من أحزان النساء العربيات
يعود الفضل في تعرُّفنا مراثي الشاعرات الجاهليات والإسلاميات من صاحبات المقطوعة الواحدة أو المقطوعتين، أعني من غير الشعراء المحترفين، إلى أصحاب المختارات الشعرية كالأصمعي والمفضَّل الضّبّيّ، وغالباً ما كانوا شعراء كأبي تمام والبحتري، فانتقَوا بأذواق شعرية عالية، وبرهافة حسٍّ حفظت للأقدمين صيتهم، وأوصلت إلينا خفقات قلوبهم.
الحزن عاطفة نبيلة، خالدة خلافاً للفرح الذي ينقضي بسرعة، ولاسيما الحزن النابع من أعمق فاجعة في حياة المرء، وهي فقدان إنسان عزيز. وهذا ما عبّر عنه أبو العلاء المعري أجلى تعبير، فدعا البشرية بأكملها إلى الانتحار تجنُّباً له:
إن حزناً في ساعة الموــــــــــــــ ت أضعاف سرور في ساعة الميلادِ
تعبٌ كلُّها الحياةُ فما أعـــــــــــــــــــــــــــــــجب إلا من راغب في ازدياد
وساوى مساواة مطلقة بين من يبشر بولادة إنسان، وبين من ينعاه لأن ميلاد إنسان يعني موته، بعد يوم، سنة، سنين:
وشبيهٌ صوتُ النعيِّ إذا قيـــــــــــــــــــــــــــــ س بصوت البشير في كل نادِ
والأنثى مؤهلة لحزن أعمق من حزن الرجل.، لا لحساسية المرأة فحسبُ بل لأنها هي التي أودعَها المبدع سر الحياة؛ ففي رحِمِها يتم التخلُّق، ومن رحِمها يخرج الوليد إنساناً كان أم حيواناً. ولا عجب أن عبد الإنسان البدائي رحم المرأة وفرْجها، وتصورها الربة والأم الكبرى، ونسج الأساطير حولها، إلى أن انزاحت المرأة في المجتمع عن موقع الإنتاج والسيادة، فانهزمت مع هزيمتها الآلهة المؤنثة (عشتار وتجلياتها في أماكن أخرى من العالَم) عبْر تطورٍ طويل شاقٍّ في مسيرة الإنسانية ترافقَ وظهور أدوات الإنتاج وإمكان استغلال الإنسان للإنسان.
ويعتقد بعض علماء النفس أن عاطفة الأمومة هي الفطرية، في حين أن عاطفة الأبوة مكتسبة. ولعل أقرب شاهد على هذه النظرية موقفُ ذكور الحيوانات وإناثها من صغارها، فالذكر يبذر ويمضي، بل قد يأكل أولاده أحياناً، ولا يتحمل مسؤولية إضافية، في حين تنوء الأنثى بأعباء تغذيتها وتدريبها وحمايتها.
والرجل، ولا سيما الشرقي، مضطرٌّ بحكم أعراف المجتمع الشرقي، وبحكم مفهوم الرجولة، إلى التجلُّد الذي ليس مطلوباً من المرأة. وتجده يفخر بجَلَده؛ يقول أبو ذؤيب الهذلي الذي فُجع في أولاده الأربعة:
وتجلُّدي للشامتين أريهمُ أني لريبِ الدهر لا أتضعضعُ
لم يخجل بعض الشعراء ذوي الحساسية الزائدة كابن الرومي من إظهار جزعهم، دون أن يعني هذا بالطبع الانتقاص من مشاعر الآخرين. يُلحّ ابن الرومي على البكاء لأن فيه شفاءً. ولا شيء يسلوه عن ابنه، حتى ابناه الباقيان يظلان يُذكّرانه بأخيهما، بدل أن يكونا عزاء له، فيشعلان أحزانه إشعال الزَّند للنار:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يُجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي
محمدُ ما شيء تُوُهِّم سَلوةً لقلبيَ إلا زاد قلبي من الوجد
أرى أخويك الباقيين كليهما يكونان للأحزان أورى من الزند
والشاعرة العربية القديمة، على الأقل، لا يمكن اتهام شعرها بالكذب كما يُتَّهم الشاعر العربي الأموي أو العباسي، لسبب بسيط وهو أن الرجل، ولاسيما الشاعر المحترف كالبحتري والمتنبي وأبي تمام، وقبلهم جرير والفرزدق والأخطل،نظم الشعر في كثير من الأوقات لمنفعة شخصية، وفي أحسن الأحوال لمصلحة القبيلة، فمدح وهجا وفاقاً لما تقتضيه المصلحة؛ حتى إنه سخر مواقف الحزن لغاية شخصية هي اكتساب المجد برثاء شخصية عظيمة، كرثاء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي، أو قريبة من شخصية عظيمة، كرثاء المتنبي لوالدة سيف الدولة، فكان رثاء مملوءاً بالمبالغات. أما المرأة العربية فلم تحترف الشعر، ولم تتكسّب به، فانطلقت عاطفتها صادقة، ولاسيما تجاه الموت.
