نظرية النحو الساكن
باحث عربي معاصر لا تنقطع مؤلفاته ومقالاته، يدعو إلى إصلاح اللغة العربية وفق نظرية يسميها "نظرية النحو الساكن" ولكن الأمر يتعدى حدود الدعوة إلى التطبيق، فيصفع القارئ من حين إلى حين بمثل هذه التعبيرات "يستلزم ذهن مستريح قانع" و "صارت دين رسمي للدولة" و "الأمويين متهمين" و "كان الأمويين قد اتخذوا"، أي إلى إلغاء الإعراب أو إغفاله.
ومثل هذه التمردات على النظام اللغوي قد يمر بها القارئ دون اكتراث زائد إذا تجرّا شاعر مُحدَثٌ له باعه، فخلخل اللغة خلخلة لها مسوغات فنية مقنعة أو غيرُ مقنعة، أو شاعر شابّ ناقم على الخليل الفراهيدي نحواً وعروضاً، فيأخذ الأمر على أنه فورة الحداثة التي لابدّ أن تهدأ مع الأيام والنضج العقلي والزمني، ولكن صدورها من كاتب في قمة النضج الفكري هو ما يستوقف المعنيّ بالمسالة اللغوية.
لا فرق بين أن يكون المرء مصنَّفاً في عداد السلفيين أو الحداثيين، أو خانة الرجعيين أو التقدميين، ولاسيما إذا كان باحثاً قطع هذا الشوط من العمر ومن البحث ليدرك حقيقتين كبيرتين هما أقرب إلى البديهيات اليوم:
- كل لغة نظام.
- كل لغة ظاهرة اجتماعية.
وليس من الضروري أن يكون الناقد سلفياً متحجراً ليقول لمثل هذا الباحث: إنك خالفت الأقدمين. بل يكون معاصراً أميناً لأحدث النظريات اللغوية ليقول: إن اللغة ليست من البنى الفوقية المتغيرة وفاقاً للبنى التحتية كما تتغير الأخلاق والآداب والفنون، دون أن يعني هذا بداهة نفيَ تطور اللغة.
توصَف اللغة، أي لغة كانت، بأنها نظام، أو نظام الأنظمة بمعنى أن للغة ثلاثة مستويات أو نُظُم: المستوى أو النظام الصوتي الذي يحدِّد أصواتها وقوانينها الصوتية والعلاقات بين الأصوات كالتآلف والتنافر. والمستوى الصرفي أو المعجمي، أي الكلمات المفردة. والمستوى النحوي: أي الكلمات في علاقات بينها. واللغة في المحصلة هي النظام الذي يرسم العلاقات بين المستويات الثلاثة ويقودها.
ويؤكد اللغوي العربي ابنُ جنّي من القرن الرابع الهجري أن للغة نظاماً معيناً، بل يكاد يكون كتابه "الخصائص" بأجزائه الثلاثة مخصصاً لشرح هذا النظام ومستوياته. يقول: "ألا ترى إلى اطِّراد رفع الفاعل، ونصب المفعول، والجر بحروف الجر، والنصب بحروفه... وغيرِ ذلك من حديث التثنية والجمع... وما يطول شرحه؛ فهل يحسُن بذي لُبٍّ أن يعتقد أن هذا كله اتفاقٌ (مصادفة) وقَعَ وتوارُدٌ اتّجه؟"(1)
وأما الخلافات في اللغة، وما سمَّوه مذهباً بصرياً وكوفياً أو بغدادياً، وما نضخّمه أحياناً، وبخاصة مؤلفو كتب النحو القدامى المولعون بشواذ اللغة وغرائبها كابن هشام الأنصاري، فيقول عنها "هذا القدْرُ من الخلاف لقلّته ونزارته محتقر غيرُ محتفَل به، ولا معيجٌ عليه. وإنما هو شيء في الفروع يسيرٌ. فأما الأصول وما عليه العامة والجمهور فلا خلاف فيه، ولا مذهب للطاعن به... فهل ذلك إلا لأنهم (أصحاب اللغة) يحتاطون، ويقتاسون، ولا يفرِّطون، ولا يخلطون. ولو كانت هذه اللغة حثواً مَكيلاً (رذيلاً رديئاً)، وحثواً (تراباً) مَهيلاً لكثُر خلافُها، وتعادت أوصافُها، فجاء عنهم جرُّ الفاعل، ورفعُ المضاف إليه، والجزم بحروف النصب، والنصب بحروف الجزم؛ بل جاء عنهم الكلام سُدىً غيرَ محصَّل، وغفلاً من الإعراب، ولاستغنى بإرساله (عدم انتظامه) وإهماله عن إقامة إعرابه..."(2)
ليست اللغة ونظامها عفويين إذن عند العرب الفصحاء الذين ما كانوا يعرفون تسميات الفاعل والمفعول، وعلل الرفع والنصب؛ قال الرسول الكريم لقوم من الأعراب: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو غَيّان (من الغيّ أي الضلالة) فقال: بل أنتم بنو رَشدان. إن الرسول، وهو الذي لم يعرف طبعاً قواعد النحو والصرف، كان يدرك، وإن لم يتفوّه، أن إضافة الألف والنون، هي التي حوّلت الجذر "رشد" أو "غوى" إلى الصفة المشبهة.
