يوميات إقامة في القفقاس في الأعوام 1837 – 1838- 1839
مكتبة أرثوس بيرتراند. عام 1841
وعنوان الكتاب بالفرنسية Résidence en Cyrcassie pendnt les années 1837 ,1838 et 1839
المؤلف جيمس ستانيسلاس بيل James Stanislas BELL. مستثمر [السفينة] فيكسان.
ترجمة لويس فيفيان Louis Vivien عضو جمعية الجغرافيا الفرنسية.
باريس مكتبة أرتوس بيرتراند. عام 1841
وجيمس بيل جاسوس بريطاني أوفِد إلى القفقاس في محاولة لمنع أيّ سلام محتمل بين الشراكسة وروسيا لإطالة أمد الحرب التي تشغل روسيا. وورد ذِكره كثيراً في روايات الكاتب المعروف إسحق ماشباش من جمهورية الأديغي، التي تؤرخ لمأساة الهجرة.
وكتابه المترجم يومياتٌ مفصَّلة لكل شاردة وواردة مما شاهد وسمع. ترجمت شيئاً منه، وتوقفت لاعتقادي أن متخصصاً في الجغرافيا أَولى مني بهذا العمل، والأفضل أن يُترجَم من الإنكليزية مباشرة.
الحواشي للمترجم الفرنسي فيفيان ما لم يُشَر إلى مرجع آخر... وكذلك الكلام في المتن المحصور بأقواس لفيفيان. وما بين معقوفين في المتن لي.
والخط المائل المستعمل لكتابة بعض الكلمات في المتن وفي الحواشي هو من فيفيان. وكذلك يستعمل فيفيان أحياناً الخط المائل لكتابة أسماء مؤلفات وما شابهها بدلاً من حصرها بين أهلّة.
وضعتُ أسماء الأعلام أحياناً، ولاسيما إن لم تظهر عُجمتها، ولأول ورود،بين أهلّة ليُعرف أنها أسماء أعلام بسبب افتقار العربية إلى الحرف الكبير الذي يميز أسماء الأعلام في اللغات الأوربية.
وليست المعلومات الواردة صحيحة تماماً بالضرورة، ولاسيما أنه مضى على الكتاب الأصلي والترجمة ما يقارب القرنين. ثم أرجو من القارئ ألا تستفزه بعض المعلومات التي قد يراها وأراها مهينة لعِرقنا، فهذه ليست كتابة أخلاقية، بل كتابة موضوعية. وهناك صعوبات شديدة في قراءة أسماء المواقع من أنهار وحواضر سكنية وتلال وأسماء قبائل... بسبب الانتقال من لغة إلى لغة، ثم إلى لغة ثالثة. وكنت أتمنى، وما أزال، لو ساعدني جغرافي من المنطقة خبير بمواقعها. وقد دعوت الصديق الباحث في التاريخ الشركسي ممدوح قوموق لتصويب ما يستطيع منها، وأثبتّ له في الحواشي ما قام به.
إن شكل أوائل بعض الكلمات أو أواسطها يهدف إلى التسهيل على القارئ فحسب. أما شكل أواخرها فيهدف إلى لفْتِ انتباه القارئ إلى سلسلة الكلمات المترابطة بالعطف أو بالوصف أو الإبدال...
وأثبتُّ باللغة الفرنسية ما رأيت أنه قد يفيد القارئ.
المدخل
أهدف في هذا المدخل إلى التدقيق في الأفكار الجغرافية التي كانت لدى أوربا عن شركيسيا قبل رحلة السيد بيل؛ وهي الطريقة الفضلى للتقويم العلمي لشهادة الرحلة التي تترجَم للجمهور الفرنسي.
لن أتوقف عند ما رواه كتاب العصور القديمة عن الجزء الشرقي من ساحل البحر الأسود، ولا عند العدد القليل من المعلومات التي يمكننا استخلاصها من مؤلفي العصور الوسطى. ومهما كانت الفائدة التي يمكن الحصول عليها من وجهة نظر جغرافية صِرفة فإن المقارنة،سواءٌ بين المقاطع المختلفة التي تزوّدنا بها بخاصة الرحلةُ البحرية القديمة للسيد سيلاكس Scylax، والرحلةُ الأحدث لـــ"آريان Arrien " ونصوص سترابون Strabon، وبلين Pline، وبروكوب Procope وكونستانتين بورفيروجينيت Constantin Porphyrogénète، أم مع وضع الأشياء الآن، فستُخرج هذا البحث تماماً عن النطاق الذي حددنا فيه الموضوع الذي سنعالجه على نحو خاص. ويكفيني أن أشير إلى أنه منذ بداية القرنِ السادس قبل الميلاد، العصرِ الذي تعود إليه أقدم الأفكار التي وصلت إلينا عن المنطقة التي نعني بها اليوم شركيسيا، إلى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي التي تؤرخ للعلاقات أو المعلومات التي يمكننا اعتبارها حديثة، أي في فترة تمتد لأكثر من ألفي سنة، نقل إلينا ستةٌ أو سبعة فقط، وكلهم من الإغريق باستثناء بلين، معلومات قليلة الدقة عن هذه المنطقة، ثم إنها لا تتعلق إلا قليلاً بالشاطئ وببعض أسماء القبائل الرئيسة. كانت الوديانُ القاسية في الجانب الشركسي مسكونة منذ العصور الموغلة في القدم بشعوب فخورة جداً بالاستقلال، ولم ترضخ البتة لأي نير، على الأقل بطريقة دائمة. وكانت القرصنة والسلب دائماً شواغلها الاعتيادية، ومصدر رعب للأجانب. والقليل من الأفكار التي استطاع الإغريق ضمن هذه الحقبة الطويلة الممتدة لأكثر من ألفي سنة أن يتزودوا بها عن القبائل الداخلية لا تأتي إلا من تقارير غير مباشرة، جُمعت من الشعوب المجاورة، أو حصلوا عليها من أفواه الأسرى. وكذلك لم يأتنا غيرُها خلال مدة طويلة بعد القرن العاشر. ومع ذلك فهناك أمرٌ مهم يُستنتج من الشهادات المقطوعةِ إلى حد ما، وغيرِ الكاملة التي تركها لنا القدماء، وخلاصتها أنه منذ العصور الأكثر إيغالاً في القدم التي وصلت إلينا أخبارها كانت شركيسيا مسكونة بالشعوب نفسها أو بالقبائل نفسها التي تسكنها اليوم، وأن هذه الشعوب أو القبائل كانت تحمل الأسماء نفسها التي تحملها اليوم. يوطّنُ سيلاكس وسترابون وبعدهما بلين الــــ "كيركيت" Kerkètes هناك حيث ما تزال تعيش القبيلة الشركسية الرئيسة وهي الناتخواي. ورغم أن اسم الشراكسة هذا "كيركيت" يجهله الآن السكان الذين نسميهم به فمن المستحيل الشك حسب هذا التطابق، وأيضاً حسب استمرار الاسم عند بعض الشعوب المجاورة التي حصلنا منها على الاسم، في أنه كان يخص قديماً على الأقل قبيلة نافذة؛ وإلا فنوعاً من اتحاد بين قبائل. ومن جانب آخر فالاسم الذي يطلقه الشراكسة على أنفسهم "أديغة Adighè" معروف أيضاً ابتداء من سترابون عند كتاب العصور القديمة كلهم،وعند كتاب القرون الوسطى تحت صيغ متنوعة قليلاً ولكن يمكن تعرُّفها بشكل صحيح تماماً: زيغيه Zyghè أو دزيغيه Dzyghè، زيكس Zikkes، زيكخي Zeckhi، زيخي Zikhi، (1) وهي أشكال تنقلنا ثانية بسهولة إلى أسماء كيشك Kéchek، كيسك Kessk أو كاساخ Kasakh (2) الذي يسمي به المنغريليون والأوسيتُ الشراكسةَ، والتي سيستحيل التعرف إلى تطابقها مع التسمية الأصلية للأديغة دون هذه السلسلة التحولية الوسيطة التي تقودنا إليها من قريب إلى أقرب. وأخيراً اسم الأبخاز Abkhâses، الأباز Abazes أو الأبزاك Abâzaks الذي يخص شعباً مجاوراً في الجنوب، لقبائل من العرق الشركسي.(3) ولما كانت هذه الشعوب[الأبخاز والأباز.. ] تسكن منحدري السلسلة القفقاسية، من جهة حتى سواحل البحر الأسود، ومن الجهة الأخرى في الأجزاء الأشد ارتفاعاً من حوض كوبان، أقول:إننا نجد هذا الاسم ثانية عند المؤلف آريان في بداية القرن الثاني ب. م، وعند كل الكتاب الذين من بعده باسم أباسكي Abaski أو أباسغي Abasgi. ويمكن الإشارة إلى بعض التطابقات الأخرى للتفاصيل كما، بنحو خاص " الساغيد " Saghides لبروكوب الذي يضعهم بين الأباسغي والزيكخي (4) مع قبيلة الأباظة التي من كاخه Chakhe أو ساخي Sakhi، والتي يمكن أن نجدها ثانية في المكان نفسه. ولكن ما سبق يكفي بداهة للإقرار بأنه منذ أقدم العصور التاريخية كان الإقليم الذي نحدده باسم شركيسيا، أي كل القسم الشمالي الغربي من البرزخ القفقاسي، مسكوناً بالسكان أنفسهم، وبأن هؤلاء السكان حملوا دائماً الأسماء التي ما يزالون يحملونها إلى يومنا.
وبفضل الحركة المسماة بالحروب الصليبية في العالم الغربي ستنبعث الآن بعد فترة طويلة الأشعةُ الأولى من ضوء حديث للتاريخ الجغرافي لبلدان القفقاس. والحلف الذي أبرمته جنوة عام 1264 مع الإمبراطور اليوناني "باليولوغو"، رغم قرارات الحرمان التي أصدرها البابا، ضَمِن لهم احتكار تجارةَ الشرق كلها تقريباً، الجاريةَ آنذاك عبر شمال بلاد الفرس [إيران]، وبحر قزوين والبحر الأسود. وابتداء من ذلك الوقت، وطوال ثلاثة قرون تقريباً، اخترقت سفن شراعية من جنوة البحر الأسود. وامتلأت شواطئ القرم، وكذلك شركيسيا، بوكالاتٍ تجاريةٍ من جنوة محميةٍ بكثير من القلاع التي ما تزال أطلال أكثر من واحدة منها قائمة، والتي تركت ذكريات عميقة في موروثات السكان الشفهية. وهذا الارتياد المألوف للبحر، والذي قام به أمهر البحّارة، كان ضرورياً لتكتمل به الجغرافيا. وكذلك تظهر في القرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر خرائط كثيرة لهذا البحر رسمها بحّارة جنوة، وما يزال بعضها محفوظاً في مكتبات أوربا الكبرى. وقد رسم الكونت بوتوسكي واحدة منها، وعرّف منها خمساً أخرى في "بحث في رحلة بحرية جديدة لــــ بونت – أُكسان Pont –Euxin". (5) وباستثناء قليل من التوسع الطولي فالخارطة التي صممها الكونت بوتوسكي كنموذج (6) تُمثّلُ من ناحية الشكل العام والتفاصيل المثبتة تمثيلاً دقيقاً إلى حد ما الرحلةَ البحرية إلى البحر الأسود. وتقدم هذه الخريطة كجميع الخرائط البحرية سجلاً للشواطئ دون أي تفصيلات للداخل. وعلى الشاطئ الشركسي وهو الوحيد الذي أهتمُّ به هنا، بالإضافة إلى اهتمامي بسلسلة من أسماءِ أعلامٍ ذات طابع إيطالي بالشكل وبالأصل ولا تتطابق على نحو دقيق مع الأماكن الحالية، نجد فقط الكلمات الثلاث زيكسيا Ziccia، أفوغاسيا Avogassia، مانغريليا Mengrellia مكتوبةً بحروف كبيرة، انطلاقاً من كوبان إلى الشمال، ونزولاً نحو الوسط. وهكذا إن سُمح لنا إذن أن نستنتج من هذه الخرائط الجنوية التي أمكن الحصول عليها من نهاية القرن الثالث عشر إلى بدايات القرن السادس عشر معرفةً أكثر تفصيلاً للشاطئ فلن نستطيع استخلاص شيء منها يدل على أفكار جديدة استطاع الجنويون في هذه الفترة الممتدة قرنين أو ثلاثة الحصول عليها عن البلاد نفسها وعن السكان، لأنه لم يتبق منها أي أثر.
من المحتمل حقاً، مع ذلك، أن العلاقات التجارية المحدودة التي تأسست بين المؤسسات التجارية الجنوية((échelles (7) وبين سكان تلك البلاد منحت الوسائل للجنويين لدراسةٍ ومعرفةٍ أفضل لأخلاق الشراكسة والأباظة وعاداتهم لم يسبقهم أحد إليها. وبالإضافة إلى ذلك فما يبرهن لنا ذلك بطريقة إيجابية هو شهادة شخص من جنوة اسمه جيورجيو دو راموسيو حُفظت في المجموعة القيِّمة لراموسيو، ورغم أن صفات الرجل ليست مذكورة على نحو مفيد في المقدمة التي كتبها الناشر في بداية الشهادة إذ وُصِف فقط بأنه شخص مستقيم ورجل خير فلا يمكن أن نشك في أن هذه [الصفات] وسائلُ معينةٌ على التجارة قادته إلى الزيخ أو الشراكسة الذين من البديهي أنه عاش بينهم ما يكفي ليلاحظ أعرافهم وأساليب عيشهم. وكانت المؤسسات التجارية في البحر الأسود التي قوّضها من أساسها الاتجاه الجديد الذي اختطّه أهل البندقية للتجارة إلى الشرق عبر البحر الأحمر منذ تحالفهم مع سلطان مصر عام 1346،قد سقطت في انحطاط تام في عصر جيورجيو أندريانو؛ ولكن علاقاتٍ من ذلك النوع التي كان أسسها الجنويون في جوار البلاد القفقاسية لم تتوقف هكذا دفعة واحدة، واستمرت زمناً طويلاً دون أن يكون لها الأهمية نفسها في أدنى المستويات. ورغم أن العصر المحدد لرحلة أندريانو لم يُشَر إليه فقد نسب إليه أنه وضع الأعوام 1550 _ 1557 حدوداً لها. والشهادة مقتضبة ولكنها جوهرية وذات دقة كاملة، وهي التي كتبت على نحوٍ مُرضٍ أكثر من غيرها عن الشراكسة حتى النصف الثاني من القرن الأخير. ورغم أن شهادة أندريانو ترجمها سابقاً دوبوا دو مونبيريو في كتابه العلمي عن القوقاز (8) فإنها لا تفيد كثيراً كنقطة مقارنة مع ما كان قد نُشِر منذ ذلك الحين، ما يدفعني إلى أن أعفي نفسي عن إعادة الكلام عليها هنا.
"الزيكي Zychi، يقول الراوي، الذين يسمَّون في الإيطالية واليونانية واللاتينية هكذا، وفي التركية والتترية شيركاسي Tchiarkassi، وهم يسمون أنفسهم أديغة Adiga، يسكنون من نهر تانا أو الدون على كل الضفة الآسيوية إلى البوسفور التي تسمى اليوم فوسبيرو، إلى بوش دو سان جان [ مصبّ القديس سان جان]، ومصب بحر زاباش أو بحر تانا الذي كان يسمى قديماً بالوس ميوتيد (9).ثم ينتشرون على امتداد البحر نحو الجنوب إلى خليج بويس (10) في جهة " فاز ". ويجاورون هنا الأفوغازي التي هي جزء من كولشيد.(11) وكل هذا الساحل من الداخل ومن الخارج يمكن أن يبلغ طوله 500 ميل. ولا يمتد إلا إلى مسير خمسة أيام نحو الشرق في داخل اليابسة. ويسكن الزيخ كل هذه البلاد دون أي حدود مسورة، ومكانهم المفضل والأكبر هو وادٍ صغير في وسط البلاد يسمى كروموك (12). وموقع هذا الوادي أفضل، ومسكون أكثر من الأمكنة الأخرى.(13) وتتاخم أرضُهم أرضَ الشيت أو التتر. ولغتهم مختلفة تماماً عن لغة جيرانهم، وتُنطق كثيراً من الحلق.
"ويقولون عن أنفسهم إنهم مسيحيون، وعندهم بطاركة يونان، ولكنهم لا يعمّدون من أطفالهم إلا من تجاوز الثامنة. والبطاركة يرشّونهم فقط بالماء المقدس على طريقتهم مُتْبِعين العمليةَ بمباركة قصيرة. ولا يدخل النبلاء إلى الكنائس إلا عندما يبلغون الستين. وبما أنهم يعيشون جميعهم من قطع الطرقات فإنهم يجعلون من هذا وسواساً ويعتقدون أنهم يدنسون الكنيسة. ولكن يمتنعون عن السرقة والنهب عندما يتجاوزون ذلك العمر، ويحضرون القداديس الإلهية التي كانوا يكتفون في شبابهم بالاستماع إليها عبر باب الكنيسة وعلى الحصان.
"ونساؤهم يلدن متمددات على القش الذي حسب اعتقادهم يجب أن يكون السرير الأول لكل مخلوق. ثم يحملون الطفل إلى النهر ويغسلونه رغم الجليد والبرد الذي له طابع خاص في هذه المنطقة.(14) ويسمون المولود الجديد باسم الشخص الغريب الأول الذي يدخل البيت بعد الولادة.
"وليس لهم كتابة. وبطاركتهم يقيمون القداديس على طريقتهم، ويستخدمون الصيغ والأساليب الإغريقية التي لا يفهمونها. وحين يريدون الكتابة إلى أحد، وهو نادر عندهم، فاليهود هم من يقومون بهذه الخدمة مستخدمين الأبجدية العبرية. وفي ما عدا ذلك فإن عظاتهم شفهية وعن خبرة. (15)
وينقسمون إلى نبلاء، ورقيق يتبعون الأرض أي أقنان، وعبيد. (16) ومرتبة النبلاء محترمة جداً من أصحاب المراتب الأخرى، ويُمضي النبلاء وقتهم على الخيل. ولا يهمّهم ألا يملك أتباعهم أحصنة. وإذا كان أحد الأتباع يربي مهراً انتزعوه منه وأعطوه مكانه رأساً ما من الماشية قائلين له: هذا ما يناسبك وليس الحصان.
وكثير من هؤلاء النبلاء لهم مُقطَعون. (17) ويعيشون مستقلين أحدهم عن الآخر، ولا يريدون سيداً عليهم غير الله. وليس لهم قانون مكتوب ولا شخص يدير العدالة. وما يبتُّ في قضاياهم هو القوة واللقب أو أحكامٌ اعتباطية أخرى.
"هؤلاء النبلاء يتفانون في ما بينهم. ولا يعفّ القريب عن قتل قريبه، ولا الأخ عن أخيه؛ وحين يذبح أخ أخاه لا يثنيه أي هاجس عن قضاء ليلته التالية مع امرأة القتيل. ولما كانوا يسمحون لأنفسهم بامتلاك كثير من النساء فإنهم يرون أن اقتناء كل النساء مشروع.[كذا!]
"وما إن يبلغ ابن أحد النبلاء سنته الثانية أو الثالثة حتى يعهدوا بتربيته إلى خادم يعلمه ركوب الحصان والرماية بقوس صغير بالتسديد على الدجاجات والطيور والخنازير... (18) ثم بعد أن يكبر قليلاً يذهب إلى صيد هذه الحيوانات داخل ملكيته؛ وحين يصبح رجلاً تقتصر حياته على الصيد المستمر للحيوانات البرية أو الأهلية، وحتى للبشر.
"الجزء الأكبر من بلادهم مستنقعي ويغطيه القصب والأسل. (19) ولهم دروب وممرات سرية يذهبون من خلالها خفية لنهب الفلاحين الفقراء مواشيهم، وأطفالهم لبيعهم. ولما لم يكن مألوفاً في هذه البلاد استعمال أي نوع من النقود، ولاسيما في المناطق الداخلية، فكل أسواقهم تجري بــــالمبادلات أو قطع من القماش تستعمل لصناعة القمصان.(20)
"ويُساق القسم الأعظم من هؤلاء العبيد إلى القاهرة حيث يصلون إلى أعلى المراتب ويصبحون السادة الأوائل لعصرنا سلاطينَ وأمراء...
"وتتألف ثيابهم العلوية من معطف من الفرو مفتوح ليسمح للذراع اليمنى بالبروز. وعلى الرأس قلنسوة مقرَّنة من الفرو تنتهي على شكل ثمرة صنوبر. وتحت المعطف يرتدون قميصاً من الحرير أو من الكتان أو القطن مثنياً من الخاصرة إلى الأسفل كالتنورة الرومانية القديمة terrilicci.ويلبسون جزمات وجوارب أنيقة جداً وسراويل فضفاضة من القطن أو الكتان. ولهم شوارب طويلة جداً. ويحملون دائماً كيساً صغيراً من الجلد يتدلى إلى الجانب، تطرزه نساؤهم،يضعون فيه قداحة. وتلازمهم دائماً سكين الحلاقة وحجر المسنّ ليتمكنوا من الحلاقة، واحدهم للآخر، دون أن يتركوا إلا خصلة واحدة على قمة الرأس ليستطيعوا في حال قطعه أن يمسكوا به دون أن يوسخوه بأيديهم الملطخة بالدم والمبلولة.
"وعندهم أكوابٌ كبيرة وثقيلة من الذهب، تساوي من الـــ 300 دوقا إلى الـــ 500 (21)، وقطعٌ أخرى من الفضة. ويشربون في هذه الأكواب باحتفالية كبيرة، أو باسم الله والقديسين والأهل والأصدقاء الأموات، مُحْيين ذكرى بعض الأعمال المميَّزة أو الأعمال الجديرة بالتخليد، مع تبجيل شديد لهم ولها، كما لو كانوا يقدمون قرابين، حاسري الرؤوس دائماً لإظهار مزيد من التواضع.
"وينامون وزَرَدُهم تحت رؤوسهم كوسائد، وأسلحتهم قريبة منهم تحسُّباً لأي مفاجأة. وفراشهم مصنوع من جلد محشو بأزهار القصب.
"وهم يعتقدون أنه لا يحق لأي شخص حتى لو كان ملكاً أن يلقَّب بالنبيل ما لم يكن معروفاً به على الدوام. ولا يريدون من النبيل أن يعرف الحساب أو التجارة إلا إذا كان ما يبيعه غنيمة، بذريعة أن مهمة النبلاء هي حكم الشعب والدفاع عنه والذهاب إلى الصيد والانخراط في التمارين الحربية.