حزنت المرأة على رجُلها (أباً وابناً وزوجاً وأخاً) لسببين آخرين، وهما اعتزازها بانتمائها القبلي، رغم أن أولادها لا ينتمون غالباً إلى قبيلتها. حتى هي نفسُها تُحذف من شجرة الأسرة إلى عصرنا، ما دام الأبناء يُنسَبون إلى آبائهم. هذا الانتماء المزدوج للمرأة إلى قبيلة أبيها، ثم قبيلة زوجها كلّفها همّاً معقداً، ووضعها في أحرج موقف كما سنرى في قصة أخت جسّاس. والسبب الثاني لحزن المرأة المضاعَف افتقارها إلى الحماية بفقدان رجُلِها، وهي حماية ما زالت قائمة إلى أيامنا، وإن كانت أشد ضرورة في عصور الغزوات والسبايا وانعدام الأمن، إلا ما تؤمّنه قوة الرجل العضلية وشجاعته.
استسلمت المرأة العربية للحزن الأبدي، بل أصرّت. وهذه الخنساء المشهورة بلباسها الأسود وصدارها الممزق طوال عمرها حزناً على أخويها صخر ومعاوية، وهذه ليلى الأخيلية المشهورة أيضاً بحبها لتوبة، عاهدت نفسها ألا تنقطع عن البكاء ما دامت الطيور تطير والحمام ينوح:
فآليتُ لا أنفكّ أبكيك ما دعتْ على فننٍ ورقاءُ أو طار طائرُ
آليت: أقسمت. الورقاء: الحمامة. الفنن: الغصن.
وهذه أم ندبة، زوجة حذيفة بن بدر التي قُتل ابنها بدر في حرب داحس والغبراء المشؤومة، تخيِّر زوجها بين الثأر لابنهما، أو ترْكِها للحزن الأبدي لعلّه يقرِّب ساعتها:
فخُذ ثأراً بأطراف العوالي وبالبيض الحداد المرهفات
وإلّا خلِّني أبكي نهاري وليلي بالدموع الجاريات
لعل منيّتي تأتي سريعاً وترميني سهام الحادثات
العوالي: الرماح. البيض: السيوف. الحادثات: المصائب.
وترسم مزروعةُ صورة شبه شاملة للحزن، وإن كان حزنُها على ولدها الأسير، فدموعها أحرقت شؤونها (مجاري دموعها)، وأشعل الحزن أضلُعها وأحشاءها، ومزق قلبها، وأسقم فكرها، وخرب بيتها:
أيا ولدي قد زاد شوقي تلهفاً وقد حرَّقتْ منّي الشؤونَ المدامعُ
وقد أضرمتْ نارُ المصيبة شعلةً وقد حمِيتْ مني الحشا والأضالع
فيا ولدي مذ غبتَ كدرت عيشتي فقلبيَ مصدوع وطرفي دامع
وفكريَ مسقومٌ وعقلي مولَّه ودمعيَ مسفوحٌ وداري بَلاقِعُ
البلاقع: الخراب.