وسأل ابنُ جني يوماً ابنَ الشجري، وهو أعرابي فصيح لا عِلم له بالنحو والصرف: "كيف تقول: "ضربت أخاك"؟ قال: هو كذلك. فقلتُ: أفتقول: "ضربتُ أخوك"؟ فقال: لا أقول أبداً. قلتُ فكيف تقول: "ضربني أخوك"؟ فقال: كذاك. فقلتُ: ألستَ زعمتَ أنك لا تقول "أخوك" أبداً؟ فقال: أيشٍ هذا؛ اختلفت جهتا الكلام". ثم يعقّب ابنُ جني: "فهل هذا في معناه إلا كقولنا نحن: صار المفعول فاعلاً وإن لم يكن بهذا اللفظ البتة (دون مصطلحات النحو) فإنه هو لا محالة"(3)
وروى ابنُ جني عن بعض علماء اللغة والقراءات "قرأ عليَّ أعرابيٌّ: طيبى لهم وحسن مآب. (4) فقلتُ: "طوبى" فقال: طيبي، فأعدتُ فقلتُ: "طوبى" فلما طال عليّ قلتُ "طوطو" فقال: "طيطي". ويعقِّب ابنُ جني: "أفلا ترى إلى هذا الأعرابي، وأنت تعتقده جافياً، لا دمِثاً طيِّعاً، كيف نبا طبعُه عن ثقل الواو إلى الياء، فلم يؤثِّر فيه التلقين"(5) فكيف لا تجفو نفس الباحث الكبير المعاصر من مثل "الأمويين متهمين" و "يستلزم ذهن قانع ومستريح"؟ وكيف يتجاوز ما عبّر عنه الأعرابي السابق بقوله: "اختلفت جهتا الكلام"؟
تُصنَّف اللغة العربية على المستوى النحوي بين اللغات المعرَبة. ولا أهمية اليوم في منظور علم اللغة المعاصر لكون اللغة معربة أم غير معربة في رفع شأنها كما كان تقييم علماء القرن التاسع عشر من أمثال الألماني شلايشر الذي قسم اللغات إلى معربة راقية، وغير معربة منحطّة، فلما وجد العربية معربة أُسقِط في يده فاتهمها بأنها استعارت الإعراب!.. وبنظرة علمية نقول: إن لكل لغة طرائقها في التعبير والتوسُّع. وعظمةُ المتكلمين بها هي التي ترفع شأنها. أما رأي شلايشر الذي لا يختلف عنه رأيُ بعض الباحثين العرب المعاصرين من أن اللغة العربية كانت ساكنةَ أواخر الكلمات، وأن الحركات ابتُدعت لاحقاً فرأيٌ لا سند له في الموروث اللغوي العربي، بل ينفيه ببساطة ورودُ قصائد الشعر الجاهلي برويٍّ مضموم أو مفتوح أو مكسور مهما طالت القصيدة، وانتباهُهم رغم عدم معرفتهم مصطلح الإعراب إلى عيب يتعلق صراحة بحركة أواخر أبيات القصيدة، وهو الإقواء الذي يعني تغيُّر حركة آخر البيت عن البيت السابق بين الضم والكسر، واحتيالَهم لتبرئة الشاعر، كما في بيتي النابغة المتتاليين:
زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك خبّرَنا الغدافُ الأسودُ
لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به إن كان تفريق الأحِّبة في غدِ
فغيّر بعضهم البيت الأول إلى:
............. وبذاك تنعابُ الغراب الأسودِ
ليستقيم مع تاليه في الحركة. ويروون أن أصحاب النابغة تورّعوا عن مصارحته بالأمر، وهو الشاعر الكبير، فأمروا جارية بإنشاد البيتين في حضرته عسى أن ينتبه الشاعر... إلى آخر الحكاية.