"يثمنون الحرية عالياً، ويمنحون كل ما يملكون بسهولة باستثناء الخيل والسلاح. وإذا لبسوا ثياباً جديدة أو قميصاً من الحرير القرمزي كان عاراً عظيماً عليهم إن لم يعطوها عن طيب خاطر إلى أول من يطلبها منهم. وحالما يرجوهم أحد يتخلون عن الثياب ليكسوا ذلك البائس ذا الثيابِ الرثةِ المتسخة غالباً والممزقةِ. (22) ولهذا فلباس النبلاء أسوأ دائماً تقريباً من لباس الآخرين، باستثناء الحذاء والحصان والسلاح التي لا يمكن التخلي عنها لأحد، والتي هي المظهر الرئيس لأناقتهم. وأحياناً يعطي نبيل كل ماله من أجل حصان لأنه يُنظر إلى هذا الحيوان باعتباره شيئاً ثميناً.
"وإذا كان في غنيمتهم ذهب أو فضة، أو إذا حصلوا عليهما بوسيلة أخرى، صنعوا منها حالاً هذه الآنية vase الكبيرة، أو استعملوها لتزيين سروج أحصنتهم أو أسلحتهم لأنه لا مكان لهما في الحياة. أما الذين يقطنون في السواحل فهم أكثر توجهاً إلى التجارة.
"يحاربون يومياً التتر. الذين يحيطون بهم من كل الجهات. ويجتازون أحياناً حتى البوسفور على الجليد لينهبوا سكان شيرسونيز التركية Chersonèse. وعدد قليل منهم يطرد جيشاً كاملاً من هؤلاء لأن تسليحهم أفضل، وهم أرشق أجساداً وأشجع قلوباً.
"التتر يتحملون على نحو أفضل كل أنواع الحرمان والتعب. ويحاربون أعداءهم غالباً عندما يستطيعون استدراجهم إلى مستنقع ما، أو على الثلج، أو الجليد، أو في الأماكن المحرومة من كل مصدر غذائي حيث يمنحهم ثباتُهم وعنادهم النصر.
"الزيخ عموماً وسيمون، وأجسادهم متناسقة، وهم مرغوبون لدى مماليك القاهرة. ونساؤهم ودودات جداً مع الأغراب.
"ويقومون بواجب الضيافة بودٍّ عظيم نحو كل إنسان. ويسمون الضيف "قوناق" konak. وحين يغادر الضيف يرافقونه إلى المستقبِل الآخر، ويحمونه حتى لو غامروا بحياتهم. ورغم أنهم ينظرون إلى السلب مكسباً عادلاً تماماً فالقوناق يتعاملون في ما بينهم بمنتهى الإخلاص، سواء في المنزل أم خارجه. (23) "ويعتمدون في جزء كبير من معيشتهم على السمك المسمى بالحفش (24) والذي ما يزال يحمل الاسم نفسه. ويشربون من ماء أنهار بلادهم المناسب جداً للهضم. ويأكلون كل أنواع اللحوم الحيوانية الأهلية والبرية. وليس عندهم قمح أو خمر. وعندهم كثير من الذرة البيضاء والحبوب المشابهة التي يصنعون منها الخبز ومختلف أنواع الأطعمة. ويشربون من البوظة boza (25) ونبيذ العسل. ومنازلهم مبنية كلياً من القش والقصب والخشب. ومن العار الشديد على أمير أو نبيل أن يبني لنفسه حصناً أو بيتاً من الحجر لأن هذا علامةُ خوف، واعترافٌ بعجزه عن المحافظة على نفسه والدفاع عنها. ويسكنون جميعاً في هذه البيوت. وفي أي مكان وعلى امتداد البلاد لا يُرى أثر لقلعة مسكونة. وما يُرى هنا وهناك من أبراج وأسوار أثرية فالفلاحون هم من يستخدمونها لأن النبلاء يشعرون بالعار من سكناها. (26)
"ويُرون كل يوم وهم يصنعون سهامهم بأنفسهم، حتى وهم على صهوات الخيل. ويندر أن تجد ما يُقارَن بسهامهم، سواء من ناحية خفتها أم أناقة سقْيِ سِنانها أم مفعولها.
"ولا تنشغل نساء النبلاء إلا بتطريز أكياس القداحات والأحزمة الجلدية ذات اللون الواحد.
"ومآتمهم غريبة جداً؛ فإثر موت أحد النبلاء يُبنى في الريف شبه قبة عالية من الخشب، ويوضع عليها الجثمان في وضعية الجلوس بعد أن تُنزع منه أحشاؤه، وطوال ثمانية أيام يزوره الأهل والأصدقاء والتابعون له، ويُحضرون أقداحاً من الفضة وسهاماً ومراوح... وعلى جانبي شبه القبة يجلس الرجلان الأسنّان من بين الأقارب مستندين على عصويهما؛ وعلى اليسار فتاة شابة مع مروحة مغطاة بقطعة من الحرير تستخدم لطرد الذباب حتى عندما تتجمد الأرض. وفي مواجهة المتوفى على كرسي على الأرض تجلس الزوجة الأولى من زوجات المرحوم تحدق فيه دون أن يطرف جفناها ولكنها لا تبكي، لأن البكاء عار. ولا تكاد زوجته تفارقه طوال ثمانية أيام. وفي نهاية الأيام الثمانية تؤخذ قطعة كبيرة من جذع شجرة تُشقُّ نصفين وتحفر ليوضع الجثمان والأعطيات بينهما. وبعدها يُنقل إلى المكان المختار لقبره حيث يرفع الجمهور التابع للموكب القبر مكوِّماً التراب على النعش. وكلما ارتفع نفوذ المتوفى وكلما كثُر أصدقاؤه وأتباعه ازداد القبر حجماً.
"وبعد الدفن، وطوال بضعة أيام، في ساعة العَشاء يُسرج حصان المرحوم، ويؤمر أحد الخدم باصطحابه ماشياً على قدميه إلى القبر المبني حديثاً حيث ينادي المرحوم باسمه ثلاث مرات لدعوته إلى العشاء باسم أهله وأصدقائه. وبعد أن ينجز الخادم هذه الإجراءات يُعيد الحصان قائلاً إن المرحوم لم يُجب. وبعدها يأكل أهله وأصدقاؤه على شرفه مرتاحين إلى أنهم قاموا بواجبهم" انتهى الاقتباس.(27)
وضع أندريانو أمام عيوننا بحثاً أميناً عموماً رغم أنه ناقص في بعض النقاط، عن الحياة الداخلية للشراكسة، ولكن بالنسبة لجغرافية بلادهم لم يترك أي أثر. كما قلت، فباستثناء المعارف التي قدمها عن الساحل خرائطُ البحارة المعاصرين له، نبحث عبثاً عن مكان آخر فيه معلومات جغرافية أكثر توسعاً عن الداخل. وهذه هي حال المعرفة المحصَّلة عن شركيسيا في منتصف القرن السادس عشر.
يجب أن نمضي في الزمن ثمانين عاماً لنصل إلى رحالة آخر زار بلاد الشراكسة. أو على الأقل ترك أثراً مكتوباً عن زيارته. وهذا الرحّالة هو جان دو لوقا. ورغم انتمائه إلى رهبانية سان دومينيك فلا يبدو أنه عبر شركيسيا بصفة رجل دين، بل بصفته مكلفاً، لا يُعرف بأي مناسبة أو بأي خطة، بمهمة سياسية من قبل ملك بولونيا.(28) وجرت الرحلة في حدود عام 1637، فزار القرم وأرض النغوي والشراكسة. وشهادته القصيرة جداً، كما هي شهادة أندريانو، أخذها تيفونو وأدرجها في الجزء الأول من مجموعته. (29) ويُرى أنه في تلك الفترة الفاصلة بين أندريانو وجان لوكا بدأ الأتراك يمدون في شركيسيا تأثير عبادتهم ولغتهم. يقول سفيرنا الدومينيكي: "الشراكسة، يتكلمون الشركسية والتركية؛ إنهم خليط؛ بعضهم مسلم، والآخرون من العقيدة اليونانية. ولكن العدد الأكبر هم مسلمون لأنهم، مع أن البطرك الذي في تيركي يذهب إليهم أحياناً ليقود قداس التعميد ويعلمهم بعض الأمور عن الدين، صاروا كالأتراك في سائر الأيام. ولم يبق لهم من ديانتهم اليونانية إلا عُرفُ حمل الأغذية إلى قبور موتاهم وممارسة بعض الصيام". ثم يقدم جان دو لوقا معلومات جديدة تتعلق بعادات الضيافة عند الشراكسة ونمط حياتهم: "ليس في الأرض شعب أجمل منهم، ولا من يستقبل الأغراب على نحو أفضل: إنهم يخدمون بأنفسهم ثلاثة أيام من يقيم عندهم. الشباب والصبايا يخدمونهم برؤوس حاسرة، ويغسلون لهم أقدامهم، والنساء يتعهدن بغسل ملابسهم الداخلية. وبيوتهم تتألف من صفين من الأعمدة المغروزة في الأرض، وبينهما تُشبَك أغصان الأشجار، ويحشون ما بينها بالملاط ويغطونها بالقش. وبيوت الأمراء مبنية بالطريقة نفسها ولكنها أكبر وأعلى. وتتوضع قراهم في الغابات الأشد كثافة. ويحيطونها بالأشجار المتشابكة لجعل الاختراق صعباً على فرسان التتر. وهم غالباً في اشتباك معهم لأنه لا تمر بضع سنوات دون أن يقوم التتر ببعض الهجمات في بلادهم من أجل استعبادهم، يغريهم بشكل رئيس جمالُ هذه الأمة. ويقوم النغوي أيضاً بغارات للسبب نفسه.والغارات المستمرة التي يفرضها هؤلاء على الشراكسة جعلتهم متمرسين بالشدائد وأفضلَ الفرسان في تلك النواحي كلها. يطلقون السهام إلى الأمام وإلى الخلف. وهم شجعان. يحملون السيوف العريضة. ويرتدون على رؤوسهم نوعاً من الزرد يغطي وجوههم. وعندهم من الأسلحة الهجومية، بالإضافة إلى الأقواس، رماح طويلة وقصيرة. وفي الغابات يمكن لشركسي واحد أن يجابه عشرين تترياً. لا يهتمون بسرقة أحدهم للآخر؛ فهي فيما بينهم عادية جداً حتى إنه لا يُعاقب من يُفاجأ وهو يقوم بها، بل إن عندهم بعض التقدير لمن يقوم بها بمهارة. والمسنون والذين يحظون باحترام في البلاد لا يقدمون الشراب للشباب في احتفالاتهم إن لم يكونوا قاموا بسرقةٍ ما متميزةٍ بالخفة أو القتل. والشراب المألوف أكثر من غيره في هذه الأمة هو الماء المغليّ مع العسل وقليل من الذرة البيضاء. ويترك هذا الخليط عشرة أيام ثم يغلى. ولهذا الشراب قوةُ الإسكار نفسُها التي للخمر، ولكن هذه الشعوب لا تدمن تماماً عليها. (30) وبدلاً من أقداح الزجاج يستخدمون قرون الجواميس البرية أو الحيوانات الأخرى. (31) وهم يشربون عادة واقفين. وفي الأماكن المقدسة، تُرى كمية من رؤوس الماشية المتبقية من القرابين أو الأضاحي المقدمة. ويُرى بين الأشجار في هذه الأماكن أقواس وسهام معلَّقة وسيوف عريضة تدل على النذور التي وفَوا بها. واحترام المكان عظيم جداً حتى إن كبار اللصوص لا يمسونها البتة. والعهدُ المتبادل بين الزوج وامرأته بأن لا يتزوج غيرها، وتأكيدُ بعض الشهود، هما صيغة الزواج. ولا يتزوجون في حياة الزوجة الأولى إلا لأسباب قاهرة , ويتلقى الأب الذي يزوِّج ابنته بعض الهدايا، والرجال لا تقبل بهم أي امرأة إن لم يقدموا لهن من هذه الهدايا.
وأولئك الذين يجب أن يرافقوا الأموات إلى قبورهم يبدؤون بالصراخ والعويل قبل الوصول إلى منزل المرحوم، والأهل يسوطون أنفسهم، والنساء يمزقن وجوههن، في حين يرتِّل الكاهن على الجثمان بعض ما يحفظه عن ظهر قلب، ويبخِّره [بالبخور] ويضع على القبر الباستا والبوظة، أي الطعام والشراب. ثم يكدّس التراب بعد ذلك على القبر، والربوة التي تتكون تبقى دلالة على مكان القبر. ولا تعرف هذه الشعوب فناً آخر إلا فن الحرب التي تشغلهم جميعاً. ويباع العبيد من تلك البلاد بأغلى من غيرهم بسبب جمالهم والنجاحِ الذي يحققونه عادة في الأمور التي يستخدمون فيها لأنهم، بطبيعتهم، جذابون جداً. وأحصنة شركيسيا مقدَّرة أكثر من خيول التتر لأنها أشد حيوية. وعندهم نهران يصبان في البحر مهمان: أحدهما يسمى "بسي" [ماء] يصب في بحر كالكان Calcane، والآخر يسمى "سيل" يمر قريباً من قاباردا. (32) وهناك أيضاً كثير من السواقي الصغيرة الأقل شهرة لأنه يجري اجتيازها بسهولة عبر المخاضات".
وهذه التفاصيل كلُّها مشار إليها بأكمل دقة. وليس بينها أي تفصيل لا يجده القارئ في حكاية السيد بيل. ولكن القسم الأغرب في حكاية جان دو لوقا هو ما يقوله عن الأبخاز الذين لم يصل إليهم أندريانو: " يسكن الأبخاز الجبال التي تشغل شركيسيا. وعلى يمينهم شاطئ البحر الأسود وإلى الشرق منغريليا. وهذه البلاد تخضع لأميرين: أحدهما يسمى بوسو، والآخر غارابيه. وتمتد هذه البلاد مئة وخمسين ميلاً. وليس فيها مدنٌ مطلقاً. ولكن كثيراً من القرى يقوم على هذه الجبال التي هي أعلى ما رأيت في حياتي، وتمتد إلى شاطئ البحر. ولهم طرائق العيش نفسها التي للشراكسة مع اختلاف واحد فقط وهو أنهم يأكلون اللحم نيئاً تقريباً. ويصنع كثير من الخمر في هذه البلاد. ولغتهم مختلفة جداً عن لغات جيرانهم. وليس لهم قوانين مكتوبة؛ بل لا يعرفون الكتابة. وهم مسيحيون في المعلن دون ممارسة شيء منها عملياً. وقد رأيت كثيراً من الصلبان في هذه البلاد. وهم لصوص كبار ولا يتورعون عن الكذب. وعندهم نهران: سوث – سو وسوبا- سو. (33) وهذا البلد يستحق الإعجاب جداً، وهواؤه صحي جداً. وغاباتهم تنفعهم كملاجئ ومدن. وحين يختارون مسكناً في مكان ما لا يتركونه البتة. وعندهم كافة أنواع الجلود والشمع والعسل والعبيد مصدراً للغنى والبضائع. ومن المألوف أن يبيعوا أتباعهم للأتراك للمبادلة بأشياء أخرى لأنهم لا يتداولون النقود فيما بينهم مطلقاً. وعندهم مرفأ جميل جداً وتأتي إليه كل عام مراكب من " لازي" وطرابزون والقسطنطينية وكافا لقضاء بعض الشتاء فيه. ويسمى هذا المرفأ " إيسكيسوموني " (34) والباعة الذين يأتون إلى هنا لا يمرون على بيوتهم؛ وكل التجارة تجري في المرفأ أو داخل المركب. ويطلب بعضهم من بعض القَسَمَ على ألا يفعلوا أي شر أو يتعاطوا رهائن بينهم. ويتحاربون مع الشراكسة والمنغريليين. وهم رجال ممتازون على الأقدام وعلى الأحصنة، يتقنون استعمال الأسلحة النارية ويحملون السيوف العريضة والأقواس والسهام. ويلبسون تماماً ما يلبسه الشراكسة، ولكنهم يكسون الخيل بكساء آخر. ويحلق بعضهم لبعض اللحى. ورجال هذه الأمم يطلقون الشوارب ويحلقون اللحى. و"باباهم" على عكسهم يطلق لحيته، ويسمون بهذا الاسم [بابا] من يهتمون بغسل الأموات ويدعون إلى الله لراحة نفوسهم. ويضعون أمواتهم في جذوع الأشجار المحفورة التي تستخدم كنعوش بعد أن يُتركوا في العراء على أربعة أوتاد. ولما لم يكن عندهم مساكن إلا من الحطب فعندهم قليل من القطعان وقليل من الأقمشة ليصنعوا منها ملابسهم. ويكتفون بخمرهم وعسلهم ولحوم الصيد والفواكه البرية من غاباتهم. وليس عندهم قمحٌ، ولا يستخدمون الملح ولا يتكلفون مشقة صيد السمك رغم أن سواحلهم غنية جداً به لأنهم كسالى جداً. الصيد البري والسرقة هما كل ما يفعلون. وعندهم ما لا يُحصى من الصقور والبزاة التي يروضونها في ثمانية أيام، وتتزود القسطنطينية وإيران وجورجيا بهذه الطيور من هذه البلاد. وهي مدربة جيداً بحيث تعود مع فرائسها إثر استدعائها بصوت الجرس.
ولما كنت لا أريد، ولا من واجبي، الدخولَ في هذا التاريخ الجغرافي إلا للبلدان التي عبرها السيد بيل، أي شركيسيا تحديداً الواقعة في حوض نهر كوبان الذي يغطيها مجراه إلى الشرق وإلى الشمال، والنطاق البحري الذي يمتد طولاً من مصبات كوبان إلى تخوم منغريليا، ولما كان عليَّ بالنتيجة أن أستثني منها منطقتي القبرتاي [الكبرى والصغرى] اللتين يمكن أن تسميا شركيسيا الشرقية، الواقعتين في حوض تيريك، فلا يهمني الآن حكاية الرحالة " أولاريوس " التي تبحث أخلاق شراكسة قاباردا وعاداتهم، (35) ولا حكاية رحالة آخرين من القرنين السابع عشر والثامن عشر اهتموا أثناء مرورهم بهذا الجزء المركزي و الشرقي من البرزخ القفقاسي، مثل الفلامندي جان سترويس عام 1670، ومعاصره كورني بروين عام 1701 , والألماني جاكوب ليرش عام 1746 و 1747 (36) والإنكليزي هانواي في حدود عام 1750 (37) ومستشار الدولة الروسية ستالان Stahlin عام 1772. وأخيراً رحلة غُفلٌ من الاسم، قام بها ألمانيٌ مجهول عام 1781 لمدينة "مزدوك" في داخل القفقاس.
ساير شاردان عام 1671 الشاطئ القفقاسي والأباظي، من مضيق كافا إلى إيسغاور (إيسكوريا) حيث نزل إلى اليابسة. ولكن لا يمكن الحصول على أي أفكار جديدة مما رواه عن الشراكسة الذين يتحدث عنهم، فضلاً عن أنه تحدث عنهم بكلمات غير ملائمة، والقليل الذي ينقله عنهم يرويه من خلال البحارة الذين كان معهم أو العبيد الشراكسة فحسب.
وليس هناك الكثير الذي يمكن تعلمه من الشهادة المبهمة جداً والمقتضبة جداً كذلك لطبيب فرنسي اسمه فيراند كان طبيب خان التتر، زار قاباردا عام 1702 محاذياً شمال جوانب كوبان. ورغم أن شهادة "لاموتراي" الذي عبر خط الرحلة نفسه تقريباً عام 1712 أكثر دقة وتفصيلاً، فإنها لا تضيف كذلك، باستثناء إرشادات إلى بعض المواقع باتجاه الصعود إلى كوبان، فكرةً جديدة واحدة إلى ما قدمه أندريانو وجان دو لوقا. يمكن أن نقول إذن إنه حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر لا يُعرف عن الشراكسة وجيرانهم الأباظة إلا ما رواه هذان الرحالتان القديمان اللذان لا نعرف عنهما غير ذلك إلا القليل، بل المنسيان كلياً، وكذلك تقتصر الأفكار الجغرافية الوحيدة على حوض كوبان والإقليم الجبلي المحاذي للشاطئ الشرقي للبحر الأسود على خارطة " دوليسل " المنشورة عام 1723 (38) عندما أعطى "دانفيل" عام 1760 "القسم الثالث من خريطته لأوربا" المتضمنة لشركيسيا، وفيها رُسمَ الشاطئُ من مضيق كافا إلى منغريليا بصورة شائهة جداً، وكامل الجزء الشرقي من البحر الأسود في مجموعه مُزاحٌ درجة تقريباً إلى الشرق؛ ولكن يُرى فيها للمرة الأولى مرسوماً بطريقة دقيقة على نحو صافٍ هذا المضيقُ والإقليم الطويل المحصور بين البحر من جهة والسلسلة القفقاسية من الجهة الأخرى، بدءاً من أنابا حتى "سوخومي قلعة" وحدود منغريليا. ويَقسم "دانفيل" وهو على حق، معتمداً بداهة على معلومات الجغرافيا الجورجية، هذه المنطقة بين الزيكيتي Zikéti أو بلاد الأديغة إلى الشمال، والأبكازيتي Abkazéti أو بلاد الأباظة إلى الجنوب، ويعطي كحدود عامة لهذين القسمين الرئيسين نهر سوتشياه Soutchiah المجاور إلى الشرق. وتتفق [خريطة] "دو هاميشلر" في هذا [التقسيم] مع المعلومات التي يعرفها ويرويها السيد بيل. (39) ومن البديهي لدى تفتيش هذا الجزء من خارطة جغرافيّنا الشهير أنه كان تحت تصرفه أبحاث جديدة تماماً ودقيقة جداً بالنسبة إلى سجلّ الشاطئ لأنه يظهر فيها للمرة الأولى عدد من أسماء المواضع التي نجدها ثانية فيما رواه السيد بيل.