على أنها تعود في آخر المقطوعة إلى عقلها، فتتماسك لأن الإنسان الحرّ الأصيل لا يجوز أن يفقد الصبر:
فإن تكُ حيّاً صمتُ للهِ حِجّةً (سنة) وإن تكن الأخرى فما الحُرُّ جازعُ
وتستسلم للاندثار، وهو المعادل الموضوعي القاسي للحياة، وتصوّره انطلاقاً من مواقع الحياة البدوية. إنه (الفقيد) كفّ عن الإناخة والسفر وورود الماء، وكأنه ما فعل شيئاً يوماً من الأيام:
كأن فنى الفتيان توبة لم يُنِخ بنجدٍ، ولم يطلع مع المتغوِّر
ولم يرِد الماء السدام إذا بدا سنا الصبح في بادي الحواشي منوِّرِ
(المتغور: النجم المختفي. الماء السدام: المتدفق)
وتتشارك في هذا الشعور بالاندثار، وفي الحيرة أمام هذه الحقيقة القاسية مع الخنساء:
فيا ويحي وويح أبي وأمي أيُصبح في الضريح وفيه يمسي.
وكذلك في تصوير حبيبها (الابن أو الأخ...) أحسن البشر:
يُذكِّرُني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمسِ
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي
وما يبكين مثل أخي ولكن أعزّي النفس عنه بالتأسّي
وتُفلسِف المرأة هذا الاندثار فلسفة بسيطة؛ فكلُّ الأحياء لا بدّ أن يرِدوا حوض الموت الذي ورده أسلافهم:
كلُّ ما حيٍّ وإن أمِروا واردو الحوض الذي وردوا
والخلود الحقيقي هو خلود الموت:
وما أحدٌ وإن عاش سالماً بأخلدَ ممّن غيبته المقابر
فلم يبق إلا أن تناجيه وتعيش على ذكره. وأطيبُ المناجاة وآلمُها مناجاة امرأة لصغيرها، متمنية لو لم تحبل به، ولم تلده؛ فلا معنى لحياتها بعده، كما لا وجود للذراع دون عضُدٍ:
يا قرحة القلب والأحشاء والكبدِ يا ليت أمَّك لم تحبل ولم تلدِ
أيقنت بعدك أني غيرُ باقيةٍ وكيف يبقى ذراع بلا عضُد!
وتضاهيها جمالاً صورة جارية ألصقت خدَّها بقبر سيدها، متجاوزة علاقة التبعية والملكية، لعلها تحميه بخدِّها من خشونة القبر:
خدي تقيك خشونة اللحد وقليلةٌ لك سيدي خدي
يا ساكن القبر الذي بوفاته عمِيَتْ عليّ مسالكُ الرشدِ
اِسمعْ أبثّك علتي ولعلني أُطفي بذلك حرقة الوجد
وتعيش على الذكرى تأتيها بها الريح. ويزيدها ألماً دفْنُ ابنها في بلاد غريبة. تقول أم خالد النميرية في ولدها:
إذا ما أتتنا الريح من نحو أرضه أتتنا بريّاه فطاب هبوبُها
أتتنا بسُكٍّ خالَط المسك عنبرٍ وريحٍ خزامى باركتْها جنوبُها
أحنُّ لذكراه إذا ما ذكرتُه وتنهلّ عبراتٌ تفيض غُروبُها
حنينَ أسير نازحٍ شُدَّ قيدُه وإعوالَ نفسٍ غاب عنها حبيبها
السكّ: نوع من الرائحة الطيبة. والغروب: جمع الغرب: الماء الذي يقطر.
