الذي رأوه يجري قاطعاً ما يصادفه من شجر وحجر. فيطلب منهم انتزاع السندان من أرضه فيعجز الثلاثة. إلى أن يأتي ساوسروقه فيفعلها (28). ويؤدي أدواراً هامة تعكس أهمية معدن الحديد الذي تميزت هذه الشعوب بأنها عرفت تعدينه واحتكرته. وكان السبب في قيام الإمبراطورية الحثية، حتى غزتها شعوب البحر ودمرتها، فتفرق الحدادون وشاع استخدام الحديد.
يقول لبش عن نفسه "أنا رب كل الحدادين" (29). و"أنا من الآلهة" (30). ويقتل الشرير الملتحي "يمنه جاكه" الذي يعني الجزء الأول من اسمه "يمنه" الطاعون (31). ولكلٍّ من الملقط والمنجل حكايةُ اختراعه: الملقط مستوحى من شكل أفعى مقتولة ملتفة على نحو متصالب. والمنجل من قصة الرجل الأسود الذي كان يشد الهلال في آخر كل ليلة، فيلاحق لبش الرجل الذي يتوسل إليه ألاّ يسلبه الهلال لأنه يحصد به غلاله. فيصنع لبش منجلاً فولاذياً، ويهدي منه إلى الرجل الأسود حتى لا يتعدى على الهلال بعد الآن. (32)
...
ولحصان ساوسروقه أهمية خاصة في الحكايات؛ فبعد أن يتمكن ساوسروقه من خلع السندان من أرضه فيصنع له لبش سيفاً، ويكتفي بأن يصنع لكل من الإخوة الثلاثة سكيناً، يسأله لبش:
" - وماذا تريد أيضاً؟
- لا أريد شيئاً آخر سوى حصان أنطلق به.
- إذا أردت حصاناً فاذهب إلى أمك؛ عندها حصان جيد. اطلبه منها وستعطيك.
عاد ساوسروقه والسيف معلق إلى جانبه. ولما رأته ستناي قالت:
- أعرف يا ولدي ماذا ينقصك الآن... تعال معي فقد ربيت لك حصاناً ,
وأخذت ساوسروقه معها إلى باب الكهف وقالت له:
- هيا يا ولدي! إذا استطعت أن تزيح هذه الصخرة، وأن تدخل الكهف فستجد حصاناً!
صهل الحصان وأخذ يحفر الأرض بقائمتيه الخلفيتين... " (33)
جانَبَه ساوسروقه من اليمين ومن الشمال فلم يفلح في امتطائه. قالت له أمه: إنه لا يعتبرك رجلاً! وحينها غضب، وبقفزة واحدة اعتلى صهوته، فطار من تحت الأرض. حاول الحصان مراراً أن يُسقِطه، بل وصل به إلى ما بين الغيوم، وإلى ملتقى البحار السبعة، وهو ثابت على ظهره. جرى الحصان سبعة أيام بلياليها حتى تعب وامتنع عن أي حركة.
ضربه ساوسروقه حتى حطم على جسده سبع عصيٍّ من السنديان. وعند ذاك نطق الحصان:
"وربي أميش لن أعصي لك أمراً بعد اليوم. وإذا كنت رجلاً فسأكون لك نِعْم الحصان. وحين عاد به إلى البيت كانت أمه تبكي فطلب منها زاداً خفيفاً لأنه حان موعد رؤيته للعالم" (34)
يعتقد العلماء أن القفقاس من أول مواطن استئناس الحصان وتربيته، لذلك اشتهر الشركس بحبهم للخيل والفروسية، وقد نجم عن الاستخدام المبكر للحصان عند شعوب القفقاس الشمالي تكوُّن مجتمعاتهم على النمط المعروف في التاريخ بمجتمع الديمقراطيات الحربية، الذي يكون الفرسان فيه طبقةً من الأمراء المحاربين الأبطال المدافعين عن قومهم. وهذا يختلف كثيراً عن المجتمعات التي ساد فيها الإقطاع الزراعي لدى الشعوب الأخرى. وفي كتاب " الاعتبار " لأسامة بن منقذ، الذي يسرد فيه سيرته الذاتية، يجد هيئة محكمة الصليبيين مؤلفة من الضباط " والإفرنج ــــــ خذلهم الله ـــــ ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة، ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلا للفرسان، ولا ناس عندهم إلا الفرسان؛ فهم أصحاب الرأي وهم أصحاب القضاء... وهذا الحكم بعد أن تعقده الفرسان ما يقدر الملك ولا أحد من مقدمي الفرنج يغيره ولا ينقضه، فالفارس عندهم أمر عظيم" (35)
...