تطرقنا إلى عصر مهم في التاريخ الجغرافي لبلاد تخضع للسيادة الروسية، إلى العصرِ الذي كلفت فيه كاترينُ الثانية عام 1768، وهي الوريثةُ المستحقة للمخططات الكبيرة لبطرس الأول، نخبةَ علماء إمبراطوريتها بالاكتشاف المتزامن لكل الأقسام. وفي توزيع هذه المهمة الواسعة كانت بلاد القفقاس من نصيب صاموئيل جورج غميلان و غولدنستوت. كان على غميلان استكشاف الأقاليم النهرية لبحر قزوين في الجنوب الغربي والجنوب: الداغستان وشيفران ومازونديران. (40) وكلف بالأجزاء الداخلية من البرزخ غولدنستوت. ومن عام 1770 إلى عام 1773، أي خلال أربع سنوات، عبَر غولدنستوت، ودرس بتفصيل بصفته عالم طبيعة وعالم إثنيات، حوضَ تيريك وقاباردا كلها وبلاد الأوسيت والدوغور وجورجيا وإيميريت، أي الكتلة المركزية للكتلة القفقاسية والوديان الكبيرة التي تعتمد على السفحين الرئيسين لتحمل إلى بحر قزوين وإلى البحر الأسود مجموع مياه البرزخ من خلال نهري تيريك وكوبان، أي الكور والريوني. (41) ولأول مرة وُصفت البلاد الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين بدقة في مجموعها، وبدلاً من الأفكار المبهمة والشائهة دائماً تقريباً لبعض الرحالة الذين عبروا من الداخل تلك المنطقة المثيرة للفضول امتلكت أوربا العلمية أخيراً معلومات دقيقة ومفصَّلة عن البنية الطبيعية للبرزخ القفقاسي، وعن البنى الجغرافية لمختلف الأجزاء، وعن الشعوب المختلفة التي تسكنه، وعن أخلاقها وعاداتها ولغاتها الخاصة وتاريخها وتقاليدها.
ولسوء الحظ لم يزر غولدنستوت شخصياً القسم الشمالي الغربي من القفقاس، ولم ير البلاد الواقعة في حوض الكوبان بين مجرى هذا النهر والسلسلة القفقاسية، ولا المنطقة البحرية الممتدة على الجانب الآخر المعاكس لسلسلة مصبات كوبان إلى منغريليا، فبقيت المنطقة التي هي موضوع بحثنا خارج نطاق دراساته، والقليل الذي قاله عن الأباظة على نحو خاص (42) أخذه كاملاً من الشعوب المجاورة،، وخصوصاً من إيميريتي ومنغريليا، ولم يضف شيئاً البتة إلى ما قاله جان دو لوقا عنهم قبل مئة وعشرين سنة. (43) وغولدنستوت أكثر غنى في ما يتعلق بالشراكسة الذين درسهم خلال استراحة في قاباردا. يقدم تفصيلات جديدة، دقيقة وتعليمية، عن أخلاقهم وعاداتهم وحالتهم الاجتماعية، ولكن لا يجب أن نبحث في شهادته عن أي تفصيلات طوبوغرافية عن شركيسيا بالتحديد، غرب قاباردا، ولا، لسبب أقوى، عن أبخازيا.
ربما نستطيع أن ننتظر لوقت أطول الدكتور جاكوب رينيغس Reineggsالذي عبر بعد غولدنستوت بثماني سنوات تقريباً الأجزاء نفسها من القفقاس، بالإضافة إلى أنه زار، كما تشهد مقاطع مختلفة من حكايته، الأجزاء الغربية من شركيسيا وأبخازيا حيث تأسفنا على أن الأكاديمية الروسية لم تَدخلها. وبعد شباب مضطرب وجد رينيغس نفسه (واسمه الحقيقي إيليش) يقيم في تفليس حوالي العام 1780، ويمارس فيها الطب. كان اجتاز سابقاً آسيا الصغرى وأرمينيا، ولم ينو قط إلا عبور إيران والتيبت ليصل إلى الصين، ومن هناك قرر العودة إلى أوربا عبر المحيط الهندي محاذياً إفريقيا، ولكن سواء أكان السببُ نزواتِ خياله المغامرة أم بالنتيجة الظروف التي لم يفكر فيها الدكتور بشأن نقل المعلومات إلينا، فابتداء من هذه اللحظة اتجه نشاطه القلق وحاجته التي لا تتعب إلى الرؤية والتعلم نحو هدف آخر تماماً. وتبعاً ليومياته يبدو أنه ترك تفليس في 10 تموز عام 1781، وبعد رحلة خطيرة جداً استمرت خمسة وعشرين يوماً وصل إلى القلعة الروسية في مزدوك حيث تعرف الجنرال فابريزيان. ولما وجد الجنرال فيه رجلاً ذكياً ويمكن أن يفيده اصطحبه إلى سان بطرسبورج. واستُقبل فيها استقبالاً حسناً ولكنه، وقد أُجبر على أن يحافظ على السرية العظمى، كان البروفسور بالاس الشخص الوحيد الذي استطاع أن يقيم معه بعض العلاقات. وفي العام التالي استُقبل في جورجيا مكلّفاً بمهمة خاصة تتعلق بقرار التخلي الذي خضعت بموجبه المملكة الجورجية للسيادة الروسية: ومن المعلوم أن هذا القرار وُقِّع في إبّان حكم "جورجيفسكايا " في 24 تموز (تاريخ قديم = 4 آب تاريخ جديد) عام 1783. وفي الفترة بين هذه المفاوضات، وبعد توقيع الاتفاق، أي في نهاية عام 1782 _ 1784 زار رينيغس من جديد ودرس بانتباه أكثر لم يمتلكه سابقاً،أجزاءً مختلفة من القفقاس لم يسبق له أن زارها. ولما كان موهوباً جداً في دراسة اللغات تآلف في زمن قصير مع لغات البلدان التي كانت تقوده إليها جولاته. ويبدو أنه عاد في جولة عام 1784 إلى سان بطرسبورج حيث كافأته الحكومة براتب. ثم ارتبط بالجامعة الإمبراطورية بصفة مستشار، وهو منصب احتفظ به حتى وفاته عام 1793 ولم يكن تجاوز التاسعة والأربعين.
لا يبدو أن رينيغس احتفظ بيوميات منتظمة في رحلاته. ربما دوّن في نُبَذٍ متفرقة نتائج جولاته وملاحظاته. وعلى أي حال وُجدت أوراقه بعد وفاته في حالة من الفوضى الشديدة. (44) بل إنه يُحَسّ في كثير من أجزاء عمل رينيغس أنه لم يكتمل، إما لأنه لم يودع بعض التطويرات التي قرر إضافتها إلى ملاحظاته الأولى، وإما كما قال الناشر الألماني لكتابه بصراحة، لأن أجزاء من مخطوطاته بترت منها بعد موته. ومهما كان الأمر فإن ما يرويه رينيغس عن الشراكسة، عن تقاليدهم التاريخية، وعن لغتهم، وعن مظهرهم الجسمي، وعاداتهم المعيشية، وعن معتقداتهم الدينية، مفيد ويُقرأ بسرور حتى بعد غولدانسونت، ولا يتفق البتة مع معظم سابقيه الذين يرفعون كلهم إلى السماء جمال النساء الشركسيات، يقول "لا أعرف فائدة الأحكام المسبقة التي سمعتها عموماً عن فضائل الشركسيات: ساق قصيرة، وقدم صغيرة، وشعر أحمر فاقع، وهذا هو قوام جمال الشركسيات كله. (45) وماذا يساوي هذا بجانب الجسم النشيط والممتلئ حيوية لفتاة جورجية؟ والقامةُ الرشيقة والعين الساحرة الزرقاء للفرس جذابتان وأجمل بمئة مرة من هذه الأشكال المدورة والحادة للشركسية النزقة. (46) وكل الذين يرون نساء "الليزغين" مدهوشون من أن بينهن نموذج التماثيل الجميلة للفن اليوناني. الشركسيات لهن بعض الشيء من هذا القبيل، وعلى نحو خاص جذابات: إنهن فكِهات وشهوانيات ولطيفات وثرثارات جداً، ويتحكمن في أزواجهن بنوع من الفخار الذي يرفعهن إلى الإعجاز، ولكنهن في هرمهن يصبحن ذوات مزاج خصامي لا يطاق. ويقضين نهارهن كله ممددات على صوفا مغطاة ببساط، وهو الأثاث المريح الوحيد الذي يتضمنه خُصٌّ بائس مبني من أغصان أو من نسيج كتاني، ومغطى بالطين أو بالزبل."
يشير رينيغس، مذكراً بأن البلاد التي تمتد من الشاطئ الأيسر لكوبان حتى البحر الأسود كانت تُعرف بشكل عام باسم كوبان، إلى أن هذه التسمية في كل الاحتمالات مشتقة من "كومانس" الذين كانوا يشغلون سابقاً هذه البلاد. والذي لم يبق منه في الذاكرة إلا اسم بورتا كومانا Porta Cumana. (47)
ويروي أن قوة قبائل كوبان (أو الشركس) تقدّر بعدد الأسر أو عدد القازانات، أي عدد القدور، أو عدد النيران التي تؤلف قراهم؛ قدرٌ أو نارٌ لكل أسرة. وحين تذهب عدة أسر معاً بحثاً عن مرعى أو تقيم بعض الوقت في أي مكان فالمكان الذي قاموا فيه بهذه الاستراحة يسمى آأوْل aoûl. (48)
وبالإضافة إلى ذلك يعطي رينيغس تعداداً ناقصاً جداً للقبائل الشركسية المخيمة في جنوب كوبان. وأسماء الأعلام بالنسبة إلى الغالبية، فضلاً عن ذلك، مشوهة جداً على نحو يدعو للرثاء بحيث يجعل من الصعب جداً إقامة ترادف مؤكد مع الملخصات أكثر كمالاً وأكثر دقة مما نملك اليوم.
سأنسخ هنا العدد القليل من خصوصيات طوبوغرافية يعطيها رينيغس عن شركيسيا بالضبط انطلاقاً من بعض التفصيلات عن الجولة الداخلية ومصبات نهر كوبان "إلى اليسار من مصب هيبانيس Hypanis (الكوبان) فالشاطئ حتى ميهوريب معروف بين سكان الجوار باسم أناب Anap أو Anapa أو Anapea. (49) وهذا أيضاً اسم لمدينة تجارية مسكونة ومحصنة، تقع على شاطئ البحر على بعد خمسة عشر فَرْستاً من هيبانيس. (50) ولهذه المدينة ميناء جيد، ويسكنها الباعة الأغنياء، وتتبع حكومةَ أحد الباشوات الذي يقيم في تشوتشو – كاليه (سوجوق – قلعة) Soudjûk_. وهو مكان محصن على بعد خمسة عشر فَرْستاً من أنابا في الجنوب الشرقي. (51) والشراكسة يسمونها سوغستو – قلعة Sghetschou_Kalèh، أو قصر الفئران الصغيرة. والتتر يسمونها كويتسشاندا Koetschanda، أي: "اِذهب إلى أبعد" لأنهم لا يجرؤون على رعي مواشيهم في تلك الناحية. وكذلك الكوبان كلها عموماً لا تخضع إلا بأقصى نفور للباشا وللباب العالي.(52)
" وقديماً كانت المراكب ترسو قريباً من سوجوق – قلعة، والآن يشبه الخليج مستنقعاً، ويجب على السفن الكبيرة أن تلقي مراسيها على بعد بضعة فرستات من الشاطئ. وأخبرني عجوز ذو فطنة أن البحر الأسود تراجع منذ خمسين عاماً ثمانين قدماً. وأشار لي على الشاطئ إلى منحدر لطيف كان مغطى بالماء سابقاً والآن مغطى بالمراعي. بيد أن الارتفاع العمودي لهذا المنخفض المفترض لا يبلغ قدمين وست بوصات.
" وعلى بعد ستين فرستاً من سوجوق – قلعة على ساحل البحر، وعلى النهر المسمى مشوريب Mchorip، أسوار متداعية لمدينة قديمة تحمل الاسم نفسه الذي ينطقه التتر بوغريب Poghrip. (53) وكانت عام 1781 في حالة مزرية ولا يسكنها إلا قليل من المستوطنين الترك. ولكن لما سُمح للتتار بعدما استولى الروس على القرم بالبقاء آمنين في بيوتهم بصفتهم من الرعايا الروس، أو بالهجرة إلى هناك حيث يعجبهم المكان فقد استوطنتها بضع أسر. وتبعتها أسر أخرى حالاً، وزاد الاستيطان في وقت قليل إلى آلاف الأسر التي هجرت تامان. ولحق بهم الباعة الأغنياء الأرمن المعتادون على الحياة التترية واستقروا فيها. وهذا المكان البائس إلى عهد قريب كان في عام 1784 مكاناً تجارياً محترماً جداً.
"وكل الأرض الممتدة من بوغريب إلى بيزونتا (بيتزيونا) ما يزال يحمل اسم شركس – توبراجي Tcherkess _ Topragi " بلاد الشركس". وهذه البلاد يقطعها نهرا "سازوك" و"وانيس"، وهذان النهران وكذلك نهر "ناكيتي" تخص قبيلة الشابسوغ التي تقوم بكل تجارة كوبان بوساطة الباعة الأرمن والجورجيين. وتعتمد هذه التجارة على الخشب، والفراء وشحم الأمعاء والزبدة والجبن والجلود والمواشي والعبيد التي ترسل إلى "سميرن" وإلى القسطنطينية"
يقول رينيغس لاحقاً:" الجبال بعيدة جداً عن أن تكون موضع اهتمام كما يجب. و تشخص للعيون مناجم غنية بالذهب والفضة دون تنقيب. ولكن هذه الشعوب لا تعرف صناعة شيء غير الحديد الذي يهتمون به حقيقة.(54)
وبعد تفصيلات كثيرة عن البنية الجيولوجية للأراضي المجاورة في الشمال للسلسلة المركزية للقفقاس يصل رينيغيس إلى " ألبروز " الذي يصف منه جيداً القمة المسننة التي يشبهها بسنامي الجمل." مدفون دائماً تحت الثلج والجليد حتى ثلاثة أرباع ارتفاعه، ومغطى دائماً بالغيوم: وكلما شوهد الجبل يتخلص من هذا الغلاف البخاري كان علامةً لا تخطئ على المطر، أو في الشتاء على برد شديد. وإذا نظرت عبر منظار جيد إلى تخريم قمة ألبروز وجدته يشبه فوهة بركان، ومع ذلك لا نتاجات بركانية البتة. وارتفاعه حسب الحسابات المكررة هو 5426 قدماً. (55)
يفصّل رينيغس أكثر من أي شخص قبله في موضوع الأبخاز.(هكذا يكتب اسمهم مطابقاً للكتابة الجورجية) وسأترجم هنا هذا الجزء المهم من روايته.
"بيزونتا" وكل الجزء الجنوبي الغربي من جبال غورديان (56) يخص شعباً قديماً قوياً ومحباً للحرب، يسمي نفسه الأبخاز Abkhaz، ويسمي بلاده أفازا Avasa(أبازا). (57)
"وعلى جبهة أفازا في الشمال الغربي قبيلة الشابسغ (58) وإلى الشمال الشرقي الـــ " سوانيس "Soanis. وإلى الجنوب الشرقي نهر أنغوري وإمارة منغريليا. وإلى الغرب البحر الأسود الذي يقع عليه المكان الصغير المحصَّن "أناكوفا" أو "أنا كوبيا" الذي يعود إلى الأبخاز مع مرفأ قريب من نهر "كوري" (إيسكوريا). والمرفأ صغير وقليل الأمان، والسفن مجبرة على الرسو مسافة بضعة فرستات في البحر، ورغم هذا، وبسبب التجارة الداخلية، فهذه المدينة ليست أقل ثراء من غيرها.
"وعلى بعد ثلاثين فرستاً إلى الجنوب تقع "سوبو" وهي كذلك مدينة صغيرة محصنة للأبخاز مع مرفأ قليل العمق وقليل الأمان. وتدعى هذه المدينة "كوغ" ولكنها تسمية خاطئة لأن المكان الذي يشير إليه هذا الاسم حقيقةً هو قرية أبخازية كبيرة تقع على "أنغوري" نحو الجنوب الشرقي.
"وعلى بعد ستين فرستاً إلى الجنوب الشرقي مدينة "أناكليا" مع قصر على الضفة اليمنى لـــ "أنغوري" عند التقائه بالبحر. وهي استراحة الأمير الأبخازي "ليوان سيروازيتس" ورغم أن داخل القلعة لا يمتد إلا أربع عشرة قامة طولاً وثلاثة عشر عرضاً (59). فإنها محاطة بسور ارتفاعه ثمانية عشر قدماً وسمكه خمسة أقدام. وارتفاع الباب من سبعة أقدام إلى ثمانية، وعرضه من أربعة إلى خمسة.
"يسمي "سترابون" هذه الشعوب بــــ "شالدوي Chaldœi. ويسميها "بلين" بــــ "أرمينو –شاليب Armeno_Chalybes. ويسميهم الشركسُ وغيرهم "أواس" Awas و "أواز" Aouâz. ولكن القبائل المعروفة في كوبان باسم "أباسيك" ترى نفسها مستوطنة مفصولة منذ زمن طويل عن جسم الأمة الأبخازية، التي يسمونها أبخازيا الكبيرة، مسمين أنفسهم أبخازيا الصغيرة. والأبخاز أنفسهم تختلف آراؤهم في شأن أصلهم. فبعضهم يزعمون أنهم ينحدرون من الأرمن. وبعضهم على النقيض أن أجدادهم أتوا من مصر. ومهما كان الأمر فسكان أبخازيا الصغيرة والكبيرة يتكلمون اللغة نفسها. إلا بعض الاختلافات في النطق. وعاداتهم متشابهة، وكذلك وسائل عيشهم. وهذه اللغة لا تشبه الأرمنية في شيء. بل يبدو بالأحرى أنها لهجة من اللغة الشركسية.
"قُدِّر عدد الأبخاز بـــسبعة آلاف أسرة. (60). ويفخر كل هؤلاء بكونهم مسيحيين سابقاً.
تستمر خصوبة المرأة زمناً كافياً، ولا يسمح للرجل أن يتزوج على زوجته. ولكن إذا بلغت الثلاثين ولم تنجب، أو مضت خمسة أعوام على آخر إنجاب لها، فعليها أن تتنازل عن حقوق الزواج إلى امرأة أصغر منها، وتكتفي بالعناية ببعض الشؤون الأسرية.
"والأبخاز ذوو أجسام جيدة، أقوياء، وجسورون، ومحاربون. وفي لباسهم، كما في تفاصيل حياتهم الاعتيادية، كثير من الملامح المشتركة مع الشراكسة. بيد أنهم أكثر اجتهاداً ولا يمارسون حياة تنقُّلٍ مثلهم. ويذهب عدد من شبانهم إلى مصر حيث يبيعون أنفسهم كعبيد إلى البكوات، وأحياناً يحالفهم الحظ في أن يصبحوا هم أنفسهم بكوات.
"ولكل أوهامه الخاصة التي يسميها عقيدته. والتي تسيطر عليه كثيراً أو قليلاً حسب قوة خياله. ولما كانت عقائدهم الخاصة متعددة جداً فسأكتفي بذكر بعضها الأكثر انتشاراً فقط.
"فهم يحتفلون حسب عادة قديمة بالاعتدال الربيعي ببيوض ملونة بألوان مختلفة، ويأكلون ويشربون ويستسلمون للفرح. وفي اليوم نفسه، وفي اليومين التاليين، يقيمون سباقات للخيل ومصارعات، وينغمسون في تسليات أخرى. وفي اليوم الرابع يشعلون ناراً عظيمة يقفزون حولها ويرقصون. وخلال الاحتفال يلقي كلٌّ في النار قبضة من الطحين، ومن القمح القديم، ومن الصوف... ثم يتفرقون حين يتعبون من الاحتفال. (61) ولم يستطع أي أبخازي أن يشرح لي دلالة هذا العيد، ولا أن يقول لي لأي هدف جرى ابتداعه. (62). وكل ما استطاعوا تأكيده لي هو أنه كان يُحتفل بهذا اليوم دائماً بهذه الطريقة منذ أقدم العصور. وإنه في النتيجة لا يعيبهم في شيء أن يفعلوا كما كانوا يفعلون.
"في بداية شهر أيار يجتمعون في غابة كثيفة يعتبرونها مقدسة لا يجرؤ أحد أن يقطع منها شجرة لأنهم كانوا يعتقدون أن قطعها إهانة للكائن الأكبر (63) الذي لا يمكن تشريفه أو عبادته على نحو احتفالي صاخب في أي مكان إلا هذه الغابة، ومع مزيد من الأمل في أن تُرى النذور التي وضعوها نُصب أعيُنهم قد تحققت.
"وفي هذه الغابة التي يجد فيها الإنسان الأمان بشكل عامٍ صليبٌ كبير وسميك من الحديد يحرسه ناسكان تقيان. أما كيف زُرع هذا الصليب ومَن زرعه فهذا ما يجهلونه. ولكن النُسّاك يروون في شأن هذا الصليب أشياء غرائبية وتجليات خارقة ليس لها أي علاقة بالمسيحية، ويعرفون كيف يستخلصون منها جزءاً صالحاً لاجتذاب العطايا والتقدمات من الشعب.
"ولكن العيد الروحي الأكثر أهمية للأبخاز يأتي في منتصف أيلول، ويُحتفل به مع كثير من المتع والمظاهر الفخمة. ففي جبل من البلاد كهفٌ مظلم يعدّه السكان مكاناً مقدساً جداً ويحميه النساك بعناية فائقة. وهو الملجأ الحقيقي للحرية لأن العبد يصبح حراً حالما يستطيع الالتجاء إلى هذا الكهف، والقاتل يهرب من انتقام أصدقاء ضحيته فتكون سعادته في أن يبلغ الكهف ويختبئ فيه خفية عن عيون النساك. ويُقسم الأبخاز بالكهف ويمكن الاطمئنان آنذاك إلى بَرّه بقَسَمه.