ورأت المرأة في فقيدها المثل الأعلى وفق مقاييس عصرها. وبما أن معظمهم ضحايا حروب وغزوات فلا شكّ في نظرهنّ أنهم أبطال. ويطول الكلام إذا استعرضنا محامد هؤلاء الأبطال جميعاً إلا أننا نسجل للخنساء نقطة إيجابية في تمييزها بين أخوَيها صخر ومعاوية لاختلاف صفاتهما واختلاف ظروف مقتلهما. وهي (الخنساء) رائدة الشاعرات العربيات في تمجيد الأحبّاء:
وإن صخراً لتأتمُّ الهُداةُ به كأنه علمٌ في رأسه نارُ
وإن صخراً لَمِقدامٌ إذا ركبوا وإن صخراً إذا جاعوا لَعقّارُ
حمّالُ ألوية، هبّاط أندية شهّاد أندية للجيشِ جرارُ
فهو الذي يهدي الناس كجبل في رأسه نار، وهو المقدام في ساحة الحرب، وهو الكريم إذا جاع قومه، وهو الشريف يشهد أندية الزعامات...
والوليد أخو الفارعة بنت طريف يساوي الآلاف من السادة:
فقدناه فُقدان الربيع وليتنا فديناه من ساداتنا بألوف
حتى الرمح ينتقي، حين يقتل، كرامَ الناس، وهذا ما تقوله امرأة شيبانية:
وقالوا ماجداً منكم قتلْنا كذاك الرمحُ يكْلَفُ بالكريم
وقوم أمامة بنت ذي الإصبع:
كانوا ملوكاً سادة في الورى دهراً لها الفخرُ على الفاخر
على أننا نشهد قيمة من قِيَم المديح غيرَ مألوفة في ذلك العصر تصرح بها الخنساء بكلمتين " جميل المحيا" أي جميل الوجه، في رثائها لأخيها صخر:
جَلْدٌ، جميلُ المُحيّا، كاملٌ ورِع وللحروب غداة الروع مِسعارُ
تفصّلُها مفضَّلةُ الفزارية ترثي محمداً الطائي، في صورة الشاب الوسيم الفارع القامة كالرمح الرديني:
ألم ترَيا ما كان أحلى محمداً وأجملَه إن راح في القوم أو غدا
ترى منكِبَيه ينفضان قميصه كنفْضِ الردينيِّ الرداء المعضَّدا
المعضَّد: المحمول.
...
وصبّت المرأة في غمرة حزنها نقمتها على أسباب الموت، وهي نقمة قريبة من نقمة ابن الرومي على الموت نفسه:
ألا قاتل اللهُ المنايا ورميَها من القوم حبات القلوب على عمد
ومن نقمة ابن نُباتة يرثي ولده السادس عشر والأخير:
أقصدْتني يا زماني كأنني كنت قصدكْ
وكان ما خِفتُ منه فأجهِدِ الآن جهدك
لا لينك اليوم أرجو ولستُ أرهب شَدّك
وهي نقمة، وإن خالفت تعاليم الدين، ومفهوم الإيمان بالقضاء والقدر خيرِه وشرِّه، تسوِّغُها قوة الفاجعة الطاغية على غيرها. وتُفقِد الإنسان أعصابه وتماسُكه وعقيدته. تصبّ أم ندبة السابق ذِكرُها نقمتها على ذلك السباق السخيف _ سباق داحس الغبراء – الذي كلف أولاد العم ضحايا كثيرة:
ويا خيل السباق سُقيت سُمّاً مذاباً في المياه الجارياتِ
ولا زالتْ ظهورك مثقلاتٍ بأحمال الجبال الراسيات
(انتبِهْ إلى أن " لا زال" يعني الدعاء)
والحق أن الخيل، هي الأخرى، لا ذنب لها في ما حدث، ومع ذلك لا تسلمُ من دعوات المرأة المفجوعة أن تشرب السم حيثما وردت. وأن تنوء ظهورها بأثقال كالجبال.
وتصبّ امرأة أخرى اللعنة نفسها على الفرسين أنفسهما ـ وهي ابنة مالكِ بن بدر قتيلِ الحرب نفسها:
فليتهما لم يشربا قطُّ مرة وليتهما لم يُرسَلا لرهان
فأي ميتة أسخف من ميتة رجل تُعِدّه القبيلة للمهمات الجسام، وفي زمن كان التكاثر البشري فيه محدوداً، لسبب تافه هو الاختلاف على أيِّ الفرسين، ثم أي القبيلتين، كسب السباق، تماماً كميتة العشرات اليوم في ملاعب كرة القدم، من وراء طابة عمياء يضع الكبارُ قبل الصغار، عقولهم فيها فتتملّكهم، وتتحكم في مصائرهم وآجالهم.