وينفيه أيضاً استعمال المثنى والجمع المذكر السالم معرَبَين الإعراب الذي نعرفه بالألف والواو والياء.
ويعني الإعراب الإبانة عن المعاني بالألفاظ. والمعرَب هو ما يتغير آخره بالحركة أو بالحرف باختلاف العوامل المؤثِّرة فيه. تقول "جاءني زيدٌ" بالضمّ، و "رأيتُ زيداً" بالفتح، و"مررت بزيدٍ" بالكسر بسبب ما دخل عليه، كما تقول جاء أخوك، ورأيت أخاك... ويضيف الزمخشري إلى التعريف السابق: "الاسم وحده ليس معرباً، بل في جملة، لأن الإعراب إنما يؤتى به للفرق بين المعاني. فإذا كان [الاسمُ] وحده كان كصوتٍ تصوِّتُ به. فإن ركّبْته مع غيره تركيباً تحصل به الفائدة كقولك "زيدٌ منطلقٌ" فحينئذ يستحق الإعراب لإخبارك عنه"(6). ويقول ابن هشام "أولُ واجبٍ على المعرب أن يفهم معنى ما يعربه مفرداً أو مركباً"(7)
يُستنتج من التعريفات والشروح السابقة أن الإعراب خاصةٌ من خصائص اللغة العربية على المستوى النحوي، مستوى الجملة. ومن المفيد الإشارة إلى أن لتحليل الجملة في العربية ثلاثة مستويات: المستوى الوظيفي الذي يسمي المبتدأ موضوع الكلام، والخبر محمول الكلام. والمستوى المنطقي الذي يسمي المبتدأ مسنداً إليه، والخبر مسنداً، والمستوى النحوي الذي يسميهما مبتدأ وخبراً، في حين لا تعرف الفرنسية المستوى النحوي، فتعتمد على ترتيب الكلمات في الجملة لتمييز الفاعل من المفعول به، فنفهم من "الكلب يتبع الرجل" أن الفاعل هو الكلب، ونفهم من "الرجل يتبع الكلب" أن الفاعل هو الرجل، في حين أن شكل كل من الرجل والكلب يحدد محله من الإعراب. ومع ذلك فالأصل في العربية هو الترتيب إلا لغاية بلاغية يمثِّل لها الجرجاني بجملة "قتل زيدٌ الخارجيَّ" إذا كان الفاعل هو المهم في الجملة، و"قتل الخارجيَّ زيدٌ" إذا كان قتلُ الخارجي هو المهم أيّاً كان القاتل. وكتب البلاغة، بل كتب النحو الأصيل تُفيض في الموضوع، وهو ما يؤكد أهمية الإعراب، وأنه لا يمكن إلغاؤه بقرار من شخص أو من أشخاص، بل من مجامع لغوية.