"قبل العيد ببضعة أيام يجتمع النساك الذين كانوا متفرقين في الغابة ويقتربون من الكهف الذي يسمى أوجين Oggin بعد عبادات عظيمة وصلوات وصيام. وحين يلتئم شمل الشعب كله يخرج فجأة من الكهف ثور أبيض يحمل اسم أوجين أيضاً. يمسك الأسنّ والأقدس من النساك والذي يحمل لقب التشريف "هوراواتز" Hurawatz بالثور ويرسم له حلقة وسْط تهليلات الحشد المؤلف بكليّته من الرجال لأن النساء ممنوعات من حضور هذه الاحتفالات. ويُقتل الثور حينذاك ويوزع على الحضور. وسيعتقد كلٌّ منهم أنه الأتعس حظاً إن لم يتلق قطعة من اللحم الذي تَقَدّس. ثم تجمع العظام بعناية وتُحرق في حفرة عريضة وتُدفن. (64)
"تقدِّم الزراعةُ متطلبات الأبخاز ببحبوحة. وأرضهم كلها خصبة جداً ولاسيما الوديان والأرياف المفتوحة التي تستقي من نهر "ودارا" و"غيرتسشي" Ghertschis. (65) ويعرفون فن تربية الماشية والنحل، ويستخدمون الحديد الذي يحولونه إلى فولاذ ممتاز يصنعون منه البنادق والسيوف والمُدى. ولابد أن جبالهم تحتوي على مناجم غنية بالفضة ولكنهم لا يستخرجونها، والاقتراب منها ممنوع.
"والنساء ماهرات جداً في غزل القطن، وتُصدَّر كل سنة كميات كبيرة من القطن المغزول إلى "سميرن" و"سالونيك".
وهذه هي الشهادة التي قدمها لنا رينيغس عن هذا الشعب الذي ما تزال معرفتنا به قليلة جداً، حتى إن اسمه الحقيقي بقي مجهولاً حتى الأزمنة الأخيرة من الجميع، بمن فيهم رينيغس، الذين تكلموا عليه. ولكن لا نستبقِ الأضواء الجديدة التي سنراها تبزغ قريباً.
ويجب ألا أنسى أن أذكر، في خلال مروري، معيداً النظر بالتسلسل للرحالة والكُتاب الذين تدين لهم أوربا بأفكار أدق وأغزر بالتفاصيل عن الشاطئ الشركسي والشعوب التي تسكنه، مؤلِّفَ كتابٍ مفيد عن تجارة البحر الأسود وهو بيسونيل Peyssonel. الذي عمل زمناً طويلاً قنصلاً عاماً لفرنسا في كافا Caffa، وعرف كيف يستفيد من موقعه ليحصل على معلومات دقيقة عن الأقوام التترية في القرم والدون، وكذلك عن شركيسيا وشاطئ الأباظة. وفي عام 1755 كان قد كتب إلى الوزير الفرنسي مذكرةً عمِل على طباعتها بعد اثنين وثلاثين عاماً بعد المؤلف الذي سأذكره. (66) ورغم أن هذه المذكرة تهدف أساساً إلى معلومات تجارية، وتحت هذا التقرير معلومات ما تزال مفيدة إلى اليوم، فهي لا تترك تفصيلات مهمة مغلقة عن الشراكسة وعن تنظيمهم الاجتماعي. ويجب أن ننتبه إلى أنه الكاتب الفرنسي الأول، باستثناء الطبيب فيراند و موتراي اللذين لم يقدما إلا معلومات مبهمة جداً،الذي زودنا بأفكار دقيقة نوعاً ما عن هذه الشعوب المنفية إلى زاوية من القفقاس واقعة خارج الطرق المتبّعة من أغلب الرحالة.
"بالاس" كان في عداد الأكاديميين المعينين عام 1768 لاستكشافِ الإمبراطورية الواسعة للقياصرة ومعرفةٍ أفضلَ لأقسامها المختلفة. ولكنه لم يتقدم في الرحلة الأولى جنوباً إلى أبعد من أستراخان والسهوب الواسعة التي تلامس الضفاف الشمالية لبحر قزوين. وحَدَتِ الرغبةُ في إضافة معارف جديدة عن البلدان القفقاسية العالمَين المستكشفَين دو غميلان وغولدنستوت إلى القيام عام 1793 برحلة جديدة في الإقليم المحاذي لشمال السلسلة القفقاسية. وخلال العامين اللذين استغرقتهما الرحلة 1793 – 1794لم يخترق بالاس لا بلاد الشراكسة الغربيين، ولا بلاد الأباظة، ولكنه جمع في قاباردا أفكاراً مفصلة جداً عنهما، ولاسيما عن الشراكسة، وتتجاوز التفاصيل التي يُدخِل فيها كثيراً من أفكار غولدنستوت السابقة، وكذلك ما كان جمعه رينيغس مما لم يُنشر بعدُ. (67) وها هي الملاحظات التي يناقش بها بالاس في شأن الشراكسة والشعوب الأخرى الساكنة في شمال السلسلة: " غولدنستوت هو أول من صنف بمقاربةٍ أدقَّ اللغاتِ المختلفةَ التي يتكلمها أهل القفقاس، والمجموعاتِ البشرية الصغيرة وتوحيد كل الأسماء المنتمية إلى لغة واحدة. غير أنّ مؤلَّفه ناقص في كل ما يتعلق بأخلاق هذه الشعوب وعاداتها. وربما أولى هذا المؤلِّف في كتابه عناية بملء الفجوات التي وُجدت في أوراقه بعد وفاته. (68) لم أهمل شيئاً إذن للحصول على الملاحظات الأكثر دقة بخصوص الأشخاص الذين يعرفون جيداً هذه الجبال بين ملاحظات أخرى لليوتونانت – كولونيل دو ستيدر. (69) وسأرويها بأمانة دون التمحيص في ما يمكن أن تحتويه من مطابقة أو معارضة لملاحظات غولدنستوت، لإرشاد الرحالة الذين سيزورون لاحقاً هذه الأقطار"
بالاس بعيد جداً عن تحقير الشراكسة كما فعل قبله معظم الزائرين؛ إنه يصورهم كأنواع من الخيالة الذين يتبعون في ما يلتزمون به في ما بينهم، ووجهاً لوجه أمام تابعيهم، نظاماً كاملاً للإقطاع شبيهاً بذلك الذي كان الفرسان الألمان يُدخلونه سابقاً في بروسيا وفي ليفوني. ويضيف "إذا اعتبرنا الأمراء والنبلاء يؤلفون وحدهم جسم الأمة، وأن تابعيهم هم تقريباً كل العبيد المأسورين من شعوب أخرى كانت تخوض معها حروباً، وتتكلم اليوم لغة أسيادها الذين لقوا منهم معاملة لطيفة جداً، فإنه سيُحكم بحكم أقل قسوة على البناء الأرستقراطي لهذا العرق الشجاع من المغامرين والذي [العرق] لا يستطيع أن يتحمل أي نيرٍ. ويسوِّغ حروبهم ذات الطابع التمردي ضد خانات "توريد" ثم ضد الروس. إن مناقشاتهم الداخلية وتقاسم السلطة بين كثير من الأمراء الصغار المستقلين الذين تفرقهم المصالح تجعل لحسن الحظ هذا الشعب من الأبطال أقل رهبة. وسيكون من المرغوب جداً أن يُجعل منهم تابعون طيبون، وأن يوحى إليهم حب الانضباط والنظام دون انتقاص شيء من قيمتهم المدهشة: وسيكونون آنذاك دون اعتراض الفرسان الخفيفين الأكثر جرأة وإرعاباً في ساحة المعركة"
يعرف بالاس جيداً الاسم المحلي للشراكسة "أديغة" الذي لم يذكره أحد منذ أندريانو؛ وهو يصورهم بأشكال أكثر إخلاصاً من رينيغس؛ يقول "الأمة الشركسية عموماً جميلة جداً، الرجال ولاسيما الناس المميَّزين، ذوو قامات طويلة ورشيقة، وأجسامهم هرقلية، ودقيقة فوق الوركين. ويستعملون السيف بمهارة كبيرة، وأقدامهم صغيرة، والزند قوي جداً، ولهم هيئة الرومان الحربية. ومع ذلك يمكن التعرف في سحنات وجوه بعضهم على خليط من ملامح أمهاتهم النغوي. وجمال النساء الشركسيات ليس دائماً دون عيب، ولكن لدى معظمهن الشكل الجميل والشعر الأسمر الكستنائي أو الأسود، وملامح الوجه منتظمة. وهم من بين كل الأمم غير المتحضرة مَن رأيت أو لاحظت عندهم هذا العدد الكبير من النساء الجميلات... وتبعاً للفكرة القائلة إن الشراكسة والأتراك يصنعون الجمال فالنساء يجب أن يمتلكن القامة الهيفاء فوق الوركين والبطن البارز في الأسفل" ثم يصف بالاس بكثير من التفصيلات والدقة لباس الجنسين، ومساكنهم وأسلحتهم: ويصورهم في عاداتهم، ويتبعهم في رحلاتهم الحربية، ويرافقهم داخل مساكنهم، ويصف ضيافتهم وانتقاماتهم الشرسة التي تُتوارث شبيهةً بانتقامات جبليي كورسيكا من جيل إلى جيل، ويعرضهم لنا في ألعابهم وتمريناتهم التي لها جميعها طابع حربي. وممهداً هكذا لتعداد القبائل الشركسية التي تسكن حوض الكوبان بين هذا النهر [الكوبان] والجبال، فيسمي بالاس بالتتابع من الغرب إلى الشرق: البسلني (البسني)، والمخوش، والتيمرغوي، والبجدوغ، والحاتيقواي، (70) وأخيراً يذكر القبيلتين الأقل أهمية شاني Chani أو ساني Sani والشاغاكي Chagaki، الأولى قرب أدوغوم Adughoûm أحد الروافد اليسارية لأسفل الكوبان، والثانية نحو شواطئ البحر باتجاه جهة أنابا. والشابسوغ اليوم، إحدى القبائل الأكثر أهمية في شركيسيا، لم يكونوا يشغلون الأرض التي استقروا فيها الآن إلى الغرب من البجدوغ. وأظهرَهم رينيغس في الحقيقة أميل إلى الجنوب نحو الأباظة. وينهي بالاس هذا التعداد ببعض التفصيلات الطوبوغرافية على الجزء من الشاطئ حيث أنابا وسوجوق –قلعة، وهما التجمعان البحريان الوحيدان اللذان يذكرهما.
التفصيلات التي يعطيها الرحالة العالم عن الأباظة Abâzaks الذين يسكنون على طول الجبال السوداء، (71) على الجزء الأعلى من الروافد اليسرى للكوبان، بين هذه الجبال والقبائل الشركسية التي عددناها معه للتو، هذه التفصيلات لها الكثير من الفائدة والأهمية، ولاسيما أن أي رحالة على الإطلاق حتى الآن لم يعطنا معلومات أكمل وأكثر كفاية عن هذا الجزء من أمة الأباظة Abâze.(72) ويميز بالاس منها الأباظة الكبيرة والأباظة الصغيرة. الأباظة الصغيرة أو الألتيكيسيك (73) Altikisek في الشمال الغربي لألبروز وعلى التخوم الغربية لقاباردا، تضم ست قبائل: شانتيمير، وكليتش، وكيسشا، ولو، وريبرت،ودودارك. ولهؤلاء الأباظة طباع الشراكسة وزيُّهم وأساليب عيشهم. ويلاحظ أيضاً بعض التشابه بين لغتي هذين الشعبين. ويشتغلون بالزراعة كالشراكسة ولكنهم يعتمدون أكثر على نتاج مواشيهم. ويربّون عرقاً من الخيول شهيراً جداً وكانوا سيعيشون أغنياء جداً حقيقة بأسلوبهم في المعيشة لولا المضايقات الدائمة التي يتعرضون لها من جهة أمراء القبرتاي الذين يعتقدون أن على الأباظة دفع الجزية لهم. وتختلف قراهم عن قرى الشراكسة في أن بيوتهم معزولة وسْط فِناء صغير، ومحاطة بسياج قوي مشترك من أجل الأمان العام بدلاً من أن تبنى في مربع أو دائرة على الخط نفسه وتؤلف سوراً مشتركاً، كما هي بيوت الشراكسة. والهيكل والتوزيع الداخلي يشبهان في ما تبقى منازل الشراكسة. (74)
والقبائل الرئيسة في أباظة الكبيرة هي: بيسشيلبايس Beschilbaïs نحو منبع أوروب Ourop، وباراكايس Barakaïs نحو منابع لابا.(75) والتوبيس. والوبيخ Ouboukhs على منحدري السلسلة نحو النقطة التي ينبع منها نهر شحاكواشه.والشابسوغ أقرب إلى البحر في سلسلة الجبال الحراجية الممتدة من الغرب على طول جداول أنتيهير وبوغوندور في قرى كثيرة تحت الاسم العام "أبات"؛ (76) والناتخواي Natukhaschs في الجبال الأخيرة السوداء التي تنتهي فوق أنابا. وهم الأكثر قوة بين الأباظة (77) وها هو الآن ما قاله بالاس عن الأباظة بشكل عام: "الأباظة الذين يسمون أنفسهم "أبسنيه" Absnés لهم جميعهم الوجه المتطاول والرأس المضغوط من الجانبين، وأسفل الوجه القصير، والأنف الناتئ؛ وهو ما يعطيهم طابعاً قومياً خاصاً. ولمعظمهم شعر أسمر فاحم. وهذه الأمة تبدو أصيلة في الجزء الشمالي الغربي من هضبة القفقاس. وكانت سابقاً كثيرة العدد جداً وتمتد إلى البعيد جداً ولكن الشراكسة أبادوهم كلهم تقريباً في معارك مستمرة (كذا!)، فتجمعوا في الجبال. ولغتهم الخاصة غريبة على نحو مطلق، إلا بعض الكلمات الشركسية، ليس لها أدنى علاقة باللغات الأوربية ولا باللغات الآسيوية. ويجري الكلام بها مع بعض التغييرات، خارج البلاد الجبلية المسكونة بقبائل أخرى من الأباظة، من أباظيا الكبيرة على امتداد البحر الأسود وحتى "إيسكوريا" (ديسكورياس عند الأقدمين Discurias). ويبدو أن هذه الأمة كانت على الدوام ميالة إلى السلب. وهذا نفسُه احتمالاً رأي "سترابون" في حديثه عن النهب القديم المقترف في هذه النواحي.
الكونت ج. بوتوسكي الذي كان يتجول عام 1797 في السهول التي يسقيها في شمال القفقاس نهر تيرك وكوما والكوبان، والذي كان خط سيره قريباً نوعاً ما من خط بالاس الذي كان قد تبعه قبل ثلاث سنوات لم ير، كما الأخير، شراكسة آخرين غير القبرتاي، ولا أباظة آخرين غير الــ "ألتي – كيسيك.(78) وسيتناول السيد كلابروث ثانية بعد عشر سنوات (عام 1807 و1808) الأفكار التي كان قدمها غولدنستوت وبالاس عن الأقوام الشركسية والأباظة، وسيوسع ويصحح نقاطاً كثيرة. (79) . وخط رحلته في بلاد القفقاس قريب إلى حد ما من رحلة غولدنستوت، وكالأخير استكشف على نحو أخص، أوسيتيا وجورجيا، بالإضافة إلى بعض أجزاء قاباردا الكبيرة، ولكنه لم يخترق كذلك في الأقطار البعيدة أكثر إلى الشرق من البرزخ القفقاسي، ولم ير شخصياً شركيسيا على نحو خاص، ولا بلاد الأباظة. بيد أن العناية التي أولاها خلال إقامته في القفقاس المركزي، بجمع وتنسيق عدد كبير من المعلومات على أجزاء الإقليم القفقاسي التي لم يزرها، جعل مؤلَّفه ثميناً لأيِّ شخص يريد دراسة هذا الإقليم بمجموعه. وفي المحصلة كان كلابروث أولَ من أعطى فكرة كاملة إلى حد ما عن طوبوغرافيا حوض الكوبان، بين مجرى هذا النهر والجبال. وعرّف جيداً بخاصة قاباردا والقبائل التي تسكنه إلى الشرق من ألبروز. والمقطع الذي يخصصه للشراكسة (والذي يمثِّل فيه شعبُ القبرتاي العرقَ كله) يلخص بطريقة منهجية ما قاله عنهم سابقوه ويضيف إلى أفكارهم بعض التفصيلات الجديدة، وهذه لوحة ممتازة يمكن أن تقارن فائدتها بفائدة ما علّمنا إياه الرحالة الأحدث عن أخلاق شراكسة أسفل الكوبان وأعرافهم وعاداتهم.
وكما يفعل بالاس، يقدم السيد كلابروث نبذة وجيزة عن القبائل الشركسية التي تقطن جنوب كوبان، ويعيد النظر كذلك بالتتابع إلى البسلني والمخوش والكيموركواهيه (تيمرغوي) والبجدوغ والحاتيقواي والشابسوغ. (80) والجاناس أو الجانيس [الجانيه] والسخيغاكيه Skhégakehs والأدالي. وفي نبذته عن الأباظة بشكل عام وقبائل هذا العرق التي تشغل سفحي الجبال السوداء لا يفعل كلابروث إلا أن يكرر حرفياً غالباً ما كان قاله غولدنستوت، وبخاصة بالاس. والملاحظة الوحيدة التي يستحق من أجلها هذا الجزء من مؤلف كلابروث مكاناً هنا هي أنه يربط الأباظة Abazeks بالأرومة الشركسية معتمداً، كما يقول، على أنهم يتكلمون لهجة محرفة عن الأديغية. وهي نقطة تسترعي انتباه رحالة المستقبل. وعلى النقيض من غولدنستوت وبالاس يصنّف الناتخواي بين الأباظة. وسأضيف أخيراً التعليمات الطوبوغرافية الوحيدة التي يعطيها السيد كلابروث عن الجانب الشركسي والأباظي، وهي ذِكْرُ أنابا وسوجوق – قلعة، وسوخوم – قلعة، والمواقع الثلاثة وكالات أو أماكن للتجارة على هذا الشاطئ. وبين مفردات اللغات القفقاسية التي وضعها في نهاية رحلته نجد شيئاً من لغة الشراكسة وشيئاً من لغة الأباظة، وهي أوسع بكثير مما قدم غولدنستوت. (81)
كان استيلاء الروس على أنابا عام 1807 (82) والسنوات الخمس التالية للاستيلاء مناسَبة لبعض محاولاتٍ لإقامة علاقات تجارية مع الشراكسة. والحكومة الروسية التي كانت ترغب في حماسة لرؤية هذه العلاقات تتوسع وتتوطد، دَعمت عام 1814 بكل ما أوتيت من سلطةٍ مؤسسةً حاول شخص من جنوة يسمى "سكاسي" تأسيسها في "بشات" جنوب "غيلينجيك". وفي عام 1817 ضمّ سكاسي إلى هذا المشروع فرنسيّاً كان آنذاك في القرم اسمه تيبو دو مارينيي. وهذا الأخير الذي أتى ليبني لحسابه الخاص سفينة سريعة للصيد لا يقول لنا غايته الأولية منها، والتي كانت قامت، فضلاً عن ذلك، برحلة إلى أنابا عام 1813، خلقت عنده الرغبة في أن يتعرّف على نحو أفضل البلاد التي لم يتسنّ له حينها إلا رؤية خاطفة لها، تقرَّبَ من السيد سكاسي حتى إن الأخير سماه قائداً لرحلته الجديدة. وقد نشر السيد تيبو دو مارينيي شهادة [عن الرحلة] (83) في حوالي مئة صفحة. رست الرحلة الصغيرة منطلقة من مرفأ كيرتش في القرم في 29 نيسان إبريل عام 1818 في شرم "بشات" في 15 أيار مايو بعد تأخر عدة أيام في غلينجيك. وسيقيم دو مارينيي ثمانية أيام في بشات التي يغادرها في الثالث والعشرين من الشهر عائداً إلى القرم حيث يعود بعد شهر من الغياب ليترك الشاطئ نهائياً في 16 تموز يوليو بعد إقامة جديدة لثلاثة عشر يوماً.