ومثلما دعت إلى الموت بعِزّة:
لَعَمرُك ما بالموت عارٌ على الفتى إذا لم تُصبه في الحياة المعايِر
وقفتْ موقفاً شهماً من قاتِلِ عزيزها؛فأم كلثوم بنت عبد ودّ العامري الذي بارزه علي بن أبي طالب في السنة الخامسة للهجرة، وصرعه، تقف هذ الموقف النبيل من عليّ، معجَبة ببطولته رغم نه سلبها أعزّ الناس عليها. وتجدها كأنها فخور بأن أباها لم يُقتل على يد غيره، فكلاهما (علي وعبد ودّ) أسد كفء كريم باسل يفخر القاتل والمقتول منهما:
أسدان في ضيق المكرّ تجاولا وكلاهما كفوٌ كريم باسل
فتخالسا سلْبَ النفوس كلاهما وسْط المجال، مجالِدٌ ومقاتلُ
وكلاهما حسر القناع حَفيظة لم يثنِه عن ذاك شُغلٌ شاغل
فاذهبْ عليُّ فما ظفرتَ بمثله قولٌ سديدٌ ليس فيه تحامُلُ
والحق ليس في هذا الكلام تحامُلٌ.
المدهش في مراثي النساء العربيات أنه في غاية السهولة اللفظية والمعنوية، لا يُحوجك إلى معجم، ولا إلى طويل تأمُّل. إن الصدق المطلق في هذه العاطفة الخالدة، وفي أرقِّ النفوس، ولاسيما أنهن شاعرات، يتجلى في شفافية لا متناهية. إنهن يرسمن أجمل الصور، كصورة اندثار توبة الذي استحال عدماً:
كأن فتى الفتيان توبة لم يُنخ بنجدٍ ولم يطلع مع المتغور
ولم يرد الماء السدام إذا بدا سنا الصبح في بادي الحواشي منوّر
أو هذه:
بادَروا فمن يحلُل بأوطانهم يحلل برسمٍ مقفر داثر.
وصورة صخر المحبوس في القبر صباحاً ومساء.
فالرسم رمزُ الفَناء، يتركه العربي وراءه باستمرار في حلِّه وترحاله؛ فكيف إذا كان رسمَ الرحيل الأبدي؟!
وتتكرر صورة الطيور، ولاسيما الحمامة المعروفة بالوفاء التي تنوح على أليفها:
ترى طير الأراك ينوح مثلي على أعلى الغصون المائلات
وهل تجد الحمائم مثل وجدي إذا رُميتْ بسهم من شتات
وتقول فاطمة الخزاعية في رثاء الجراح زوجها:
وإذا دعتْ قمرية شجناً لها يوماً على فنن دعوت صباحي
...
كشف الحزن خفايا تالك النفوس الرقيقة الملتفة بعباءة البداوة الخشنة. وكان أحسنُ ما فعلْنَه هو هذه الآهات التي أطلقنها، استعدْن بها التوازن النفسي لأن الدموع سرعان ما تجف وتندثر صاحباتها كما اندثر أعزّاؤهن, ولا يخلد إلا الفن الرفيع الصادق. فلِمَ لم نعد نسمع في هذا العصر امرأة عربية تطلق مثل تلك الآهات الخالدة؟ وإذا سمعنا فمن شاعرة محترفة كفدوى طوقان، فهل انقطعت الحروب والفجائع أم نضب مَعين الإحساس والحزن أم جفّت قرائح النساء؟ أم ماذا؟...
*البعث الثقافي. ومصدر المعلومات والأشعار هو " شرح ديوان الخنساء وعشرين شاعرة عربية" إصدار دار التراث. بيروت 1968.