"إذا كانت الأسطورة وعلم الأساطير كما يقول جان بيير فيرنان في كتابه "الكون والآلهة والناس" كلمتين يونانيتين حقاً ترتبطان بتاريخ هذه الحضارة وبعض ملامحها؛ فهل يجب أن نستنتج من هذا أن لا وجود لهما إلا بالشكل والمعنى الإغريقيين؟ إن العكس هو الصحيح؛ فالخرافات الهيلينية تتطلب كي تكون هي نفسُها مفهومة أن تقارن بالحكايات الموروثة لشعوب أخرى تنتمي إلى ثقافات وعصور مختلفة جداً" (36)
من الطبيعي ألا تحظى أساطير النارت بالاهتمام الذي حظيت به أساطير الشعوب الأخرى، ولاسيما الأساطير اليونانية، أو بجزء منها، فقد دأبت "النزعة المركزية الأوربية" منذ أن قامت النهضة الأوربية متكئة على تراث الحضارة اليونانية أن تُظهر أن تاريخ الحضارة يبدأ من عند الإغريق. وقد تأثرت بهذه المقولة أجيال من المفكرين والمتنورين الذين نهلوا من ثقافة الغرب. ورغم تصاعد موجة من الاعتراف بوجود حضارات غير حضارة الإغريق أضاءت العالم القديم في الوقت الذي كانت أوربا فيه تعيش في عصورها الحجرية، فقد ظل هذا الاعتراف مشوباً بروح غير علمية حين يصل الأمر إلى تحديد هوية الشعوب التي أقامت هذه الحضارات. وأحدث مثال على هذا محاولةُ الصهيونية ادعاءَ حضارة إيبلا التي قامت قبل ألف عام من تماسك اليهود على هيئة شعب " (37)
ويمكننا أن نجد صلات كثيرة وواضحة جداً بين الميتولوجيا اليونانية وتلك الشركسية، بدءاً من "نسْرن جاكه" (نسرن الملتحي) المقيد إلى جبل ألبروز الذي تحدى الإله، يقرِض كلبُه الأمين قيودَه ولكنها تعود غليظة مع ضربات السندان، مقابل بروميثيوس اليوناني. ونقارن ستناي بآلهة الخصب في الأساطير القديمة. وبين ساوسروقه الذي سقاه الحداد " لبش"، ثم أخفته أمه ستناي خوفاً عليه وأخيل اليوناني الذي غمسته أمه في نهر ستكس الجهنمي ممسكة به من عقبه فظلت العقب نقطة ضعفه كما ركبتا ساوسروقه اللتان حمتهما كلابتا الملقط من السقي (38). ومجمع آلهة النارت في ألبروز بمجمع آلهة الإغريق في جبل الأولمب. وقصة جلْبِ ساوسروقه للنار بجلْبِ بروميثيوس لها. والحداد "لبش" بالحداد هيفايستوس... ويمكننا أن نحذو حذو بعض الأوربيين فنزعم أن ملاحم النارت أقدم من نظيرتها اليونانية استناداً إلى نظريات معينة كالقول إن موطن الجنس الأبيض ومنشأه هو القفقاس، ومنشأ الحديد هو القفقاس... ولكن ليس بالضرورة أن يُعزى التشابه بين ميتولوجيا وأخرى إلى سبقِ هذه على تلك زمنياً، بل الأرجح أن يكون نتيجة التشابه القائم في الأوضاع والظروف البشرية. فالإنسان واحدٌ في المطلق العام، والعقل البشري يمتلك تركيباً فيزيولوجياً واحداً، وله موقفٌ واحد من السماء والأرض وما تحت الأرض. لم تنتقل الميثولوجيا من شعب إلى آخر كما تنتقل الظاهرةُ الأدبية في الأدب المقارن، بل نشأت عند كل شعب على نحو مستقل، ولذلك اكتسبتْ خصائصَ من بيئتها ميَّزتها من غيرها، كأن يولد الإنسان المصري من الطين المترسِّب على ضفة نهر النيل، ويولد الإنسان الإسكندنافي من الجليد المتشكِّل على نهر إليفاغار...إذن فالميتولوجيات تختلف من حيث الخصائص والظواهر الخارجية، وتأتلف من حيث الجوهر والماهيَّـــة، كاختلاف الرجل الياباني عن الإنكليزي بالشكل واتفاقهما في الجوهر الإنساني، وكما يبدو فإن البشر بتاريخهم الطويل على هذه الأرض الواسعة أنتجوا آداباً وفنوناً وأبطالاً وأساطيرَ تختلف في الظاهر وتتفق في الباطن، وكأننا نعيد إنتاجَ الأنماط الأولية المترسِّبة في اللاوعي الجمعي نفسها، حسب نظرية كارل غوستاف يونغ.(39)
الحواشي
- معجم Micro Robert
- القرآن الكريم: الأنعام 6 والأنفال 21 والنحل 24 والمؤمنون 83 والفرقان 5 والنمل 68 والأحقاف 17 والقلم 15 والمطففين 13
- الأنعام والأنفال والمؤمنون والنحل.
- الأحقاف.