وكذلك لم ير السيد دو مارينيي بنفسه إلا نقطتين من الشاطئ: غلينجيك وبشات، وتقع بشات على بعد سبعة فراسخ (84) إلى الجنوب الشرقي من غلينجيك، وعلى مسافة 23 فرسخاً من أنابا في الاتجاه نفسه. وغلينجيك وبشات بالنتيجة هما المكانان الوحيدان اللذان تعطي الشهادة تفصيلات دقيقة ومفصَّلة عنهما؛ ولكن المعلومات التي حصل عليها السيد دو مارينيي سابقاً من أنابا، وتلك التي تأتّت من إقامته شهراً في النقطتين من الشاطئ [غلينجيك وبشات]، سمحت له بالتزود بأفكارٍ ملأى بالفائدة، ودقيقةٍ عموماً عن الأخلاق والعادات والحياة الحميمة للشراكسة؛ بل حتى إلى إيداعها في شهادتِه القصيرةِ، ولكنِ المليئةِ بالأحداث. وإذا لم يكن السيد مارينيي الأوربي الأول الذي زار الجزء البحري من شركيسيا فإنه الأول على الأقل منذ الرحلات القديمة لأندريانو وجان دو لوقا، الذي ترك كتابةً شيئاً مؤكداً عن هذا الشاطئ تبعاً لملاحظاته الشخصية، بغضّ النظر عن رينيغس الذي وصلنا مؤلَّفه في حالة من النقصان والتشويه حرمته من جزء كبير من حقه وفائدته. ونجد في مدونات السيد مارينيي أحداثاً وملاحظات للأخلاق من المهم مقارنتها بمثيلاتها مما فعله الرحالة الروس والسيد كلابروث عن شراكسة قاباردا، والتي تناقش المشترك في وسائل العيش لكل عرق، وما يمكن أن يكون من خصوصيات لبعض القبائل التي انفصل بعضها عن بعض منذ زمن طويل، وتكاد تنقطع علاقاتها بأخواتها. (85) وهكذا يعرض لنا السيد تيبو دو مارينيي بأفضل من أيٍّ قبله ما يمس هذا النظام المتفرد للتربية الشركسية التي تودع كل طفل ذكرٍ في عناية أتاليك أو وصيّ غريب عن أسرة الطفل التي لا يعود إليها إلا بعد مرحلة المراهقة. (86) صُدم السيد مارينيي بالمظهر الذي تمثله محافل الشعب التي لكل حادثة مناسبتها: أعلام حقيقيون سياسيون وقضاة في آنٍ، يناقشون ويقررون كل مسألة ذات فائدة خاصة وعامة." وهذه المناقشات كانت غريبة بعض الغرابة في عيون أوربيٍّ معتاد على رؤية السلطة في أحضان مبانٍ ضخمة، وتستعير من الفن زينة وقوراً. أما هنا فغابةٌ ما هي مكان الاجتماع، والأمير وسْط حلقة من الرجال يصغون إلى حديثه، وينتظرون في صمت أن يأتي دورهم ليجاب على أسئلتهم. ولا تأثير للعمر ولا للطبقة الاجتماعية في هذا الاختيار: إنه مفتوح دائماً لأولئك الذين يتميزون من مواطنيهم بالفضائل وموهبة الكلام. (87)
ويروي دو مارينيي، ضمن عادات أخرى مطابقة لما رواه رحالة آخرون على أنها تخص شراكسة قاباردا،ومراسم تبني أسرةٍ لشخص غريب، وتقوم هذه عادة على تحيُّن فرصة مناسبة للمس حلمة امرأة بالفم: وهنا تصبح هي وزوجها أتاليكاً، ويصبح الغريب بمثابة طفلهما الشرعي. (88)
يعطي مارينيي معلومات مفصلة إلى حد مقبول أكثر مما كان يُعرف من تقرير جان دو لوقا ورينيغس عن الطقوس الدينية للشراكسة، وعن خليط شعائرهم المسيحية والوثنية التي تشهد لها بداهة هذه الطقوس. ويصف وصفاً كاملاً المساكن الشركسية والاهتمامات المنزلية للرجال والنساء، ويدلي بهذه الملاحظة التي لم تفت كذلك أندريانو، وهي أن الشراكسة لا يشعرون بأي حرج من أن يطلبوا ما يعجبهم، سيكون رُفض طلبهم مثيراً للسخرية بسبب أن هناك حقاً في أن يُطلَب منهم ما يمتلكون؛ يضيف مارينيي " هذا التشارك في الخيرات يصل غالباً إلى حد أن يعطي فقير أسماله إلى غني ليحصل هو على ملابسه. وقد رأيت يوماً أحد النغوي عائداً إلى بيته دون حذاء لأن رجلاً صادفه في الطريق يمشي شبه حافٍ طلب منه حذاءه "
وها هو الانطباع الذي تركته النساء الشركسيات عند مارينيي:" السحنة عموماً زيتونية، والرأس متطاول، وملامحهن كبيرة عموماً، وعيون أغلبهن سوداء وجميلة، وحين ينظرن يجعلن من العيون سلاحاً نافذاً. والوجوه مكللة بحواجب نافرة يحرصن على التخفيف من كثافتها عن طريق تزجيجهن. جذوع الفتيات تنقصها الزينة الرئيسة بسبب أن المشد الجلدي الضيق المخيط على القامة، والذي يضغط خصورهن منذ الطفولة، دقيق على نحو غريب ولَدِنٌ. وبالمقابل كثير من النساء لهن أوراك ضخمة جداً، وهو ما يُعدّ نوعاً من الجمال عند الشرقيين (89) أما أنا فرأيته تشويهاً لبعضهن. ولا يمكن رفض هذا الشكل ممن لهن حظٌّ كبير من النبالة في الهيئة، وكثيرٌ من الشهوة الحسية. ولباسهن فضلاً عن ذلك، وخصوصاً لباس النساء المتزوجات، يبدو أنه يدعو المتعة ألا تفارقهن البتة. ولكن من أجل نيل إعجابهن يجب ألا يُرين إلا داخل بيوتهن مستسلمات إلى كل اللدونة الآسيوية لأن مشيتهن البطيئة حين يخرجن، ومظهر الفتور الساري في كل حركاتهن يصدمان عيون الأوروبيين المعتادين على الحيوية والهيئة الأنيقة لنسائنا. هذه الشعور الطويلة، حتى لو ودّ المرء رؤيتها تسْرح على النهود والأكتاف على جمال شركسي، وهذا الحجاب الذي يسدلنه مع الفن الذي تعطيه الرغبة في الإعجاب في كل البلدان، وهذا الثوب، أخيراً، الذي بعد شدّه القامة ينفصل ليُظهر سراويل لا تنقصها كذلك الجاذبية، كل هذا يغدو مصدر ارتباك مضحك حين تترك امرأة شركسية مقعدها. وهن موهوبات في الروح عموماً، وخيالهن حيّ حساس للأهواء الكبيرة، في حبهن للمجد وافتخارهن بما يكسبه أزواجهن في المعارك".
هذه المبادرة التي جرت لتأسيس علاقاتٍ وديةٍ مع العرق الشركسي المحارب، مؤسسةٍ على التبادل التجاري، أُجبرت على ما يبدو بسبب تأثيرات خفية خلافاً لما يبدو، على البقاء دون نتيجة أخرى. واستقال مارينيي المحبط. ولكن على أي حال سيبقى من هذه الرحلة غير المثمرة من ناحية التجارة والسياسة كتابٌ جيد يسعدنا أن يكون بريشة أحد معاصرينا. وبالإضافة إلى شهادة رحلته فقد نشر منذ وصوله إلى أوديسا وصفاً ملاحياً للبحر الأسود جمع فيه ورتب للمرة الأولى الأفكار التي استفادها عن الملاحة في هذا البحر الخطر. ويصف فيه مارينيي على نحو خاص بكثير من التفصيلات كل الشاطئ الأباظي والشركسي من مصب "فاز" أو "ريوني" إلى مضيق كيرتش. ونبّه مارينيي إلى أن الأتراك يسمون بلا تمييز كل الشاطئ القفقاسي باسم أباظة. " الجغرافيون الروس يستخدمون – كما يقول – هذه التسمية لتحديد القطعة الواقعة بين سوخوم- قلعة و "بشاتا" حيث تسكن بعض القبائل المسماة "أبزيك! [ أباظة]" Abzeks ويقصد الجغرافيون الروس بشاطئ الشراكسة ذلك المسكون، إلى أبعد شمالاً، بالناتخواي، وينتهي إلى كوبان" (90)
ولكن البحرية الفرنسية كانت قد خصّت الإبحار سابقاً، زمنَ نشرِ "دليل السواحل" لمارينيي، بخريطة رفعها عام 1820 الكابتن غوتييه (91) هي الأولى التي قدمت تصوراً دقيقاً للبحر الأسود في مجموعه، وحُددت فيها الأبعاد تحديداً دقيقاً بسلسلة لا تنقطع من الملاحظات المتعلقة بتحديد الأماكن جغرافياً: الشاطئ الشرقي، وخصوصاً من مضيق كيرتش وحتى مصب "ريوني" أو "فاز" بالإضافة إلى تصحيح عام بحوالي درجة واحدة في خط الطول حمل قاع البحر الأسود إلى جهة الشرق كثيراً جداً، وتصحيحات مختلفة مهمة جداً أحياناً في تفصيل خطوط العرض، تمثل هنا في تخطيطها العام مظهراً مختلفاً جداً عن الخرائط القديمة. وبين النقطتين المتطرفتين اللتين سأشير إليهما، يمتد الشاطئ مباشرة تقريباً ودون تقطُّعات ونتوءات مهمة في اتجاه الشمال الغربي – الجنوب الشرقي؛ وفي الوقت نفسه الذي لا يمتد فيه الخليج الذي تقع عليه إيسكوريا وسوخوم – قلعة وبيتسوندا عميقاً في الأرض فإن بقية الشاطئ من بيتسوندا إلى مضيق كيرتش لا يظهر فيها بروز مهم. وهذا الجزء من خريطة الكابتن غوتييه الذي تفحصته يمثل من بيتسوندا إلى بشات تفرداً لافتاً للنظر: إنه انزياح لأسماء الشاطئ مثل سوتشالي وماماي وفاردان... إلخ يذهب أحياناً إلى حد نصف درجة دون أن يؤثر مع ذلك في الرسم نفسه لتعرجات الشاطئ. إن الارتفاعات، وقد رُسمت من على مسافة، ودون أن تحط مركبة شحن الكابتن غوتييه على أي نقطة من اليابسة، تدل بداهة على أن البحّار الذي ربما أوكلت إليه مطابقة الأسماء المحلية بالنقاط المرتفعة كانت معرفته سيئة بهذا الجزء من الشاطئ الأقل ارتياداً من الجزء الشمالي. ولكن هذا اللبس كان يمكن أن يسبب أكثر من نوع من العقبات وقد يسبب له الاختفاء. وسأقتصر في ما تبقّى على الإشارة هنا إلى الانزياح في تطبيق الأسماء الذي سأعود إليه لاحقاً. (92)
وبعد عامين من رحلة الكابتن غوتييه على الشاطئ الشركسي. سيقوم السيد غامبا الذي سُمِّي حديثاً قنصلاً لفرنسا في تفليس برحلة بحرية قريباً من الطريق نفسه من ميناء كافا في القرم إلى رودوت – قلعة، قرب مصب نهر فاز. (93) لم يقارب غامبا أي نقطة باستثناء سوخوم- قلعة؛ والأفكار الجغرافية التي جمعها من أفواه أشخاص متنوعين، وأودعها في الفصلين الثاني والثالث من شهادته، مليئة بالأخطاء التي تدل إلى أي حد كانت معرفة هذا الشاطئ ناقصة حتى من أولئك الذين يُعتقَد أنهم يعرفونه جيداً. (94) ولذا كان يمكنني أن أتجاهل عمله لو لم ألتزم في هذا المدخل عدم تجاهل أي من المؤلفات التي ورد فيها ذِكرُ شركيسيا وبلاد الأباظة، ولولا أنه يمكن النظر إليها كمصادر للمعلومات. بيد أن السيد غامبا، كما قلت، خبِر أثناء مروره سوخومي -قلعة على شاطئ الأباظة. وفي القليل من الوقت الذي أقام فيه هناك، وجد الفرصة لتسجيل بعض الملاحظات التي تفسح المجال للتحسر على أن مراقباً ممتازاً لم ير في هذا الشاطئ امتداداً واسعاً للبلاد. وهذه هي الصورة اللافتة جداً للأنظار التي رسمها لسكان هذا الجزء من الأباظة: "الأباظة الذين رأيناهم في سوخوم – قلعة بأعداد كبيرة كانت قاماتهم عموماً قصيرة، وأجسامهم نحيفة، والسيقان والأفخاذ دقيقة ومقوسة. وكان للجميع تقريباً عيون زرقاء، وتعبر نظراتهم عن الخوف أكثر من الخبث، ومظهرهم هو مظهر البؤس. وسحنتهم سمراء إلى حد كبير. والأنوف مدببة ومعقوفة دون أن تكون طويلة. وأجسادهم تكاد تغطيها الأسمال، محرومة من الشعر، ولحاهم قصيرة وغير كثيفة، وأقدامهم عريضة جداً، وبالنتيجة، ربما بسبب عادة المشي دون أحذية أو صنادل، كان لبعضهم فقط رقعة من جلد ابن آوى أو ذئب، مربوطة إلى قطعة من شجر الصفصاف تحل محل الحذاء... والأمراء كانوا يرتدون زياً شركسياً. ورأينا منهم الكثير خلال إقامتنا في سوخوم وفي رودوت – قلعة. كانت قاماتهم فوق المتوسطة، وذات بنية قوية، وسحنة حسنة، ويبدو أنهم من عرق آخر غير الأباظة الذين رسمت صورتهم قبل قليل " ويجب أن أذكر بين المعلومات المفيدة التي نجنيها من غامبا على هذا الجزء من الساحل المسمى شعبياً شاطئ الأباظة، المفردات الأباظية المثبتة في نهاية المجلد الأول من مؤلفه.
لم أتكلم على الرحلة التي قام بها عام 1814 السيدان إنغلهارت وبارّو من جزيرة تامان حتى وادي كوبان الأعلى صاعدَين من الضفة اليمنى لمجرى كوبان (95) لأن هذه الرحلة لم تتعرض إلى أي موقع في نطاق الموضوع الذي أحصر فيه بحثي، للسبب نفسه الذي لم أقل من أجله شيئاً عن رحلة إيشفالد Eichwald عام 1826 الذي لم يصل عبر جورجيا وإيميريتي ومنغريليا إلا إلى الحدود الجنوبية للأباظة، ولم يدخل إليهم، (96) ولا على الرحلة العلمية إلى الألبروز عام 1829 بقيادة الدكتور كوبفر التي حضرها السادة لينز وماير ومينيتريه. (97) ولكني لا أستطيع التزام الصمت عن رحلة أخرى مختلفة تماماً بأهميتها، وباتساع البلاد التي تشملها، وبعدد الناس الذين تعرض لهم، وبالمعرفة العميقة التي برهن عليها بصفة عالم طبيعة وعالم إثنيات، وعالم أثريات وجغرافياً: أقصد رحلة حول القفقاس للسيد دوبوا دو مونبيرو.(98) قرر مونبيرو أن يحيط في خط استكشافاته بمجموع الإقليم القفقاسي ناشراً في الوقت نفسه بالتتابع معلومات مفصلة عن كل من الواديين الكبيرين المستندين إلى السلسلة التي تعبر من بحر إلى آخر، شبيهة بجدار عملاق على امتداد عرض البرزخ بكامله. والطريقة التي نفذ بها وحيداً معتمداً على قواه الخاصة دون أي سند إلا الحماسة النهمة إلى العلم. هذه المحاولة الواسعة التي ألزم بها نفسه استحق عليها بحق أصوات العلماء في التصويت". (99)
منطلقاً من ميناء سيباستبول في القرم في 27 أيار مايو عام 1833، وجد المركب الذي يمتطيه دو مونبيرو نفسه في الأول من حزيران يونيو على مرأى من الشاطئ المنخفض والرملي الذي تقوم عليه أنابا. ومن هذه النقطة، متجاوزاً عن قربٍ الشواطئَ الصخرية الوعرة على الجانب حتى الخليج العريض والعميق لسوجوق – قلعة، ومحاذياً بالطول على مسافةٍ أبعد، خاصرةَ الجبل الرائعة التي يرسلها الطرف الأقصى، السلسلة القفقاسية إلى هنا حتى شواطئ البحر، بلغ المسافرُ غلينجيكَ حيث كان الروس قد بنوا قلعة قبل عام. وبعد شهر كامل أمضاه في غلينجيك التي استكشف فيها الجوار بأكبر تفصيل عاد مونبيرو إلى البحر في 29 حزيران، وفي الثاني من آب التالي توقف في رودوت –قلعة على شاطئ منغريليا بعد أن بلغ غاغرا Gaghra وبامبور. وبيتزيونتا. واستراح طويلاً في سوخوم –قلعة، ورأى كل النقاط على هذا الشريط الطويل من الشاطئ الذي تبع منه بصفته جغرافيٍّاً الضواحيَ الصغرى والتي جعلتها أوصافه الحية والملونة تمر أمام العيون كبانوراما طويلة تمتد شهرين؛ يقول دوبوا "لم أكن لأستطيع أن أقوم بهذه الرحلة في شروط أفضل مما جرت فيها حتى إن السماء انشرحت لتساعدني. مرت أمام ناظري كل مواقع هذا الشاطئ الطويل الجميل لأن هدوء الليل يجعلنا نتوقف أمام الشاطئ حتى تضعنا في الطريق حوالي العاشرة صباحاً نسمة خفيفة ترتفع فننزلق دون جهد إلى مساقة قريبة من الشاطئ. لم يكن القبطان يريد فقط أن أرى كل شيء خلال مروري بل كان يوصلني إلى كل موقع يمكن أن يهمني. كنا ندخل في المراسي والخلجان التي كان مركبنا يبحث في محيطها. كان عندي ما يكفيني من شواغل: رسْمُ الضفة ووصفُها، وسؤال الموظفين والبحار، التقاط ملاحظاتي والعمل على تسجيل يومياتي، كل هذا كان يملأ أيامي "على كل الشاطئ الشركسي من "جوبغه" إلى "ماماي" و "أردلر".صُدم مونبيرو بمنظر زوارق المقيمين على ضفاف الأنهار على الشاطئ والذي يذكِّر بالضبط بما كان سترابون قاله قبل ثمانية عشر قرناً " كل الخلجان الصغيرة حيث تصب الأنهار التي تسقي هذا الامتداد الطويل للشاطئ ملجأٌ لعدد كبير من المراكب التي يبنيها الشراكسة لأنفسهم، والتي اقترفوا بواسطتها كثيراً من أعمال قطع الطريق. وحين يُقرأ وصف سترابون يتعجب القارئ من قلة التغيرات على هؤلاء القراصنة منذ عصر الرومان. واليوم كما في ذلك الحين، لهم مراكبهم الخفيفة التي يسميها اليونان كاماراcamara والتي يسمونها هم أنفسهم كاف kafأو كوافا kouafa ولا تختلف عن أسلافها إلا في أنها أكبر قليلاً. وهي زوارق طويلة تتجاوز الخمسين قدماً، ضيقة مع وتد. وفي عصر سترابون كانت تحمل من خمسة وعشرين إلى ثلاثين بحاراً، واليوم تحمل من أربعين إلى خمسين يجذِّف ثلثاهم. ولما كانت بلا صَوارٍ فهي منخفضة جداً تهرب من كل العيون بسهولة، وتنزلق على طول الشواطئ، وما إن تلاحَق من مسافة قصيرة جداً حتى يجرها طاقمها على الشاطئ لأنها خفيفة جداً،بل يمكن إخفاؤها في الغابة". وهذه الآن لوحة من نوع آخر: إنها الوصف البانورامي الذي يستمتَع به من أحد مواقع الشاطئ الأباظي حيث استراح مونبيرو: "كان صباح 29 حزيران يونيه صباحاً نادراً، ويؤكد البحارة أنهم رأوا القليل منه. كنت، وقد استيقظت قبل الشروق بوقت طويل، في تأمل لإحدى أروع اللوحات التي يمكن الإعجاب بها على الأرض. وما إن ابتعدت فِرستين نحو طرف رأس كودور حتى كنت أعانق كل مجموعة الكتلة الغربية من القفقاس مما وراء غاغرا بعيداً حتى سهول منغريليا. لا سحابة في الفضاء، وعلى السماء الأشد صفاء كانت ترتسم كما على طرف هُدبٍ آلافُ النقاط والقمم والمساكن، ولوحات من كل الأشكال، ومن كل التصدعات [المزق] منضدةً في صفوف كثيرة، مكومةً إحداها فوق الأخرى. وفيما أتأمل بإعجاب هذه اللوحة البهية، وأشكر جامع كل أشياء هذه اللحظة اللذيذة، ارتفعت الشمس في كل جلالتها المنيرة كما في اليوم الذي خرجتْ فيه من يد الله، ناثرة نورها الذهبي فوق القمم المتوضِّعة أكثر نحو الجنوب. وكما لو بإنشاد هذه البانوراما الرائعة تتحرك: شيئاً فشيئاً ترتسم السلاسل المتعددة بخفة، وتشير ظلال إلى هذه اللوحة، والمخططات تنفصل كما لو أنها تدخل الحياة، كما لو أن الخالق كان يعمل على استخلاص عالم من الخُصور التي لا شكل لها من المادة الأولى. قمم ومرتفعات لا نهاية لها أضاءت فجأة عارضة جوانبها المغطاة بحقول واسعة من الثلج، راسمة ألف صورة مختلفة على الصخور السوداء المتكومة على أنفسها فزعاً. بدا لي أني أحضر اليوم الأكبر من الخلق. لا يكفي الكلام للتعبير عن كل ما في هذه اللحظات الرائعة في مثل هذه اللحظات"
كانت رحلة مونبيرو رحلة انطباعات ورحلة دراسات معاً. وفيها مقطع طويل مخصص لرسم لوحة عن الأمة الشركسية وعن الأباظة، ورسمِ أخلاقهم وممارسات حياتهم. وفي خصوص الأفكار التي حصل عيها بنفسه في استراحاته ألحق مونبيرو تلك التي زوده بها أسلافه، ولاسيما بيسونيل وكلابروث وتيبو دو مارينيي، وصهَرها بشكل اعتيادي في ملخص عام أكثر دقة واكتمالاً لا يُتجرّأ على انتظاره من رحالة لم ير هو نفسه إلا القليل في داخل البلاد. يصر مونبيرو على استخراج كثير من المماثلات التي توفرها أخلاق الشراكسة والأباظة وأنماط حياتهم مع تلك التي ليونانِ هوميروس وللجماعاتِ نصف المتحضرة من الأرومة الجرمانية والسلافية والفينية، وهذه المقاربات تضفي على سرد العالِم الرحالة سحراً لا حدود له، يهمّ كل من يختص بالدراسة الفلسفية للأعراق الإنسانية والتطورات على حضارة نوعنا.
ومونبيرو الذي لا يتعرف في القفقاس إلا أربع جماعات من الأمم المتمايزة والبدائية: الجورجيون والأرمن والليزغي والشراكسة، والعرقان الأولان ينتميان إلى الأسرة الواسعة للشعوب الهندو- جرمانية، والعرقان الأخيران يُبديان قرابة أكثر نحو العرق الفيني، (100) ولا يتضمن عرقاً خامساً مزروعاً وسط غيرها في عصر متأخر، وهو العرق الأوسيتي؛ أقول إن مونبيرو يُدرج في العرق الشركسي أربعة فروع تتلامس من قريب: الشراكسة الصريحون أي الأديغة، والقبرتاي (101) والأباظة في شمال القفقاس، والأبخاز بين القفقاس والبحر." واللغة التي تتكلمها هذه الفروع الأربعة الكبيرة بينها قليل أو كثير من القرابة، ونجد بينها جذوراً وصيغاً عامة: كل هذه اللغات تقترب من اللغة الفينية أكثر من اقترابها من أنظمة اللغات الأخرى. (102) ولكن هذا [الاقتراب] يُلحظ على نحو أخص مع الفوغول vogoul وأوستياك ostiaque سيبيريا. لغة القبرتاي لا تختلف إلا قليلاً جداً عن الشركسية [الأديغة] الصريحة، وليس الأمر هكذا مع اللهجتين الأُخريين اللتين بينهما كثير من التشابه، ولكنهما تختلفان اختلافاً ذا بال عن الأخريين. بل إلى حد عدم إمكان التوصل إلى الاقتناع بأنهما تنتميان إلى الأرومة نفسها إلّا بعد دراسة عميقة.