يتسامح النظام اللغوي في المستوى الصرفي المعجمي لمواكبة التطور الحضاري والحياتي، فيغتني المعجم بكلمات جديدة، ويستغني عن أخرى هجرها الاستعمال وانتفت الحاجة إليها. ويتقبل كلمات أجنبية محددة بشرط اكتسابها " جنسية " اللغة، وهو ما يسمى "التعريب" فتتغير الأصوات (الحروف) الغريبة عن العربية في الكلمة المرشحة للتعريب، و"تُقَولِبها" في قالب عربي، ضمن أوزان العربية التي تتجاوز ثلاثمئة وزن، وتشتق منها فتقول "دَرهمت الخُبّازى" من "الكلمة الأجنبية" الدرهم. بل يكفي إدخال ال التعريف لتصبح عربية. ولكن النظام لا يسامح في المستوى الصوتي والنحوي. فأصوات "حروف" العربية لم تزد صوتاً ولم تنقص، إلا ما يسميه ابن جني أصواتاً قبيحة، مثل ما يقابل صوت o أو é الفرنسيين، أو النطق العامي لكلمة "مازوت" أو "كازوز". ومثل هذه الأصوات الدخيلة قليلة لا يؤبه بها لأن اللغة محفوظة في المعاجم وكتب اللغة. وهناك قوانين تضبطها كمنع التقاء الساكنين، أو منعِ الابتداء بساكن. وكذلك فالنظام النحوي ثابت لا يقبل مثلاً عدم تطابق الصفة والموصوف.
توفّق اللغة بصفتها وسيلة اتصال تتفاهم بها مجموعة من الناس، وللمحافظة على نظامها بين قطبين يتجاذبانها: الاستعمال والقياس. الاستعمال يضغط باتجاه تقليص اللغة وقصْرِها على ما أُثِر بالاستعمال، وهو الأساس الأول للغة، وهو العمل الذي أداه اللغويون العرب الأوائل في القرنين الأول والثاني للهجرة حين جمعوا ما نطقت به العرب من شعر ونثر، في منطقة محدَّدة، وهي أواسط الجزيرة العربية دون تخومها حرصاً على لغة نقية ما أمكن، بعيدة عن لغات القبائل التي خالطت شعوباً أُخرى، كالفرس والهنود والأحباش، وضمن مدة زمنية محدَّدة وإن كانت طويلة نسبياً: 150 عاماً قبل الإسلام ومثلها بعده.
غير أنه لا يمكن حصْرُ حالات اللغة كلها عن طريق الاستعمال؛ فلم يُسمَع كل فاعل أو مفعول به، ولا وصل إلينا كل اسم فاعل أو مفعول. فعمدوا إلى القياس. والقياس وسيلة إلى التجانس اللغوي من جهة، ووسيلة لتوسيع اللغة من جهة أخرى. إنه استجابة للتطور الحياتي، ولكن إذا أُطلِق له العنان يؤدي إلى توسُّع اللغة توسعاً مفرطاً يُفقِدها وظيفتها التواصلية لأن الناطقين به لن يعودوا قادرين على استيعابها.
تسيطر اللغة بصفتها نظاماً على هذين القطبين. ومتى طغى أحدهما على الآخر اختلّ النظام. فطغيان الاستعمال وإهمال القياس يؤدي إلى تحجّر اللغة وعجزها عن مواكبة الحياة. والإفراط في القياس والاشتقاق النظري يؤدي إلى اتساع المفردات بلا حدود. وقد رسم ابن جني العلاقة بينهما رسماً دقيقاً. (8)
بدأ الحرص على سلامة هذا النظام منذ بدايات الإسلام؛ يقول أعرابي للنبي الكريم: "يا نبيء الله" بالهمز، فيُنكر النبي عليه قوله، ويصحح له: "أنا نبي الله" خوفاً من أن الخطأ يتوطد مع الاستعمال. وحرص الخلفاء الراشدون على اللغة؛ يقول عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري وقد وصلته منه رسالة فيها خطأ نحوي: "من أبو موسى الأشعري": "قنِّعْ (اِضربْ) كاتبك سوطاً!". وهو حرصٌ لا يتعلق بجوانب سياسية او اقتصادية، ولا يحمل ملامح رجعية أو