- الميتولوجيا: تأليف أديث هاملتون، ترجمة حنا عبود. دمشق. مطبوعات اتحاد الكتاب العرب عام 1990.ص 13
- مختارات من ملاحم نارت الشركسية: ستناي وساوسرقه. دراسة ونصوص مترجمة لممدوح قوموق. دمشق. دار المجد 1982.ص 42
- الكون والآلهة والناس بالفرنسية. تأليف جان ـــ بيير فيرنان.دمشق دار الأهالي عام 2001 ترجمة محمد وليد حافظ.
- م. س.
- بدرخان عبد الكريم. مقال منشور على الشابكة بعنوان: الميتولوجيا القفقاسية.
- لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى أكثر من كتاب يحاول قراءة الكتابات الحثية باللغة الشركسية. انظر مثلاً: "الأصول الشركسية في اللغة السومرية " تأليف منذر بج. دار الفكر حلب ط1 عام 1995. و"اكتشاف وفك رموز الكتابات القديمة في القفقاس من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الرابع بعد الميلاد" تأليف غ. ف. أورتشانينوف. ترجمة د. عمر شابسوغ. دار نشر النارتيين عمان ط1 عام 1993. ومن الغريب أن الكتاب الأخير لم يُسمح بطباعته بلغته الأم بل نُشر مترجماً إلى العربية.
- قوموق. م. س ص18 -19
- أساطير النارتيين والتاريخ الحديث للشراكسة. تأليف باتراي أوزبك. ترجمة أحمد راتب زنداقي. مكتبة الشباب وطبعتها عمان 1987. ص 87 - 88
- وهو من أوائل من حاولوا وضع أبجدية للغة الشركسية خارج الأبجدية العربية التي هي تقليد للتركية. انظر قوموق م.س ص 5-6 , وكتاب محمد حفأزة: المماليك الشراكسة. نالتشيك 1994. ص 127 وما بعدها.
- في سبع مجلدات، مدينة مايكوب في جمهورية الأديغي ذات الحكم الذاتي.
- تاريخ الفلسفة اليونانية. يوسف كرم. دار القلم بيروت. دون تاريخ ص 245
- بدرخان. م. س.
- هاملتون. م.س. ص 14
- أوزبك. م. س. ص 105
- قوموق. م. س 29 – 30
- micro Robert
- قوموق. م.س ص 93
- قوموق. م. س ص 246
- قوموق. م. س ص 80 و131
- قوموق. م. س. ص73 و189
- قوموق. م. س ص 103 و106 وفيه أنها حملت به في الحجر الذي طلب منها الراعي أن تصحبه ففعلت. وكان الحجر يغلي باطنه ويكبر دون انقطاع فيقطع حبل الصوف الذي حُزم به حتى بلغ الحمل مداه في تسعة أشهر وتسعة أيام.
- تفصيلات في قوموق. م. س ص 112
- انظر قصة مقتله مفصلة في قوموق. م. س ص 130 و138. وإرساله إلى العالم السفلي عقاباً له ص 340.
- قوموق. م. س ص 113
- قوموق م.س. ص 299
- قوموق. م. س ص 302
- قوموق. م. س. ص 308
- قوموق. م. س. ص 287 - 288
- قوموق. م. س. ص 116 - 117
- قوموق. م. س ص 117. وسبق أن أميش هو رب المحاصيل، يؤيد هذا أن " مشه" يعني المحصول. ويرد هنا رباً للحيوانات والمواشي خصوصاً. ومعروف أيضاً أنه كان أول راعٍ عند النارتيين، واستأنس الحيوانات البرية.
- الاعتبار. أسامة ابن منقذ. نصوص اختارها وعلّق عليها د. عبد الكريم الأشتر. مطبوعات وزارة الثقافة السورية عام 1980.ص 114
- فيرنان. م. س. ص 6
- قوموق. م. س. ص 55
- فيرنان. م. س. ص 69
- بدرخان. م. س.
ثبت المراجع
- القرآن الكريم.
- ابن منقذ أسامة: الاعتبار. نصوص اختارها وعلّق عليها د. عبد الكريم الأشتر. مطبوعات وزارة الثقافة السورية عام 1980
- أوزبك باتراي أساطير النارتيين والتاريخ الحديث للشراكسة. ترجمة أحمد راتب زنداقي. مكتبة الشباب وطبعتها عمان 1987
- بدرخان عبد الكريم. مقال منشور على الشابكة بعنوان: الميتولوجيا القفقاسية.
- حفأزة محمد. المماليك الشراكسة. نالتشيك 1994.
- فيرنان جان بيير - الكون والآلهة والناس بالفرنسية. دمشق دار الأهالي عام 2001. ترجمة محمد وليد حافظ.
- قوموق ممدوح. مختارات من ملاحم نارت الشركسية: ستناي وسوسروقه. دراسة ونصوص مترجمة من مصادر متنوعة. دمشق. دار المجد 1982
- هاملتون أديث. الميتولوجيا. ترجمة حنا عبود. دمشق. اتحاد الكتاب العرب 1990
- يوسف كرم. تاريخ الفلسفة اليونانية. دار القلم بيروت. دون تاريخ.
- معجم Micro Robert