يعد دوبوا خمس عشرة قبيلة شركسية رئيسة، سواء كانت على الشاطئ من أنابا إلى غاغرا أم على الكوبان من أنابا إلى "أوروب". وقد يمكن إبداء أكثر من ملاحظة على هذا الإحصاء، ولكن هذا نقاش لا يمكنني الدخول فيه دون التخلي عن الحدود التي يجب أن ألتزم بها. يقيِّم دوبوا الحالة الاجتماعية للشراكسة " يجري تقديم هذا الشعب كلُمامة من العصابات والرجال المتوحشين دون عقيدة ودون قانون؛ والواقع أن هذا خطأ. والحالة الراهنة لشركيسيا تماثل حالة جرمانيا القديمة وفرنسا تحت حكم الملوك الأوائل. وهذا نموذج للأرستقراطية الإقطاعية والفروسية للقرون الوسطى؛ إنها الأرستقراطية البطولية لليونان القديمة. بناء المجتمع إقطاعي تماماً: روح الطبقات ما تزال فيه قاسية كما في الأمس القريب في فرنسا وفي ألمانيا. الأمراء (بشه) والنبلاء القدامى (ورْق) والعبيد المعتقون، وأقنان الأرض، والعبيد (103) يؤلفون خمس طبقات منفصلة. (104) الطبقات الأربع الأولى مختلفة قليلاً في ما بينها بالنسبة للباس والحياة الأسرية؛ وتسود بينهم المساواة الأكثر كمالاً، حتى إن تأثير الأمير أو النبلاء على التابعين قليلاً ما يُحَس به. وهذا بتأثير الثقة والإقناع البطريركي [الأبوي]، والسلطة كلها منظمة تبعاً للأعراف القديمة. وكل الأمراء متساوون في ما بينهم، وكذلك النبلاء. وفي هذا المجتمع الواسع الذي يمكن أن يضع قرابة مئة ألف رجل تحت السلاح لا يستطيع أي رأس نافذ أن يخالف تحالفاً أو مخططاً عاماً لهجوم. وكلُّ أمير، وكل نبيل، بل كل معتق هو سيد نفسه ولا يطيع إلا نفسه. وآلاف من المصالح تقسم إذن هذا الشعب إلى عدد من القبائل والأسر المستقلة التي يغار بعضها من بعض وبخاصة على حريتها، ومنفصلة غالباً إلى الأبد بقانون الدم الرهيب، قانون الثأر الذي يخلّد الحقد بين القبائل والأسر. هذا الروح، وهذا الاستقلال والتحدي يلاحظ في أخلاقهم ومساكنهم وتشريعاتهم.
يضيف السيد مونبيرو فيما بعد "لا أعرف شيئاً يشبه اقتصادهم الاجتماعي بأفضل من الليتوانيين في مقاطعة كورلاند Les Lettes de la Courlande، وهو عرق نصف سلافي –فاندي أو ليتواني – فيني تلقّى العناصر الأولى من حضارته من "كورس" Kours الفينية الشهيرة التي كانت تسيطر على البلطيق في القرون العاشر حتى الثاني عشر. (105)
ومن الناحية الجسمية يرسم دوبوا الصورة التالية للشراكسة "الشركسي كبير إلى حد ما من الجانب، وقامته أنيقة وممشوقة. ويحاول دائماً تنمية هذا النوع من الجمال بأن يشد الخاصرة بنطاق جلدي. ومشيته أنيقة وخفيفة، رأسه بيضوي. وكالمسلمين يحلق شعره ويربي شاربيه ويطلق لحيَتَه السوداء القليلةَ الكثافة. وعيناه أيضاً سوداوان وغائرتان. وأنفه جميل التكوين، دقيق دون أن يكون طويلاً. الشعر الكستناوي، واللحية الكستناوية أيضاً ليسا نادرين".
يجب نقل كل هذا الجزء من مؤلَّف مونبيرو إذا أُريدَ استخلاص كل ما يحتويه من أمور مهمة وموسِّعة للاطلاع؛ يكفيني أن أستخلص منه ما وجدته لافتاً للنظر أكثر من سواه، وما بدا لي أنه ملاحظات شخصية للكاتب.
يحصي مونبيرو في أبخازيا الحالية أربع قبائل رئيسة: البسوبيه Bsoubbés من غاغرا إلى أناكوبي، والأبخاز Abkhases بالضبط من أناكوبي إلى كيلاسور، والتسيبيلديان Tsébeldiens في الوديان العليا من الكودور، وأبشاف غالازغا في كودور Abchaves. ويجب أن نضيف إلى هذه القبائل الأربع قبيلة زامورزاخانو Zammourzakhano التي يحكمها أمير منغريليا. والصورة الأخلاقية التي يرسمها الرحالة لهذه الشعوب يضعها أدنى من الشراكسة كثيراً. والجزء من مؤلَّفه الذي يجب أن يبحث فيه عن القبائل التي يصنفها الكاتب بين الأباظة في شمال السلسلة القفقاسية، وكذلك الجزء الذي يتكلم فيه على القبرتاي الكبيرة والقبرتاي الصغيرة (106) لم يُطبعا بعد.
وفي كل الأزمان تقاسمت الحرب مع الاستكشافات الهادئة للرحالة مزية تقديم المعرفة الفضلى للتعريف بالأجزاء الصغيرة من العالم حيث تصب الحربُ مصائبها: وكانت هذه حال القفقاس منذ انقادت النظرات الطامحة لروسيا نحو هذا الإقليم المثير للفضول. إن رحلات غميلان وغولدنستوت وبيبيرستين وبالاس وكلابروث، والرحلات الأحدث لــــ إنغلهارت ومينيترييه وكوبفر وعلماء آخرين ألمان أو روس، التي ساهمت بقوة منذ خمسة وعشرين عاماً في اكتمال الجغرافيا العامة للقفقاس لم يكن الروح العلمي وحده من يُلهمها. ومع ذلك يستخلِص العلم أيضاً منها فوائد واسعة. ففي بطرسبورج أنتج الانتباه النشيط إلى هذه الرقعة المهمة من جبهات الإمبراطورية التي تفتح الطريق إلى آسيا مؤلفاتٍ كثيرةً تستحق الانتباه حيث صُهرت ولُخصت الأفكار المستخلصة عن البلدان القفقاسية بالتتابع. وسأذكر بخاصة مؤلف برونيفسكي عام 1823. (107) و "إحصاء القفقاس" لـــ إيفيتسكي عام 1835 (108) وعلى نحو خاص أشير إلى مؤلف منشور عام 1836 برعاية الكونت كانكران وزير المالية، (109) بالإضافة إلى خرائط جيدة منشورة عن عموم القفقاس أو عن بعض مناطقها، كخريطة الماجور خاتوف في عشر أوراق عام 1826. ولكن هذه المؤلفات المكتوبة بلغةٍ غير معروفة كثيراً لم تستطع أن تساهم كثيراً في أن تنشر في أوربا المعلومات التي تضمنتها. ولحسن الحظ فالرحلات الأخيرة للمارشال باسكيفيتش في جنوب القفقاس عام 1828 و1829 كانت مناسَبة لتأليف كتاب جيد وهو كتاب فيليكس فونتون (110) الذي حُرِّر حصراً من أحدث المصادر الروسية والذي يمكن النظر إليه هكذا ممثلاً للجوهر.
وفي ما يتعلق بحوض الكوبان والأرض المحاذية للبحر الأسود من مصبات هذا النهر إلى جبهة منغريليا فالأجزاء الوحيدة من كتاب فونتون التي أثارت اهتمامي هي اللوحة الطبيعية التي يقدمها عن البلاد، ولاسيما سجلات الأنهار المطابقة تماماً للخريطة الملحقة برحلة السيد بيل، باستثناء بعض الأخطاء في التفصيل في المناطق الجنوبية من الشاطئ التي لم يعبرها إلى الآن أي روسي. إن التعداد الذي يقدمه فونتون حسب سلطاته الروسية لقبائل حوض الكوبان وشواطئ البحر الأسود يختلف في نقاط كثيرة عن تعداد كلابروث الذي كان قد لخص بنفسه أفكار متقدميه؛ ولما لم تكن طويلة فسأسجلها كاملة، مقدماً إياها على شكل لوحة تسمح بشكل أفضل لنضع يدنا على المجموع.
يضع فونتون كافة سكان حوض الكوبان والشاطئ من تامان إلى غاغرا في أرومتين رئيستين: الأديغة والأباظة.
يشغل الأديغة البلاد الممتدة بين الكوبان السفلي ولابا، وإلى أبعد من السلسلة العظمى، امتداد الشاطئ من مصبات كوبان إلى غاغرا. (111) والأباظة الذين هاجروا من المنحدر الآخر للجبل استقروا في شمال السلسلة في منابع نهري لابا وأوروب، وامتداد مجرى النهر الأخير [ أوروب ] حتى الكوبان.
العروق الرئيسة
أولاً: الأديغة أو الشركس
بسلني. على قدم الجبال من أوروب حتى ملتقى نهري خودز ولابا.
مخوش: ابتداء من ملتقى خودز بين لابا وفارْس.
تيمرغوي أو تيمغوي: أسفل المخوش على طول لابا وكوبان إلى مصب شحاكوشا.
بجدوغ: أسفل شحاكوشا على امتداد كوبان (112)
شابسوغ: من الجبهة الغربية للبجدوغ إلى شاطئ البحر الأسود، أو من أنهار بسيكاب أو أفيبس إلى نهر أتاكوم (أدوغوم) الذي يفصلهم عن الناتخواي. (113)
الناتخواي: في الجبال حتى ضواحي أنابا. (114)
الأبزاخ Abazeks في حلق (مضائق) السفح الشمالي للسلسلة، من منابع فارْس وشحاكوشا إلى أنهار بسيكاب وأفيبس، وجيرانهم في الشمال البجدوغ وفي الغرب الشابسوغ، وفي الجنوب الوبيخ.
ثانياً - الأباظة عموماً:على السفح الشمالي للسلسلة.
أباظة: بالمعنى الخاص، أو أبازينتسي. ويسميهم النغوي تاميكوي Tamukoï على طول الكوبان وفي داخل القفقاس.
باشيلباي Bachilbaï في منابع زيلانشوغ الكبرى Zélentchugh أو أوروب.
تام في منابع لابا
كازيلبيك بين تام والشاغيراي Chaghiraï
شاغيراي: في منابع لابا الصغرى
باغ Bag في منابع خودز
باراكاي في منابع كوبس
ثانياً: في مركز السلسلة نفسه أو على السفح الجنوبي نحو البحر:
أوبيخ على قدم الجبال الثلجية، بين أنهار شاخيه أو داغامزا (سوباش) وساسش (سوتشا). وهم متاخمون للأبزاخ والشابسوغ.(115)
ميدوفيه Médové إلى الشرق من الأوبيخ، مشتتون في مآوي الصخور العالية.في مواجهة منابع أوروب ولابا.
بزيب Bzib على السفح الشمالي للجبال تحت الميدوفيه.
فوردان Vordan أو أوردانا Urdana في قدم الجبال تحت الأوبيخ. (116)
جيغيت Djighètes في ضواحي رأس أردلر.
بالإضافة إلى هاتين الأرومتين الرئيستين اللتين تقطنان الكوبان يعدّ فونتون فيه ثلاثة شعوب مهمة أخرى: القرشاي Karatchaï، من العرق التتري إلى الغرب من ألبروز وفي منابع كوبان. والتتار – نغوي Tâtars - Nogaï بين لابا وكوبان. والقبردان (كذا!) Kabardans اللاجئون في الوادي بين جبلي زيلانتشوغ Zélantchugh . ويترك فونتون بالإضافة إلى ذلك خارجاً أقاليم سيعدّ منها القبائل، وهو ما يسمى أبخازيا الكبرى، أو الجزء الساحلي الواقع بين غاغرا وجبهة منغريليا.
استطاع القارئ في ما سبق أن يتابع خطوة خطوة المسيرةَ المتدرجة للمعارف المحصَّلة في أوربا عن بلدان القفقاس الغربي وشعوبه منذ العصور القديمة إلى الأزمنة الأخيرة. المؤلَّفان الأخيران اللذان حللتهما للتو، أعني مؤلَّف دوبوا دو مونبيرو، ومؤلَّف فيليكس فونتون يقدمان بأمانة آخر ما حُصِّل من أفكار حتى بداية عام 1836 عن جغرافية وإثنيات [أعراق] تلك المنطقة التي بقيت مغلقة على الاستكشافات المباشرة للعلم. وفي الجغرافيا ندين للروس بالمعرفة الدقيقة إلى حد كاف لمياه حوض كوبان وعلم الجبال للجزء المتضمَّن من القفقاس بين ألبروز،والعقدة التي ينبع منها نهر لابا ونهر أوروب ونهر بزيب. وندين إلى أعمال معاصرنا غوتييه في التصور الدقيق للشاطئ. وفي الإثنيات عندنا سجل نستطيع الاعتقاد بأنه صحيح وكامل للقبائل المختلفة على سفحي القفقاس الغربي ابتداء من ألبروز من ناحية حتى كوبان، ومن الجانب الآخر إلى البحر. إن القرابات أو الاختلافات بين اللغات التي تتكلمها القبائل تصنفها إلى مجموعتين رئيستين: الأديغة أو الشراكسة على الجزء الأكبر من حوض الكوبان وعلى النصف الشمالي من شاطئ البحر الأسود، والأباظة على سفحي الجبال الثلجية (منابع تيبيرديه إلى منابع شحاكواشا). وهؤلاء الأباظة بما أنهم يعتبرون فرعاً منفصلاً من الأمة الأبخازية ينفصلون عن الأديغة. وفي ما تبقى فهذه الأفكار تُنتج إرشادات indications أو تقارير ثانوية أكثر منها ملاحظات observations مباشرة؛ إذ لم يعبُر أيُّ رحالةٍ الوديانَ المرتفعة للقفقاس الغربي، ولا داخل المنطقة البحرية المحصورة بين السلسلة القفقاسية والشاطئ في كل امتداده من بزيب إلى أنابا: بعض المواقع المعزولة مثل غلينجيك وبيتسوندا وسوخوم – قلعة استُكشفت وحدها على نحو ناقص، وكذلك جغرافيا كل هذه المنطقة البحرية (باستثناء الخط نفسه للشاطئ) في أقصى حالات النقص. واستطاع أحد الرحالة أن يقول وهو محق في قوله: إن هذا الشاطئ مجهول أكثر من هولندا الجديدة (117) والخرائط الروسية الأحدث والأكثر تطوراً تترك هذه المنطقة بيضاء بكاملها تقريباً، وتكاد تقتصر على بعض الأنهار المرسومة فيها هنا وهناك بالمصادفة. والشاطئ لا يحتوي إلا عدداً قليلاً من الأسماء أَغلبُها مطابَق على مكانه بشكل سيء. أما القبائل الجبلية (الأباظة) الذين يشغلون جنوب الأديغة سفحي القفقاس فنحن بعيدون عن أن نثبت درجة قرابتها سواء مع الأرومة الشركسية أم مع الأبخاز في الجنوب. ويُقدَّم لنا هؤلاء الأبخاز على أنهم فرع من الأرومة الشركسية، والأباظة كتفرع أدنى، ولكن لم تجمَع إلى حد قريب جداً كمية من الملاحظات الضرورية سواء على اللغات المقارنة أم على الخصائص الطبيعية السائدة في كل مجموعة للكلام على هذه الأسئلة الإثنية عن معرفة كاملة.
في هذه الحالة وجد السيد بيل جغرافيا البلاد حين وصل إليها: سأقول باختصار أي معارف كان يجب أن يحصّلها في رحلته.
جرى هذا في نيسان إبريل عام 1837: دخل بيل شركيسيا، ولم يتركها إلا في تشرين الأول أكتوبر 1839. وفي هذه الفترة الممتدة سنتين ونصف قام بكثير من الرحلات على طول المنطقة البحرية، من غاغرا إلى أنابا، وفي أحيان كثيرة سافر في السهول المنخفضة التي يشغلها الشابسوغ في الشمال على يسار كوبان السفلى، بالإضافة إلى رحلة عبر الحبال السوداء حتى الأبزاخ. لست معنياً بالبواعث الخاصة التي هيّأت لهذه الرحلة والإقامة الطويلة. (118) ولكن إذا كان للسياسة فيها حصةٌ أكبرُ من حصةِ وجهات النظر العلمية الصافية فإن المزية نفسها التي تخوله به مهمته، رغم أنها ليست رسمية، في عيون السكان الرئيسين سهلت له الدراسة والاستكشاف اللذين انتفع منهما العلم بنتائج مهمة. وخلال عامين ونصف عاش بيل في علاقة حميمة مع الأديغة. وهكذا تمتع، دون مقارنة، بكثيرٌ من السهولة لم يتمتع بها أي رحالة آخر قبله في دراسة أخلاقهم وممارساتهم وعاداتهم وأفكارهم وأحكامهم المسبقة واعتقاداتهم؛ وبكلمة واحدة: في دراسة حياتهم العامة والخاصة في كل الظروف، والمظاهر. وفي ظروف كل هذه العلاقات يمكننا القول إنه استطاع أن يعرّفنا على الشراكسة معرفة قلما نحظى بها عن أمم أجنبية. ليست هذه هنا مجردَ بضعِ ملاحظات عابرة على عدد قليل من الأشخاص المعزولين عن محيطهم، بضعَ أفكار استُقيت من أفواه أناس قليلين جداً يحيبون على أسئلة يوجهها إليهم الرحالة؛ بل هي ملاحظات كتبت في أوقات راحة، وتكررت ألف مرة بطريقة أو بأخرى، على المجتمع كاملاً. وما عُرف منها سابقاً تأكد وتطور أو صُحِّح، وكثير من الأحداث الجديدة كشفت لنا للمرة الأولى عن البناء اللافت للنظر للمجتمع الشركسي، وبخاصة وجود الأخويات fraternités وتنظيمها، والتي هي أحد الأبحاث الأشد إثارة وعمومية، والتي لا أثر لها البتة في كتابات من سبقوه حتى الآن عن الشراكسة، وكذا كانت الحالةُ الجوية للبلاد وأوابدُها وتقاليدها ومصادرُ كل نوع يمكن تقديمه إلى استكشاف قادم... موضعَ ملاحظةٍ من السيد بيل، ملاحظةٍ مستمرة، ولكن ما سيعطي كتابه قيمة عالية جداً على نحو خاص في عيون الجغرافيين هو التفصيلات الكثيرة والغنية التي تتضمن الطوبوغرافيا، وخصوصاً للجزء المجهول أكثر من غيره حتى الآن، وهو الإقليم البحري بكامله. وفي النهاية تحدِّد خطوطُ رحلاته المتكررة مرات عدة الموقعَ وتعرفنا أسماء (119)كل الوديان التي تنفتح على البحر، على امتداد الشاطئ بدءاً من غاغرا وانتهاء بأسفل الكوبان؛ وللسيد بيل موهبة خاصة بالإضافة إلى ذلك وهي موهبة الوصف الذي يضع تحت ناظرَي القارئِ بطريقة ما نتوءات الأرض حتى تموجاته الطفيفة.
ومهما كانت الخريطة التي ألحقها بيل بما يرويه موجهة إلى نقطة صغيرة جداً بحيث يصعب إدخال كل التفصيلات الطوبوغرافية التي يزود بها النص (120) فهي مثيرة للانتباه بجدة المعلومات التي تقدمها على امتداد الشاطئ الشركسي من أنابا إلى غاغرا. وللمرة الأولى، في هذه المنطقة البحرية التي يزيد طولها على ستين فرسخاً، وحيث، كما قلت سابقاً، لا تقدم الخرائط الروسية الأحدث والأكثر تفصيلاً بالنسبة لبقية البلدان القفقاسية إلا مساحة قريبة من البياض، نجد مدونة موضّحة ودقيقة تماماً لكل المواقع البحرية، والخلجان والرؤوس والمرافئ، ولكل الأودية المفتوحة على البحر. وسبق أن نبهت على الأخطاء الغريبة في الخريطة الناقصة للبحر الأسود التي رسمها الكابتن غوتييه حيث نجد، بخاصة، أربعة أسماء انزاحت عن مكانها بشكل ملحوظ: سوتشالي، وماماي، وفاردان، وسوباتشي، ونبهت أيضاً إلى أن هذه الانزياحات عن المكان لا تؤثر في شيء على رسم الخط الساحلي نفسه، بما أن "سوتشالي" السيد غوتييه كان يجب أن تكون مكان "سوبال" وكذلك "ماماي" في مكان "وايا Waïa ". و "فاردان" مكان "نيبو Niboû "، وسوباتشي مكان "تو Toû".
لم يتقدم السيد بيل في الجنوب إلى أبعد من غاغرا ولذا لا تُطلب منه تفصيلات طوبوغرافية جديدة بين هذا المعبر الشهير الذي هوLES THERMOPYLES" " الخاصة بالقفقاس (121) وبين جبهة منغريليا. ولكن بسبب نقص الأفكار الجغرافية بالمعنى الحرفي فإن للجزء من يوميات السيد بيل الذي يتكلم على هذا الموقع الجنوبي من الشاطئ نوعاً آخر من الفائدة أبلغ أثراً أيضاً بمعلوماته الجديدة التي يقدمها لنا عن الشعوب التي سكنته. وإلى الآن، وحتى دون استثناء العالم والثقة دوبوا مونبيرو، فكل الرحالة أطلقوا على القبائل التي تشغل الجزء من المنطقة الشاطئية الواقع بين الشراكسة والمنغريليين الاسم المتوارث: الأباظة أو الأبخاز. وكان السيد بيل أول من صحح ما في هذه الفكرة من الخطأ. وإقامته الطويلة في الوديان التي تجاور غاغرا وضعته موضعاً يتعرف فيه ثلاث لغات مختلفة تماماً روى لنا مفرداتها، يجري الكلام بها في هذا الجزء من البلاد: في الشمال الأديغية أو الشركسية التي لا تتجاوز ساحتها نهر فاردان الصغير على بعد عشرة فراسخ تقريباً شمال غاغرا، والثانية متاخمة للأديغية وهي لغة الأباظة التي على الساحل لا تشغل إلا خمسة أو ستة فراسخ، من فاردان إلى هاميسش. وأخيراً بدءاً من هاميسش حيث تتاخم الأباظة، لغة الأزرا Azra التي تسود حتى حدود منغريليا وسوانيثي Souanéthi.