تقدمية، بقدْرِ ما هو حرْصٌ على الكيان القومي وخوفٌ على النظام اللغوي الذي هو مُلْكُ الملايين أن يفسد بسوء الاستعمال المتعاقب. إن التمردات على النظام اللغوي عبْر التاريخ العربي لم تتعدّ في ما نعلم نظام الكتابة (الإملاء)، والنظام المعجمي، إلا صيحة ابن مضاء القرطبي لإلغاء نظرية العوامل النحوية، وهي دعوةٌ لا تمس جوهر النظام. ونعتقد أن تطوير اللغة لا يكون بإلغاء قواعد نحوها وصرفها، أو بتحريرها، بل بتجديد أساليبها، أي بتجديد الكلام، لأن اللغة ملكية جماعية مخزونة في المعاجم وكتب اللغة والنحو، أما الفردي الذي تظهر فيه صنعة الفرد فهو الكلام. واللغة نفسُها التي تجمدت أساليبها في عصور الانحطاط شعراً ونثراً أعاد إليها رواد الشعر، والصحفيون، نضارتها في القرن العشرين، لا بنسْفِ قواعدها بل بإزالة الغشاوة عنها، ونفْضِ الغبار عن إمكاناتها التعبيرية، فكان جيل شعراء الإحياء من البارودي وشوقي في مصر، والرصافي والجواهري في العراق. وكان جيل الصحافيين المصريين والسوريين أمثال طه حسين والعقاد وأديب إسحاق.
لاشكّ أن لكل لغة صعوباتها الخاصة بها، في كتابتها أو في قواعدها. فإذا تجاوزنا محاولات إصلاح الكتابة فإن التصدي للقواعد العربية لم يتجاوز محاولة تيسيرها بدءاً من ابن مضاء القرطبي إلى لجنة وزارة المعارف المصرية التي دعت إلى "النحو الوظيفي" الذي يكتفي بوظيفة الكلمة في الجملة: المسند إليه والمسند الذي هو الخبر أو الفعل. غير أن المحاولة اصطدمت بعقبات سببها طبيعة اللغة العربية نفسها التي تمتلك ثلاثة مستويات لتحليل الجملة: الوظيفي (موضوع الكلام ومحموله)، والمنطقي (المسند إليه والمسند)، والنحوي (المبتدأ والخبر أو الفاعل والفعل).
وكل لغات العالم تجدد باستمرار طرائق التعليم ومصطلحاته وفاقاً لتطور الدراسات اللغوية، ولاسيما معطيات علم اللغة الحديث، ولكن لا أحد يدّعي الاستغناء عن قواعد اللغة.
هناك قضايا لغوية يمكن التفكير بإلغائها أو التسامح فيها مما لا يؤثر في المعنى، مثل منع أسماء الأعلام من الصرف، أو صرفها جميعها حتى نتخلص من انقسامها إلى مصروفة وغير مصروفة، فلا ضيرَ معنوياً في مثل قولنا "نجح إبراهيم" بضمة واحدة أو بالتنوين، وإن كان النحاة يجدون لكل نوع من الممنوعات سبباً عوقب الاسم بسببه كالعجمة والتأنيث (ومعروفة نظرة الاستعلاء على الأعاجم والإناث)، وشَبَه الفعل (ومعروف ايضاً تقديم الاسم على الفعل في المرتبة).
وربما جاز أن نعيد النظر في تذكير الأعداد وتأنيثها إذا كان قولنا "ثلاثة رجال" أو "ثلاث رجال" لا يغير المعنى في قليل أو كثير. وأقول: "ربما"، والحذر شديد، لأنه ليس من حق الأفراد أن يغيروا هذا العقد الاجتماعي الذي هو اللغة، وإنما من حق المجامع اللغوية الممثِّلة للمجتمع على نحو من الأنحاء.
الحواشي
1 – ابن جني: الخصائص 1 / 238.
2 – م. س 2 / 244.
3 – م. س 1 / 250.
4 – الرعد 13 / 29، والأصل: طوبى.
5 – الخصائص 1 / 76.
6 – ابن يعيش. شرح المفصل للزمخشري 1 /49.
7 – ابن هشام: مغني اللبيب 684.
8 – انظر مقالنا في هذه المجموعة بعنوان: "قراءة في فكر ابن جني على ضوء علم اللغة الحديث".