إذن في هذا الفضاء، في حدود خمسة فراسخ من الشاطئ، يجب أن ينحصر في الوضع الراهن للأشياء اسمُ الأباظة الذي تسمى به خطأً حتى الآن الأرضُ الممتدة إلى أبعد، المشغولةُ بقبائل تتكلم لغة "أزرا". وهذا الموضع، بالإضافة إلى ذلك، يتطابق بالضبط مع المعلومات الروسية التي لخصها فونتون والتي لا يشغل بموجبها الأباظة، بالتسمية الدقيقة، على المنحدر البحري للقفقاس إلا وادي سوتشا الكبير Soûtcha. وأقول "في الحالة الراهنة للأشياء" لأن هذا الانتشار نفسه لاسم الأباظة الذي يعود إلى أقدم العصور يجب أن يدل على حالة الوضع السابق حيث كان للأباظة في جنوب قبائل الأديغة انتشار كبير جداً كما اليوم، وبالتأكيد لن يكون صعباً بمشاركة مِزَقِ المؤرخين الإغريق من العصر البيزنطي التي جمعها ستريتر Stritter بإتقان عظيم، مع الحوليات الروسية والجورجية الوصولُ إلى معطيات تاريخية دقيقة بما يكفي في هذه النقطة. ومن المفهوم أن طبيعة هذا المدخل وحدوده لا تتضمن التطورات التي يمكن أن يجرّ إليها هذا السؤال الاثني الغريب. وعليّ أن أقتصر هنا على عدد محدود من النقاط الأساسية، وأن أشير إلى بعض الشكوك في أبحاث العلماء وأن أنبّه رحالة المستقبل.
الحدث الأول الذي يبدو لي مؤكداً بشكل كامل، إلا ببعض ألفاظه الأكثر عمومية، هو الاختلاف الجذري بين الأديغة والأزرا. ليس فقط في لغتيهما المختلفتين كلياً، بل في ما هو أهم من هذا في السؤال، وهو أن الخصائص الجسمية تشكّل بينهما اختلافاً مطلقاً. الأديغة ذوو الشعر الأسود عموماً والعيون من اللون ذاته هم بداهة من عرق آخر غير الأزرا ذوي العيون الزرقاء، وبالنتيجة ذوي شعر أشقر. (122). أما بالنسبة للأباظة بالمعنى الحرفي فهم محصورون اليوم بين الأزرا والأديغة، ويبدون قريبين من هؤلاء [الأديغة] أكثر من قربهم من الأولين [الأزرا] ويقيَّمون من خلال الصورة التي رسمها لهم بالاس. (123) ويبدو أن القفقاس مقدَّر له، بالإضافة إلى ذلك، أن يقدم إلى المراقب، في مساحة محصورة، كل النماذج الأولية المتباينة التي يتقاسمها العالم القديم؛ ومن الصعب الاحتفاظ بالنقاء الكامل بعد الصدمات والاختلاطات والذوبانات التي لا تحصى، والتي كانت الوديان العليا لإقليم القفقاس مسرحاً لها منذ آلاف السنين بين كثير من الشعوب المختلفة، سواءٌ في الملامح أم في اللغة. على المراقب إذن أن يتمسك بالملامح السائدة في دراسة النموذج الجسدي أكثر من تعلقه بالمتفرقات المختلفة والفردية. والحال هذه، وكما قلت، فالخاصيات الجسمية الغالبة على القبائل التي تتكلم لغة الأزرا تختلف اختلافاً مطلقاً في الطابع الأساسي عن تركيب الشراكسة الجسمي، وهذا ما يشكل بين الشعبين علامة فارقة عميقة في ما يتعلق بالأصل.
وبسبب أن اسم الأزرا بقي مجهولاً منا زمناً طويلاً فكذلك ليسوا أقل قدماً. وكان جغرافي عربي من منتصف القرن العاشر الميلادي وهو المسعودي، يعرف اسم "خزران" Khazrân بالتحديد في مكانه الذي ما يزال يشغله الأزرا إلى اليوم، ولا يخلطهم بالأباظة الذين يسميهم الأبخاز Abkhâzes مضيفاً إلى اسمهم بالتحديد نفس الهتّة (124). ولكن هناك شيئاً آخر أكثر حسماً ويضيء ظلمات المشكلة الإثنية وهو أن الاسم الحقيقي للبلاد التي نسميها منغريليا هو كزاريا Kadzaria، وهو اسم لا يمكن أن ننكر الشبه بينه وبين أزرا وخزران الذي يورده المسعودي. (125) وتحت هذا الاسم كزاريا يشار إلى منغريليا في اللوحة التي رسمها للسيد كلابروث للقفقاس الغربية جورجيٌّ متعلمٌ (126). وهناك المزيد: هذا الاسم نفسه كدزار Kadzar أو أجار ( (Adjar (127) يخص أيضاً شعوب اللاز Lazes الذين تسكن قبائلهم المحارِبة المقاطعةَ الجبلية التي تجاور إلى الجنوب إيميريثي Iméréthi، وتمتد نحو البحر الأسود حتى ضواحي تريبيزوند. (128) والحال هذه فاللاز يقولون إنهم من عرق كارتفيل Kartvel، أي أنهم منغريليون؛ وما يعطي وزناً كبيراً لهذا الموروث هو أن العيون الزرقاء هي أيضاً ملامح خصائصية لبنائهم الجسدي، كما أن شعرهم الأشقر مشترك مع المنغريليين. وفضلاً عن ذلك يمد المسعودي بداهة اسم "خزران " إلى بلاد اللاز، إذ أنه يقول إن نهر كورون (الكور) ينبع من إقليم يحمل الاسم نفسه. ونعرف، بالإضافة إلى هذا من شهادات تاريخية كثيرة سيطرتهم على كل ساحل البحر الأسود شمال "فاز" Phase. ووجد رينيغس أيضاً في نهاية القرن الماضي إحدى قبائلهم بين الإنغور Ingour والكودور Kodor.
يبدو إذن ببداهة أن النتيجة من جملة هذه المعطيات المتطابقة هي أنّ البلدان التي تجاور في الجنوب من السلسلة القفقاسية، العمقَ الأكثر ميلاً إلى الشرق للبحر الأسود، من تريبيزوند إلى نحو بيتسوندا كانت منذ العصور القديمة ساحة لعرق واحد هو نفسه، واسمه النوعي [العام] هو الخزر، أزار، أو أزرا. والذين لبنيتهم الجسمية ملامح خصائصية هي العيون الزرقاء والشعر الأشقر، وقد يكون لهذا العرق فروع أساسية: اللاز, والإيميريتيون، والمنغريليون، والأزرا الذين تعيد دراسة لغاتهم الخاصة ربْط السوان Souanes والجورجيين. ولكن بالإضافة إلى التحريفات العميقة التي أصابت لغاتها خلال سلسلة طويلة من القرون منذ انفصال هذه الفروع المختلفة عن الجذع، والتي تكاد القرابة بينها لا تُحس اليوم، فالأقاليم التي كانت تشغلها منذ أقدم العصور تعرضت لكثير من الصدمات والهجرات الأجنبية حتى غدا من المستحيل ألا تُفسِد هذه التركيبات وهذه الخلائط المتكررة قليلاً أو كثيراً نقاءَ النموذج الأصلي. بيد أن، وأكرر هذا، المعلوماتِ المتطابقةَ التي نحصل عليها اليوم أيضاً والتشابهَ العام للبنية الجسدية، وتماثلَ اللغات، وأسماءَ الأسر [الشهرة] تؤلف حزمة من الاحتمالات لا تسمح بالشك في أن الإقليم الجنوبي الغربي من البرزخ القفقاسي كان جزءاً من شعب أشقر ينتمي إليه الأزرا.
والآن يحضر إلى الذهن أكثرُ من شك وأكثرُ من سؤال: أيُّ علاقة بين خزر حوض "ريوني" والوديان المتجاورة إلى الغرب وإلى الشرق وبين الخزرِ القدماء الشعبِ ذي الأصل الفيني الذي سيطر ابتداءً من نهاية القرن الثالث الميلادي على السهول الواسعة من روسيا الجنوبية، وقام خلال سبعة قرون بغزوات كثيرة وسط القفقاس؟ من المعروف من جهة أن الخزر ينتمون إلى الأرومة التي تشعبت على نحو عجائبي إلى شعوب شقراء، ومن جهة أخرى أن اللغات الجورجية وكذلك لغة الأزرا، حتى الشركسية، تتضمن عدداً كبيراً من الجذور الفينية. إن خزر القفقاس قد يكونون فرعاً منفصلاً عن خزر الفولغا والأورال، أو يجب أن نرى بالعكس في هذه التجانس الأممي علامة تميل أكثر إلى تأكيد الإقامة القديمة للفرع الفيني في وديان الإقليم القفقاسي قبل عصر لا يمكن تذكره حيث كان ينتشر في السهول الواسعة التي كانت تنفتح في الشمال أمامه. وفي المقام الثاني من أين يأتي أن الشراكسة يعطون اليوم للفرس هذا الاسم نفسه: الخجر Khadjar. وكذلك كان الشيت القدماء Scythes في تقرير بلين يسمون الفرس باسم خورسار الذي يبدو كأنه تحريف منه. فهل يجب أن نفهم من اسم "الفرس" الشعوب الشقراء من الأرومة الميدية médique التي أشار منهم عالم حديث إلى أن فرعاً مهماً، وهو الأوسيت، كان مستقراً في المركز نفسه للسلسلة القفقاسية؟ وأي خيط في هذه الحالة سيقودنا في هذه المتاهة من الأسماء المتجانسة لفظاً بين هذه السلسلة من الشعوب الشقراء التي تغطي كشبكة واسعة الجنوب والغرب والشمال من بحر قزوين؟ أطرح هذه الأسئلة ولا أدعي أن عندي حلاً لها. ما يزال العلماء ينتظرون عملاً كاملاً على إثنية الإقليم القفقاسي حيث كل الأحداث العلمية المحصَّلة معروضة بوضوح، ومترابطة بشكل منطقي، وحيث الشعوب والقبائل المستقرة على جانبي السلسلة مصنفة بدقة من خلال تشابهات اللغة والنموذج الجسدي، وحيث كل اللغات التي تتكلمها هذه الشعوب والقبائل مقارَنة منهجياً في ما بينها وبينها وبين اللغات الأخرى للعالم القديم، وبشكل رئيس مع أسرة اللغات الفينية؛ وهو عمل يلخص أخيراً بوضوح مجموع معارفنا الحالية عن جغرافية هذا الإقليم الغريب وإثنيتها وتاريخها التقليدي الذي عليه تتجمع، كما نحو مركزٍ مشترك، الأصولُ الأكثر قدماً لجزء من الشعوب الأوربية. وبالنسبة لي أنا الذي لا يستطيع ولا يريد أن ينهض للأسئلة العليا للتاريخ البدئي، التي سيقود إليها عمل مماثل على نحو لا يمكن تجنبه، يكفيني أن أُظهر إلى أي أسرة تنتمي الأزرا التي يجب أن يأخذ اسمُها القومي الحقيقي المكتشَف للمرة الأولى من خلال حكاية السيد بيل، من الآن مكانه في المدونة الجغرافية.
وقبل أن أنهي هذا المدخل الذي طال أكثر مما ينبغي يبقى علي أن أقول بضع كلمات عن رحلتين لمواطِنين للسيد بيل زارا في العصر نفسه المنطقة نفسها، وهما إدموند سبنسر، وج. أ. لونغوورث. سبنسر الذي عبر القفقاس عام 1836 سبق إليه حتى السيد بيل الذي لم يصل إلا في نيسان عام 1837، ولونغوورث على النقيض لم يلتحق بالسيد بيل إلا في شهر أيار التالي، ونشر كلاهما شهادته. (129) واقتبستُ منهما، ولاسيما من لونغوورث، بعض الأحداث أودعتها في حواشي ترجمتي. وهذه الاقتباسات كانت قليلة العدد وقليلة الأهمية لأن كليهما بعيد عن تقديم كومة المعلومات من كل نوع مما تتضمن حكاية السيد بيل. وقام سبنسر في العام نفسه برحلتين ساير في أولاهما الشاطئ الشركسي فقط من مضيق كيرتش إلى رودوت قلعة، وفي هذه الفترة لم يتعرض إلا إلى ثلاث نقاط: غلينجيك، وبيتزيونتا، و وبومبوري. وانطلق في رحلته الثانية من بيتسوندا إلى بشات، وتقدم من هناك إلى شمال البلاد. وبعدما اجتاز جزءاً من مقاطعة شركسية تغطي الكوبان اقترب من أنابا ثم نزل نحو الجنوب حتى الجبهة المنغريلينية، وتوغل هنا أكثر إلى الداخل، وعبر جزءاً من بلاد السوانيت Souanètes والإيميريثي، ومنغريليا، وغورييل واللاز، وأتى أخيراً ليبحر إلى بيتسوندا عائداً إلى إنكلترا. ويلاحَظ هنا أنه كان من المستحيل سلوك خط رحلة أكثر ملاءمة لملاحظات جديدة واكتشافات كثيرة من كل نوع. رأى سبنسر، إن كنا سنصدق كل نقطة من شهادته، الأقسام الأقل استكشافاً بالتأكيد من القفقاس، تلك التي كان من شأنِ وصفٍ جغرافيٍّ وإثني جيدين إلقاء مزيد من الضوء على ما تثيره الأسئلة المثارة عما قريب، والتي ما تزال تحتفظ بفجوات وظلمات. ولكن سبنسر ينتمي على الأرجح إلى جمهرة السياح العاديين، وليس إلى طبقة السياح المفيدين للعلم، القليلة جداً لسوء الحظ. وملاحظاته سريعة وسطحية، وبغضِّ النظر عن عدد قليل من الصفحات فالمجلدات الأربعة التي تروي رحلاته لا تترك أي علامات في التاريخ العلمي لاستكشافات القفقاس.
وينتمي كتاب لونغوورث تقريباً إلى الصنف نفسه؛ ولكنه يتميز بالسحر الذي عرف المؤلف كيف ينشره في كل ما يرويه وما يصفه. وإذا كانت ملاحظاته ليست عميقة عموماً فإن شكلها يشد القارئ؛ ويجد معها متعة أكثر مما يجد من التعليم، ومع ذلك فليست حكاية لونغوورث مجردة بالتأكيد من كل قيمة. ولها فضلاً عن ذلك ميزة خاصة: لونغوورث كان خلال ما يقارب السنة رفيقاً ثابتاً لرحلات السيد بيل، وشهادتاهما تضبط إحداهما الأخرى، فتصبح كلٌّ منهما ضامنة للأخرى نوعاً ما. ولا شيء في ما تبقى يختلف إلا الطابع والفكر والطريقة للرحالتين. ففي حين يحتفظ السيد بيل بثبات بجاذبية رجل رابط الجأش تناسب كل إنكليزي طيب، وكان فضلاً عن ذلك محافظاً على الطابع الدبلوماسي للرحالة، فإن لونغوورث أرخى العنان لنفسه ولاندفاعاته وخيالاته، وفي بعض الحالات أصبح التباين مسلياً. السيد بيل يرى بخاصة الجانب الجدي للأشياء، ولونغوورث يرسم منها الجانب المسلي. الأول لم يكن لديه أي رقة ولا روح كما عند الثاني، ولكن هذا روح من طينة أخرى، حتى فكاهاته لها ما لا أعرفه من "البريطانية" التي تحمل على التفكير، باعثة في الوقت نفسه على الابتسام: أما فكاهات لونغوورث فإنها إن استطعت القول هي الأكثر "فرنسية": إنه المرح الصريح والمفتوح لرجل لا يحب أن يحمل الأشياء على محمل الجد. ولأجل تلخيص الطابع الخاص والمميِّز للرحالتين ببضع كلمات أستطيع القول إن كتاب لونغوورث كُتب خصيصاً لأناس الطبقة العليا الذين يحبون التعلم دون جهد والدراسة دون مناقشة للفكر؛ في حين أن مؤلَّف السيد بيل سيجده العلماء منجماً غنياً للملاحظات العميقة والأفكار اليقينية على صعيد المجتمع الشركسي كما على البلاد التي كان استكشافها إلى وقتها ناقصاً، والتي قادته إليها قدماه.
الحواشي
- الزيخ. حافظ.
- القسوغ. حافظ.
- ليس هذا المجال لتبيان ما إذا كان الشراكسة والأباظة شعبين متمايزين تمايزاً جذرياً، أم فرعين انفصلا قديماً من أرومة واحدة، فهذه مسألة إثنية سيتم التطرق إليها لاحقاً.
- بدلاً من اسم "ساغيد" نجد عند أريان وبلين اسم "سانيغوه" Sanighœو"سانيشه" Sanichœ فيفيان (من الصعب نقل الصوت œ إلى العربية، ولكن يمكن تقريبه إلى نصف فتحة. حافظ). والعلاقة الفاقعة للاسم ساغيد بـــ " كاخي" Chakhiالذي يطابقه في التدوين الحالي للوديان والقبائل في جانب الأباظة لا تسمح بالشك في أن الاسم الحقيقي المحرف بالنقل الشفهي ليس سانديغه. وتبنّى الكاتب دانفيل في (أسيا الصغرى تابولا) كما فعلنا نحن اسم Sagidœ. ويقول أريان إن السانيغ مجاورون للزيشي Zicchi الذين يفصل بينهم نهر أكوس [أخوس] Achœus: وما يزال وادي "شاخ" والنهر الذي يحمل الاسم نفسه، ويغمر الوادي (السوتشا في الخرائط الروسية) يشكلان على الشاطئ الحدود المشتركة بين الأديغة والأباظة.
- أعاد كلابروث طباعته بعد النشرة التي سماها "رحلة الكونت بوتوسكي في سهوب أستراخان والقوقاز".
- هذه الخريطة التي رسمها فريدوس دوكون والمؤرخة بعام 1497 مستخرجة من المكتبة الدوقية لـــ "وولفانبوتل". والخريطة الأقدم من بين ست خرائط وصفها بوتوسكي تعود إلى عام 1318.
- بقي هذا الاسم الذي يشير به الجنويون إلى مؤسساتهم التجارية على طول الساحل مستعملاً استعمالاً عاماً بين سكان البلاد للدلالة على الخلجان والخلجان الصغيرة التي اختلفت إليها البواخر التركية.
- كانت هذه هي المرةَ الأولى التي خرجت فيها الحكاية من مجموعة راموسيو؛ وفي حالة فريدة، في الوقت الذي أعيد طباعة كثير من الحكايات الأخرى الأقل دقةً وأهميةً عشرين مرة فإن هذه لم تُترجم قط من الأصل الإيطالي ولا ضُمَّت إلى مجموعة أخرى.
- هو بحر آزوف حالياً. والاسم "آزوف" اسم شركسي الأصل من مقطعين: أُه = فم. زف: ضيق، بسبب شكله. وكان الإغريق يسمونه البحر الميوتي، نسبة إلى "الموط" الذين يجاورونه. والموط واحد من ثلاثة فروع للشراكسة ورد ذكْرُهم هنا، ويذكرهم إسحاق ماشباش في روايته "رَدَد" التي تؤرخ لمحاولة الأمير ردد تأسيس دولة شركسية في القرن الحادي عشر الميلادي. والفرعان الآخران للشراكسة هما: الزيخ والقسوغ، ومرّ ذِكرُهما في الحاشيتين الأولى والثانية. والفرع الرابع هم الحطف. حافظ.
- وهو خليج بيتزيونتا Pitzioûnta.
- من الواضح أن أندريانو يبالغ في توسيع حدود الأرض الشركسية على حساب أرض الأباظة.
- ربما قرموق. حافظ.
- من المحتمل أكثر أن الاسم الذي يُقرأ هنا محرَّف، ويبحث له عبثاً عن مكان يطابقه.
- في الشتاء بداهة لأن الصيف طويل وحار.
- سنرى في حكاية جيمس بيل كثيراً من الأمثلة التي تثبت أن العادة نفسها تستمر؛ فقط المولى أو رجال الدين الترك أو قضاة البلاد يشغلون الآن مكانهم حين يكتبون العظة التي كان اليهود سابقاً مكلفين بها.
- تعني الكلمة vassal مُقطَعين يُقطِعهم الإقطاعي أرضاً لقاء تعهدهم بتقديم الخدمات له. المنهل.
- انظر الحاشية السابقة 15.
- يبدو أن ما يرويه أندريانو هنا يتعلق بعُرف فردي وهو أن النبلاء يعهدون إلى أغراب (أتاليك أو أوصياء) بتربية الأولاد، وهو عرف يبدو أن كاتبنا الجنوي لا يعرفه. وسنرى في حكاية جيمس بيل تفصيلات كثيرة في هذا الشأن.
- ينطبق هذا الوصف خصوصاً على الجزء الشمالي من البلاد، المتاخم للكوبان. فيفيان. والأسل شجرٌ تُتَّخذ منه الرماح. المنهل. ويرى الأستاذ قوموق أن في الوصف مبالغة.
- لم يبق منها شيء الآن.
- الدوقا نقد ذهبي في البندقية قديماً. المنهل.
- لم يتغير شيء في هذا الشأن.
- في حكاية بيل عشرون مقطعاً يبدو أنها تفسير لهذا الأمر.
- هو الذي يُتَّخذ من بيضه الكافيار. المنهل.
- شراب كحولي مخمر.
- وحتى اليوم ليس هناك أي مسكن حجري بدءاً من كوبان إلى حدود منغريليا.
- بطلت هذه الأعراف الآن. وستجد في حكاية بيل تفصيلات كثيرة في شأن المراسم المتبعة الآن نحو الميت من النبلاء والمحاربين.
- هي مقاطعة إيطالية، وهي غير بولونيا أو بولندا الدولة المعروفة. حافظ.
- حكاية التتر والبيركوبيت والنغوي والشراكسة... بقلم رجل الدين من سان دومينيك جان دو لوقا،. في مجموعة تيفونو: "حكايات من مختلف الأسفار الغريبة التي لم تُنشَر قط" باريس 1664.
- قدم السيد بيل الملاحظة نفسها.
- لا يزال اسم "قرن" دارجاً لكأس الشاي أو القهوة. حافظ.
- تعني كلمة بسي الماء. ولا يزال الاسمَ العام الذي يطلقه شراكسة الشمال على النهر الذي يسميه النغوي "كوبان"؛ و"سيل" حسب خريطة ديليسل هو اسم الجزء الأعلى من تيريك الذي يسمى في أسفل مجراه بنهر كيسلر.
- سوبا-سو أو نهر السوبا من المحتمل جداً أن يكون سوباسش، وسوث- سو نهر السوتشا. انظر خريطة السيد بيل.
- أو سوموني القديمة. وأتوقع أن تكون هذه سوخومي. وإسكي بالتركية: قديم.
- "حكاية رحلة إلى موسكو والتتر والفرس" لـــ "أولاريوس" مترجمة من الألمانية. وكان الأخير في قاباردا في الوقت الذي كان فيه جان دو لوقا عند الشراكسة البحريين والأباظة عام 1638.
- "رحلات يوهان جاكوب لارش على امتداد السواحل الغربية لبحر قزوين من أستراخان إلى ريشت ".
- لندن 1764.
- "خارطة البلاد المجاورة لبحر قزوين الواقعة على هذا البحر" صُنعت بناء على طلب القيصر. آب 1723.
- انظر في الملحق رقم [ من كتاب بيل] لوحة اللغات المنتشرة على الشاطئ.
- نشر بالألمانية في سان بطرسبورج عام 1783 ولم يترجم إلى الفرنسية إلا مقتطفات طويلة تجدها في المؤلَّف الناقص المعنون بــــ" تاريخ اكتشافات قام بها علماء رحالة في أقطار كثيرة من روسيا وبلاد الفرس". بِرن 1778.
- لم يعمَّر غولدنستوت طويلاً ليجمع نتائج رحلته فقد مات عام 1780، حتى قبل اكتمال تحرير مؤلفه الذي نشر بعناية "بالاس". والمؤلف من مجلدين، نشر الأول عام 1787، والثاني عام 1791. ولسوء الحظ فإن أخطاء كثيرة شوهت في هذه النشرة المجلد الأول حيث وصفُ بلاد الشراكسة. وقام السيد كلابروث الذي وضعت أوراق غولدنستوت تحت تصرفه من مكتبة الأكاديمية الروسية بخدمة عظيمة للجغرافيا وعلم الإثنيات بنشر طبعة صحيحة لجزأين مهمين في الواقع، وهما المتعلقان بجورجيا وإيميريتي. ولم يترجم شيء من أعمال غولدنستوت القيمة إلى الفرنسية. ولكن النتائج الثمينة مودَعة في المؤلفات المتأخرة.
- أقصد دائماً بهذه التسمية العامة، للتطابق مع الاستعمال العام، مجموع القبائل التي تشغل في جنوب شركيسيا قمتي القفقاس وجوانب البحر حتى الحدود الشمالية الغربية لمنغريليا. وسنرى فيما بعد جانب التشويه في هذه التسمية.
- يجب استثناء المفردات اللغوية التي تسمح هنا للمرة الأولى بأخذ فكرة عامة عن لغة الأباظة ولغة الشراكسة في نهاية النصف الثاني من مجلد الرحلة الأصلي لغولدنستوت. وبمقارنتهما، سواء بينهما أم باللغات القفقاسية الأخرى. وهذه المفردات التي زاد عليها كلابروث الكثير وصححها بعد رحلته إلى القوقاز التي سنعالجها لاحقاً أعيد نشرها حديثاً في " رحلات تاريخية وجغرافية في البلاد الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين " ص 63 وما بعد.
- تُرجمت رحلة رينيغس إلى الإنكليزية مع لوحات وخارطة. وظهر مؤلَّف بيبرشتاين الذي يعلن المترجم أنه استعان به كتكملة لرينيغس بالفرنسية في سان بطرسبورج تحت عنوان" لائحة المقاطعات الواقعة على الجانب الغربي لبحر قزوين بين نهري تيريك وكور " عام 1798.ولم يُترجم أي جزء من كتاب رينيغس إلى الفرنسية.
- استند رينيغس هنا بالتأكيد إلى بعض الأمثلة الاستثنائية. والمعلومات المتأخرة لا تترك أي مجال للشك في هذا الأمر.
- يريد رينيغس حتماً الكلام على المبالغة الخاصة التي تجعل من كل جمال شركسي "فينوساً" حقيقية جميلة المؤخرة، لأن الملامح النموذجية للشراكسة رجالاً ونساءً هي القامة الرشيقة إلى أقصى الحدود.
- نبه السيد كلابروث عن وعي إلى أن هذا الاسم بورتا كومانا هو واحد من تعابير الاحتقار التي يزدحم بها مؤلف رينيغس , ولم يرد في أي مؤلف من العصر القديم. ويذكِّر بلين فقط بقصرٍ يسمى كومانيا CUMANIAمبنيٍّ على صخرة.
- هذا الاسم مستعار من اللهجة التركية التي يتكلمها النغوي. انظر كلابروث 1/115.
- في الخرائط الجنوية للقرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر التي وصفها الكونت بوتوسكي يوجد سابقاً في هذا المكان اسم نابا Napa، وأحياناً مابا Mapa.
- الفَرْست مقياس روسي للطول = 1067 متراً. المنهل.
- بالتأكيد هنا خطأ طباعي؛ فالمسافة من أنابا إلى سوجوق – قلعة ليس خمسة عشر فرستاً بل خمسة وأربعون. فيفيان. والقراءة الصحيحة تعني قصر الفئران الصغيرة. حافظ.
- يرفض الأستاذ قوموق هذه المعلومة قطعاً.
- لا أعرف إن كانت هذه الأسماء محرفة ولكن لم أجد ما يشابهها في المدوَّنة الحالية للشاطئ. والمسافة المشار إليها تتجه نحو موقع "بشات".
- يرفض الأستاذ قوموق هذه المعلومة ويقول إنها عرفت الذهب والفضة.
- قام الدكتور كوبفر عام 1829، بأمر من إمبراطور روسيا، برحلة علمية إلى ألبروز بصحبة السادة لنز وماير و مينيترييس، ووجد ارتفاع هذا العملاق القفقاسي 15400 قدماً.
- يقصد رينيغس بهذه التسمية الجزء الممتد من السلسلة القفقاسية مباشرة إلى الغرب من ألبروز.
- ليس هذا صحيحاً، فالأمم الجورجية هي التي تسميه هذا الاسم " أبخاز". أما الأباظة فيسمون أنفسهم " أبسنيه " Absnés.
- يقيم الشابسغ اليوم على يسار كوبان السفلى بين أدوغوم وشيبش.
- القامة toise مقياس يساوي ستة أقدام، أي قامة الإنسان. المنهل.
- سنرى من خلال اللوحات المدرجة في ملحق ترجمة بيل كم أن هذا الرقم بعيد عن التقويمات الأكثر احتمالاً.
- وسنجد في حكاية بيل وفي إحدى الحواشي التي أضفتها أمثلة كثيرة من هذه الاحتفالات القديمة التي ما تزال منتشرة على الشاطئين الأبازي والشركسي، وهي طقوس تحمل آثاراً واضحة لشعائر العبادة المسيحية التي اختلطت بها شعائر أخرى في تاريخ متقدم بالتأكيد.
- هو عيد رأس السنة الشركسية الذي لا يزال يُحتفل به إلى الآن، كما لاحظ الأستاذ قوموق.
- أثبتُّ الاسم باللون الغامق بدلاً من الحرف الكبير في الفرنسية الذي يشير إلى أنه اسم علم، وهو الله أو شكل من الآلهة. حافظ.
- وسيتكرر الكلام عليه في رحلة " لونغوورث ".
- في كتاب " لانفيل " يبدو أن الاسم ينطبق على الرافد الرئيس للشاطئ الأيسر من "سيانيس" أو نهر "خوبي".
- مذكرة حول الحالة المدنية والسياسية والعسكرية لتتاريا الصغرى، أرسلها عام 1755 السيد دو بيسونيل إلى وزير الملِك. وأعطى بيسونيل عام 1765 ملاحظات تاريخية وجغرافية على الشعوب البربرية التي سكنت ضفاف الدانوب وبونت – إكسيون. ويُرى فيه بحثٌ في الجغرافيا القديمة لـــ "كلوشيد" وخريطة للشاطئ الشرقي للبحر الأسود.
- رحلات مشاريع في الأقاليم الجنوبية من الإمبراطورية الروسية في أعوام 1793 – 1794 بقلم البروفسور بالاس.
- رأينا أنه إلى بالاس أوكل عام 1787 العناية بنشر نتائج رحلة غولدنستوت.
- ذكرت سابقاً الليوتونانت – كولونيل دو ستيدر الذي نشر بالاس ملاحظاته عام 1796.
- بعد عصر بالاس تغير موقع الحاتيقواي، إذ نزحوا نحو الشرق بين البجدوغ والتيمرغوي. انظر الخريطة الملحقة بمؤلَّف بيل.
- يشير بالاس بهذا الاسم العام إلى الجزء الغربي من القفقاس الذي يمشي إلى الشمال الغربي ابتداء من منابع نهر شحاكواشه Chagwache لينتهي عند التلال المدورة على شكل الحلمة، الأقل ارتفاعاً في سهل أنابا.
- بالاس الجزء الأول ص 417 وما يليها.
- الألتي – كيسيك أو الأسر الستّ [بالتركية]. فيفيان. ومر الاسم كيسيك في بدايات النص الفرنسي.حافظ.
- بالاس 1/ 375 .
- وهم الآن منتقلون أكثر إلى الغرب.
- يُرى هنا أن بالاس لم يزر شخصياً هذه المناطق من شركيسيا الغربية والأباظة، ولم يُعر اهتماماً كافياً للأفكار التي يقدمها عنهم ولم يكن عنده إلا فكرة مبهمة عن جغرافية هذه المناطق. ويبدو حسب ترتيب التعداد الذي يتبعه أن الشابسغ ربما كانوا جيراناً إلى غرب قبائل الوبيخ وتوبيفي، في حين أن الأنهار التي يذكرها تنقلنا إلى أسفل الكوبان إلى الشرق من أنابا في المكان نفسه الذي يشغله الشابسوغ اليوم (انظر خريطة بيل). وقد التبس على بالاس بالتأكيد العصر الذي سكن فيه الشابسوغ إلى الجنوب أكثر، والعصر الذي أتوا فيه إلى السكن على نهر كوبان. أما الأبات الذين هم موضع البحث هنا فالسيد بيل يعطي عنهم تفصيلات مثيرة للفضول.
- كان غولدنستوت الذي يتبع بالاس مدونته الاثنية يصنفّ كما نرى الناتخواي والشابسوغ في عرق الأباظة، ولكن التفصيلات الدقيقة التي دخل فيها السيد بيل في هذا الموضوع لا تسمح بالشك في أنه يجب أن نعدهم بين قبائل الأرومة الأديغية أو الشركسية. وكان كلابروث قد صوّب بالإضافة إلى ذلك الخطأَ في تصنيف الشابسوغ. فيفيان. أما اسم الناتخواج فالصحيح هو الناتخواي، ولا علاقة لهم بالأباظة، بل هم شابسغ يختلفون عنهم باسم موطنهم. حافظ.
- "رحلة في سهوب أستراخان والقفقاس" بقلم الكونت جان بوتوسكي. نشره طبقاً لمخطوطة المؤلف م. كلابروث. باريس 1829. ولا تشغل رحلة بوتوسكي إلا جزءاً من المجلد الأول. وما تبقى من المجلدين مشغول بإعادة طبعات مختلفة.
- رحلات إلى القفقاس وجورجيا. بقلم م.ج. كلابروث مع خريطة جورجيا. باريس 1823. كان كلابروث قد قدم بالألمانية الطبعة الأولى من رحلته. ثم نشر تحت عنوان: لوحة تاريخية وجغرافية وإثنية وسياسية للقفقاس والمقاطعات المتاخمة في روسيا وبلاد الفرس. باريس 1827. مجلداً صغيراً هو نوعاً ما ملخص لرحلته.
- لا يقع كلابروث هنا في خطأ بالاس الذي يعتبر الشابسوغ من قبائل الأباظة.
- في نهاية الجزء الثاني من رحلته الأصلية التي نشرها بالاس.
- ستجد في ملحق رحلة السيد بيل في نهاية المجلد الثاني تفصيلات كثيرة عن الأحداث السياسية التي يتعلق بها هذا الاستيلاء وامتلاك الروس لأنابا.
- رحلة إلى القفقاس قام بها عام 1818 السيد تيبو مارينيي. بروكسل عام 1821. ونتيجة حادثٌ في البحر تلف القسم الأعظم من هذه النشرة فأصبح الكتاب نادراً جداً عندما قام السيد كلابروث بإعادة طبعه (ولكن دون اللوحات) بعد كتاب رحلة الكونت بوتوسكي.
- الفرسخ 4 كيلومترات تقريباً: المنهل.
- وضع السيد مارينيي ثبتاً صغيراً للغة الشراكسة والناتخواي يمكن مقارنته بما فعله كلابروث.
- سبق الحديث في هذا الموضوع، وأن من يوْدعون أطفالهم هم النبلاء وليس كل طبقات الشعب. حافظ.
- رحلة في قفقاسيا. منشورات كلابروث. ص 301. والمشهد نفسه أوحى إلى السيد بيل أفكاراً مشابهة.
- يبدو أنها عادة آسيوية إذ يروي الكاتب اللبناني أمين المعلوف في روايته "سمرقند" حادثة من هذا القبيل، مفادها أن قاتل ابن تلك الأسرة فعل هذا [لمس حلمة أم القتيل] فعفت الأسرة عنه، وأصبح الغريب شخصاً من الأسرة عليه مسؤوليات أبنائها. حافظ.
- كالعرب القدماء: يا قضيباً في كثيب... لأبي نواس. حافظ.
- دليل سواحل البحر الأسود. ص 46.
- خريطة ناقصة للبحر الأسود، خضعت لملاحظات غوتييه عام 1820.منشورة من أمانة البحرية، ومن ورقة واحدة.
- وسأنبه كذلك إلى أن اسم أباز Abases المدون على كل امتداد الشاطئ الشرقي للبحر الأسود كان يمكن أيضاً أن يختفي لو أُريدَ في هذا الخصوص من الخريطة أن تدل على الحالة الواقعية للأشياء وليس مجرد تسمية اصطلاحية [ توافقية ]. هذا الاسم أباظة Abâzes أو Abâzas يجب في الواقع أن ينحصر بين رأس " أردلر " ووادي فاردان (ليست هذه النقطة الأخيرة كما هي مشار إليها الآن على الخريطة، بل إلى حيث سينقلها التصحيح). وفي شمال فاردان يجب كتابة اسم " أديغة " Adighés أو شركس Tcherkesses،وفي الجنوب من رأس "أردلر" حتى خط العرض الأربعين، العائد للأباظة.
- صدر الكتاب عام 1824 في باريس بعنوان: رحلة في روسيا الجنوبية وخصوصاً إلى المقاطعات الواقعة في القوقاز.
- خريطة السيد دارميه التي رافقت رحلة غامبا رغم أنها منشورة بعد أربع سنين من خريطة الكابتن غوتييه تقدم أيضاً في رسم الشاطئ نواقص الهيئة التي صححها عمل غوتييه. والمؤلف، وخاصة في ما يتعلق بشاطئ الأباظة، استخدم بداهة أدوات من أصل مختلف لم يعرف تنسيقها. إن موضع بيتسوندا بخاصة، مكرر فيها مرتين باسم بيتشوندا وبيسوندا.
- صدر في برلين عام 1815.
- صدر في شتوتغارت عام 1825 – 26
- تقرير مرفوع إلى أكاديمية العلوم الإمبراطورية.سان بطرسبورج، عن رحلة في جوار جبل ألبروز جرت بأمر إمبراطوري عام 1829. وقد قدر الدكتور كوبفر الارتفاع المطلق لألبروز بـــ 16800 قدماً فوق مستوى سطح البحر. وحدد فيشنيفسكي علو النقطة الأعلى من بين القمتين الأعليين بـــ 2898 قامة [القامة ستة أقدام] أو 17388 قدماً وارتفاع القمة الأدنى 2878 قامة أو 17268 قدماً.
- رحلة حول القفقاس عند الشراكسة والأباظة في كلوشيد وجورجيا وأرمينيا والقرم مع أطلس جغرافي رسمي آثاري وجيولوجي... لفريديريك دوبوا دو مونبيريو. باريس عام 1839 في ثلاث مجلدات من ثمانية هي الوحيدة التي ظهرت حتى اليوم، لا تقود المؤلف بعدُ إلى يريفان.
- منحته الجمعية الجغرافية في باريس جائزتها الكبرى لعام 1838.
- بعض النُبَذ على هذه الأعراق القفقاسية، وبشكل رئيس على الشراكسة. بقلم فريديريك دوبوا دو مونبيرو. في نشرة الجمعية الجغرافية.
- سبق من المقدِّم إدراجهم خارج الأديغة! حافظ.
- يرى الأستاذ قوموق هذا التصنيف يعتمد على معلومات قديمة ثبت عدمُ صحتها.
- تُثبت هنا كلمةٌ بأحرف فرنسية تُقرأ بصعوبة tcho,hhotl وأظنها "فقولأ"، كما في الموسوعة الفرنسية، وكما سيعقّب فيفيان في الحاشية التالية. وهم فلاحون أحرار ولكنهم مرتبطون بالعمل مع صاحب الأرض. حافظ.
- يُخطئ دوبوا في تسمية العبيد بهذا الاسم فالــــــــ thfokwalt (فقولأ) تعني على العكس الرجال الأحرار، كما في الحاشية السابقة. وسنجد في يوميات السيد بيل أمثلة كثيرة في هذا الشأن. فيفيان. ويؤيد رأيَ المترجم ما جاء في الموسوعة الفرنسية على "فقولأ" وهم أحرار ولكنهم يعملون في أرض الإقطاعي. حافظ.
- كورلاند مقاطعة تاريخية من ليتوانيا كانت دولة مستقلة. حافظ.
- يفصل نهر تيرك بين القبرتاي الكبرى والقبرتاي الصغرى، الأولى إلى الغرب، والثانية إلى الشرق. وبينهما بعض الاختلافات اللهجوية البسيطة. حافظ.
- أحدث الوثائق الجغرافية والتاريخية عن القفقاس، استخلصها وأكملها برونيفسكي. موسكو 1823 (بالروسية).
- لوحة إحصائية للقفقاس. بقلم إيفيتسكي. سان بطرسبورج (بالروسية).
- وصف الأملاك الروسية في ما وراء القفقاس حسب التقارير الإحصائية والإثنية والطوبوغرافية والمالية.
- روسيا في آسيا الصغرى أو رحلات المارشال باسكيفيتش عامي 1828 و1829 من وجهة نظر جغرافية وتاريخية وسياسية، باريس 1840.
- لا يمتد الأديغة حتى غاغرا بل إلى الأنهار الصغيرة لفاردان أو خيسا Khissa على ثمانية فراسخ أو 32 فرستاً نحو الشمال. انظر يوميات السيد بيل اللوحة رقم 14 في الملحق.
- لا يعرف فونتونُ الحاتيقوايَ في المكان الذي كانوا يشغلونه زمن إقامة السيد بيل في البلاد بين شحاكواشا وبسيج (بشزة) فوق الكوبان.
- هذا الموقع الأخير هو موقعهم الحقيقي اليوم.
- الناتخواي هم الآن القبيلة المسيطرة بين الأديغة، وأعطوا اسمهم إلى كونفيدرالية تشغل طول الشاطئ من أنابا إلى تخوم الأباظة على الشاطئ. لا أستطيع إلا أن أحيل إلى يوميات السيد بيل نفسها.
- أي نوتواتش Notwhatch. انظر ملاحظة سابقة تقول إنهم المسيطرون في الأديغة.
- يجري الكلام بداهة على سكان وادي فاردان. كما في غولدنستوت. وأولئك الذين في وادي شاخه يحملون اسم ساخي، وهو اسمٌ يذكِّر كما رأينا قبل قليل بقبيلة ساغيد Saghide التي تضعها الجغرافيا القديمة في نفس الموضع.
- دوبوا دو مونبيرو 1 / 180.
- عن الظروف السياسية التي كانت فيها القفقاس زمن رحلة بيل يمكن العودة إلى "ذكريات الغزوات الروسية الأخيرة ضد القفقاسيين" مسبوقة ببحث سريع لأخلاق هذا الشعب. لعدة مؤلفين. باريس 1837.
- أقول "أسماء" لأن الوادي نفسه يحمل غالباً اسماً شركسياً وآخر روسياً وثالثاً تركياً، وهذا التعدد للأسماء سبب غالباً لبساً كبيراً في مدونات جغرافيي تلك المنطقة.
- أهتم بخارطة للجزء الغربي من القفقاس حيث سيشار إلى كافة هذه التفصيلات بالإضافة إلى ما يمكن أن يزودنا به الرحالة الروس والألمان والفرنسيون والإنكليز الذين استكشفوا هذا الإقليم منذ عصر غولدنستوت، وكذلك أفْضل الخرائط الروسية.
- تعني العبارة: الأبواب الدافئة. وهو ممر قديم في قلب اليونان استمد اسمه من ينابيع دافئة كثيرة تنبع من قدم شاطئ صخري. واشتهر التعبير في التاريخ بسبب أكثر من معركة جرت في الموقع بين اليونان وخصومهم قبل الميلاد وبعده، سميت كلها بـــ معركة المياه الدافئة. الويكيبيديا الفرنسية.
- انظر الصورة التي رسمها غامبا للأباظة Abâzesالذين من ضواحي سوخوم –قلعة، أي الأزرا.
- الأبّاس الذين يسمون أنفسهم أبسنيه لهم جميعاً الوجه الضيق المتطاول، والرؤوس مضغوطة على الجانبين، وأسفل الوجه قصير، والأنف بارز، مما يعطيهم خاصية وطنية. وأغلبهم له شعر أسود غامق أيضاً.
- نطق بملء النَّفَس كنطق الهاء.(المنهل)التي تغير "أزرا" إلى "خزران" Azra: Kh-Azran .
- المسعودي: وصف البلدان المجاورة للبحر الأسود وبحر قزوين. مترجم من العربية في المجلة الآسيوية لكلابروث. وهذا الضم [الإضافة] للهتة الأولية بالإضافة إلى ذلك عامة جداً في أسماء قبائل القفقاس، وهكذا بين عشرين مثالاً آخر مثل: الزيخ أو أديغيه أصبحا عند المؤرخين الروس أزيغ وأسّوغ وخاسذوغ، وكذلك أسماء شعوب القفقاس. ومن المعروف صعوبة نطق أسماء القبائل، وصعوبة التقاط الأذن الأجنبية لها.
- يقول دوبوا دو مونبيرو أيضاً إن المنغريليين إلى اليوم يسمون أنفسهم: كادساريا Kadsariah. فيفيان.والفظِ الدال والسين في صوت واحد. حافظ.
- أدغِمِ الدال في الزاي، وفي الجيم بحيث تصبح كالجيم العربية الفصيحة. حافظ.
- تضع لائحة الاسماء التي ذكرت أنها من جورجيٍّ عالم إلى كلابروث اسم أدجارا تحت إيميريثي.
- نُشرت حكاية سبنسر في جزأين عامي 1837 و1838في لندن. ونشرت حكاية لونغوورث عام 1840 في لندن أيضاً.